لقد صلى جبران ، صاحب النبيّ أكثر من مرة وأكثر من صلاة ، وكان دوما في صلواته صادقا ، حارا خاشعا في محراب القدسية ومعبد الانسانية.
ولعل أجمل صلواته اثنتان ، الأولى على لسان الحمل الصغير الذي أطاع أمه وراح يصلي لله بخشوع منقطع النظير ، لكي يمنح السلام والوئام لأخويه المجنحين ـ النسريّن ـ اللذين اقتتلا في الجو واحتربا ، وكلاهما يمني نفسه بافتراسه ، لقد صلى الحمل الصغير بحرارة وسذاجة وبراءة الاطفال !!!
أما الصلاة الثانية والتي اعجبتني وما زالت فتقول : " يا رب ! اجعلني فريسة للأسد قبل ان تجعل الارنب فريسة لي " لقد وقفت وما زلت اقف أمام هذه الصلاة دهشا ، أنعم النظر فيها واقلبها يمينا وشمالا وشرقا وغربا وفي كل الاتجاهات فاجدها دائما تفيض إنسانية وتزخر بالمعاني الجليلة البعيدة عن الدنس والتعالي والطغيان .
فما احوجنا اليوم ، وفي خضم الاحداث المتلاحقة ، وفي بحران الظلم والفقر والاضطهاد الذي يسود وجه معظم بقاع واصقاع هذه المسكونة ، ما احوجنا الى أن نغسل قلوبنا وافكارنا من الادران والشوائب ونعطي انفسنا فرصة الوقوف امام محكمة الضمير ـ صوت الله في الانسان ـ فأنا على يقين أنه مهما تمادى الانسان في غيه وطغيانه ففي أعماقه جذوة للخير ما زال فيها نفس من لهب .
ما أقسى ان يتجبّر الانسان ويقسو !! وما أقسى ان يسرق احلام اخيه ويسحقها بحذائه الغليظ سحقا ، ثم يدّعي الحذلقة والشطارة ، فكم من امة سطت عُنوة على مقدرات امة اخرى وكنوزها وثراوتها ونهبتها باسم الفذلكة والوصاية . وكم من امة سلبت حرية امة اخرى ومرّغت بالتراب كرامتها وداست حقوقها، لقد آن للظلم ان يرحل ويتركنا بحالنا وآن له سريعا ان يحمل عصا الترحال طوعاً او رغماً عن انفه ، ويترك اديم هذه الدنيا ليفتّش عن كوكب آخر او حتى الى الجحيم .
وآن لنا نحن بني البشر ان نقف في وجهه صارخين : إننا نمقتك ، وإننا ذقنا منك ومن اتباعك الأمرّين ، فأنت يا هذا ضيف ثقيل الظل وغير مرغوب بك بين ظهرانينا . مهمة صعبة تنتظر الانسانية ، مهمة مقدسة على الكل ان يتحمل عبئها ، من القادة مروراً برجال العلم والدين ووصولاّ الى رجل الشارع .
ولعلّ رجال الله هم السدّ المنيع الذي يقف في وجه الظلم ، وذلك بزرع روح العدالة والمحبة والبذل ، ورسم البسمات على شفاه الحزانى والمعذّبين في الارض. وأخيرا اعجبتني طريقة غاندي زعيم الهند في دحض الظلم وفي رفع لواء الحرية والعدالة ، فكان له ما كان دون ان ينزف دم ويسيل نجيع .