* اننا بحاجة الى أدب يعتمد الاساليب الحضارية ، أدب يعايش هموم ومعاناة الطفل الفلسطيني ويجسد واقعه وقضاياه اليومية واحلامه وامانيه المستقبلية
* الحركة الثقافية الفلسطينية في هذه البلاد عانت لسنوات طويلة من نقص كبير في ادب الاطفال ، ولم ينشط في هذا المجال سوى الكاتبين مصطفى مرار ومحمود عباسي
* من المؤلم والمؤسف ان العديد من هذه الاصدارات والمؤلفات المطروحة في الاسواق غير متكاملة فنياً وذات مستوى ضعيف وركيك ولا قيمة فنية او رسالة تربوية وحضارية لها
لا شك ان الكتابة للاطفال ليست بالأمر السهل واليسير ، اذ لا يكفي ان يكون المبدع كاتباً للكبار حتى يكون كاتباً ناجحاً للصغار. فالكتابة الفنية الابداعية للطفل تتطلب، بالاضافة الى الموهبة الحقيقية والاحساس التربوي ، التخصص في التربية وعلم النفس للاحاطة بعالم الاطفال وطبائعهم ورغباتهم وميولهم، والتزود بمعرفة مراحل نموهم والخصائص السيكيولوجية ، التي تتسم بها كل مرحلة من مراحل تطورهم، والتفاوت في مستوياتهم العلمية واللغوية والبيئية والاجتماعية والحضارية.
والحقيقة ان الحركة الثقافية الفلسطينية في هذه البلاد عانت لسنوات طويلة من نقص كبير في ادب الاطفال ، ولم ينشط في هذا المجال سوى الكاتبين مصطفى مرار ومحمود عباسي، اللذين اصدرا مجموعة من الكتب تضمنت قصصاً للصغار . ثم خاض هذه التجربة الكاتب والمربي الذي رحل عن الدنيا مبكراً عبد الطيف ناصر ، بعد ان شق طريقه وقدّم لنا عدداً من الأعمال القصصية الواعدة والجادة. وفي السنوات الاخيرة لاحظنا تزايد الاهتمام الواسع بهذا الادب، لما يحمله من تأثيرات ايجابية على مدارك ووعي وسلوك الطفل وتمكنه من حمل اعباء المستقبل بقوة وعزيمة. وبرز هذا الاهتمام باغراق السوق بكتب الاطفال وأنشاء مركز ادب الاطفال ، بمادرة من المثقفين والمهتمين والمتخصصين في الكتابة للطفل، وبدء تعليم وتدريس الاسس الفنية وال! جمالية لهذا الادب في عدد من مدارسنا الثانوية وكليات التربية. وبرأيي فأن هذه الخطوات ، التي حظيت بالترحيب من الاوساط التعليمية والتربوية والادبية والشعبية والاكاديمية في مجتمعنا ، هي خطوات ايجابية ومباركة وتعتبر انطلاقة جدية وقفزة نوعية هامة لبلورة الاسس والهوية الحقيقية لأدب الطفل في الثقافة العربية المحلية . ولكن من المؤلم والمؤسف ان العديد من هذه الاصدارات والمؤلفات المطروحة في الاسواق غير متكاملة فنياً وذات مستوى ضعيف وركيك ولا قيمة فنية او رسالة تربوية وحضارية لها وتهدف بالأساس الربح التجاري ، وهذا ما نلمسه في تركيز القائمين على اصدار هذه المؤلفات على الاخراج الفني والطباعة الأنيقة الفاخرة ذات الألوان الجذابة ، التي تشد الناس وتدفعهم لأقتنائها رغم تكلفتها الباهظة ، اكثر من الأهتمام بالمحتوى والمضمون.
اننا بحاجة الى أدب يعتمد الاساليب الحضارية ، أدب يعايش هموم ومعاناة الطفل الفلسطيني ويجسد واقعه وقضاياه اليومية واحلامه وامانيه المستقبلية ، ويسهم في تكوين شخصيته الاجتماعية والتربوية والنفسية وينمي فيه الاخلاق الحميدة ويعمق قيم الحب والخير ومحبة الاّخرين في نفسه وروحه . وليست اوراقاً ملونة ونصوصاً هزيلة وضعيفة وهرطقات وخزعبلات فارغة . لذا فان المطروح هو مجابهة ومحاربة ظاهرة انتشار الكتب التجارية للاطفال وعدم التعاطي مع مسوقيها ومروجيها وكاتبيها ، حتى لو كانوا مرموقين وأشهر من نار على علم . وكذلك استعادة الوجه الناصع والمشرق والحقيقي والهوية المتميزة لهذا الأدب، بالعمل على نشر الادب الرفيع ذي التوجه الانساني العميق والملامح الفكرية الادبية ، والذي يعبر وينقل واقع الطفل وقضايا مجتمعه الذي يعيش فيه ويترك اثره على نفسيته ويرسخ فيه الشعور الوطني والاحساس القومي وروح التضحية والعطاء لمجتمعه وشعبه. انها دعو! ة مفتوحة لكل الذين يعون اهمية الكلمة ود ورها وتأثيرها في حياة الطفل وتهمهم مصلحة ومستقبل اطفالنا ، الذين يستحقون بان نقدم لهم اعمالاً ناجحة برؤية علمية سليمة ، فهم يحبون الحياة فلماذا لا نحببهم فيها؟!