صحيح أننا الأضعف - لكن لسنا بلا حول ولا قوة.. صحيح أننا ما زلنا نعتبر المفاوضات طريقا للتوصل الى حل- لكننا ومعنا كذلك حركة فتح نقول ان المفاوضات- لوحده- لم تكن ولم تعد مجدية.. صحيح أننا نعيش حالة انقسام- لكننا جميعا متفقون على ان الاستيطان هو اخطر ما نواجهه الآن.. والمؤكد كذلك أننا جميعا ( ومعنا الى حد ما حتى الذين انقلبوا بغزة ) قد رحبنا بشكل أو بآخر بقرار وقف المفاوضات، واشتراط استئنافها بوقف الاستيطان، وبوقف إجراءات تهويد القدس.. وساندنا الرئيس فورا وباركنا قراره، واستبشرنا خيرا آملين ان يكون هذا القرار فاتحة تغيير في نهج التفاوض وثورة على الأسلوب العقيم الذي ساد المفاوضات منذ اوسلو ولغاية اليوم..
لكن قرار الرئيس بالمشاركة باللقاء الثلاثي بنيويورك مع اوباما ونتنياهو أصابنا بخيبة أمل جديدة- لأنه اظهر كم هي قيادتنا مستعدة للرضوخ للضغوط الأمريكية.. وكم هي واهمة وتراهن على إمكانية قيام الولايات المتحدة بدور الوسيط النزيه والراعي المنصف لعملية السلام، ولذلك تعجلت بالاستجابة للدعوة الأمريكية للقاء الثلاثي دون ان يقدم نتنياهو قبل ذلك أي تنازل أو تراجع عن مواقفه المتشددة- معتقدة انها بذلك ستظهر في نظر أمريكا والعالم بأنها جدية في سعيها للسلام، وانها ستظهر بذلك اسرائيل كعقبة تعرقل السلام، غير مدركة ان مثل هذه الإشارات التي ترسلها لن يفهمها خصمنا الا كدليل على إمكانية رضوخنا الدائم للضغوط، واستعدادنا لتقديم التنازلات كلما تشدد هو بمواقفه وتمسك بخياراته..
لقد كان قرار وقف المفاوضات ووضع شروط لاستئنافها قرار حكيم استبشرنا به في حينه.. لكننا قلنا كذلك في حينه- انه لم يكن كافيا للضغط على اسرائيل، ولا للتأثير على مواقف الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي- لأنه لم يكن مترافقا بقرار تعزيز الكفاح الشعبي وتصعيد أعمال المواجهة والتحدي لأنشطة ومخططات المستوطنين، فوتيرة المقاومة الشعبية لم ترتفع- رغم القرار الصائب الذي اتخذه مؤتمر فتح باعتبار المقاومة الشعبية نهجا للخلاص من الاحتلال، والذي كنا نأمل جميعا ان يعطي زخما ملموسا للجهد المبذول، وان يؤدي الى إشعال المزيد من البؤر الملتهبة في وجه الاحتلال والاستيطان..
ان ضعف المواقف الأمريكية- التي لم تستطع لغاية اليوم ان تفرض على اسرائيل حتى تجميدا مؤقتا للاستيطان- كان يجب ان يبدد الوهم الفلسطيني والرهان على أمريكا بأنها مستعدة للمضي حتى النهاية فيما قد أعلنته من انها جادة في انهاء ملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وانها ستبذل ما تستطيع لإلزام اسرائيل بتنفيذ القرارات الدولية.. وقد اتضح وبعد مدة كافية من حكم اوباما ان الادارة الأمريكية لم تغير في عهد اوباما من استراتيجيها تجاه القضية الفلسطينية - الا من حيث الشكل- ودليل ذلك انها وفي جزئية واحدة من الصراع ( وهي ملف الاستيطان ) استغرقت شهورا عدة من العمل والزيارات المكوكية، دون ان تحقق أية نتائج ملموسة، وبدلا من ان تزيد من ضغوطها على اسرائيل تبنت موقفا وسطيا في الخلاف حول الاستيطان، وتراجعت هي عن موقفها السابق لتوافق على التجميد المؤقت لتسعة شهور بدلا من الوقف الكامل، واتجهت للضغط على الفلسطينيين وعلى العرب كي يقدموا ( بوادر حسن نية تشجيعية لاسرائيل )، وللاستعانة بهم للضغط على الفلسطينيين (تشجيعهم وإقناعهم باللغة الأمريكية) كي يتراجعوا عن شروطهم لاستئناف المفاوضات..
وأخيرا وأمام هذا التراجع الضار والغير مقبول ( حتى ولو كان تكتيكيا كما يقول الرئيس) أصبح لزاما ولابد من الدعوة العاجلة لانعقاد المجلس المركزي الفلسطيني، كي يناقش الأوضاع عامة (بما فيها حالة الانقسام )، ويصوب المسار، ويرسم خطة جديدة للتحرك، وإستراتيجية متكاملة للعمل الوطني، يشارك بوضعها الجميع، ويكون الجميع مسئولا عن تنفيذها.
مخيم الفارعة – 21/9/2009