* اعادة البناء في لجنة المتابعة: ما بين ترتيب الكراسي والمطلوب فعليا بقلم : د. أسعد غانم ود. عدنان بكرية
* لا شك ان السيد محمد زيدان، منذ توليه لرئاسة لجنة المتابعة، كخيار توافقي وسطي لرئاسة اللجنة، وهو يقوم بواجبه التمثيلي بشكل جيد
* قرار لجنة المتابعة الاخير، بخصوص الدستور الداخلي، هو ذر للرمل في العيون، ومحاولة للحفاظ على ما افلس ولم يعد مقنعاً
اقرت لجنة المتابعة قبل حوالي الاسبوع ما يسمى ب " دستورها الداخلي "، وهنا يجب التساؤل:ما معنى ان تدعو لجنة المتابعة العليا الى اجتماع "هام" لنقاش الدستور؟ وماذا يعني لاعضاء لجنة المتابعة قرارها التاريخي باصدار نظام داخلي "دستور"، في الوقت الذي تتجاهل فيه ضرورة توضيح مضامين النضال بالقدر المعقول من الايجابية، وحول ما نريده من اهداف وتطلعات وطنية وليس فقط ما لا نريده فيما يتعلق بقضايا مثل التمييز والعنصرية، علما بانها الهيئة التمثيلية العليا والاكثر اهمية لدينا (او من المفروض ان تكون كذلك).
وما معنى ان تشير الى ان مضمون نضالها يعتمد على قرارات مؤتمر المساواة، الذين تضمن اشارات فضفاضة وغير مفهومة بالنسبة لمعنى المساواة، وتجاهلت ما تطور خلال اكثر من عقد وتكلل باعلان وثيقة "التصور المستقبلي" التي اعادت الاعتبار للجنة المتابعة، على الاقل في مستوى الخطاب؟ وخصوصاً ان استطلاعات الرأي العام تشير الى ان اكثر من 90% من الجمهور الفلسطيني في اسرائيل يؤيد مضامين التصور. ام ان لجنة المتابعة ارتعبت من الهجوم السلطوي على الوثيقة ومضمونها، ففضلت العلاقات العامة على مصالح جمهورها؟ هذا يؤكد ان لجنة المتابعة لم تعد تمثل الفلسطينيين في اسرائيل، ويشير بانها كانت ملائمة على اكثر حد لاواسط سنوات التسعينيات، عندما عقد مؤتمر المساواة، والا فكيف نفسر عدم اخذها بالحسبان، لما حصل للفلسطيننين في اسرائيل، على المستويين: الفلسطيني والاسرائيلي، خلال العقد الاخير؟ ام ان التطورات لا تستحق نقاشاً جدياً ممن يدعي تمثيل الفلسطيننين في اسرائيل؟
والامر الهام في سياق طرح المساواة وتحقيقها.. هل المساواة هي الهدف الاستراتيجي الوحيد الذي تتوق اليه لجنة المتابعة؟ واين نحن من طرح الحل العادل للقضية الفلسطينية وهل هناك رؤية موضوعية لشكلية الحل ترتقي الى مستوى القضية؟ واين نحن من شعبنا الفلسطيني ونضاله العادل ؟! وماهو دورنا التأثيري وكيف يمكننا ان نرتقي بهذا الدور بشكل فاعل بحيث نرفد النضال الوطني الفلسطيني بروافد واليات اخرى؟ هل مثلا تجربة الحركة الاسلامية والشيخ رائد صلاح في القدس، مقبولة ام مرفوضة من قبل لجنة المتابعة؟ واذا كانت مقبولة، ماذا يعني هذا للجنة المتابعة؟ واكثر من ذلك: ما هو موقفنا من الاقتتال الداخلي الفلسطيني؟ وهل خيار رجال السلطة بالتعاون مع اسرائيل ضد اهل غزة وضد مصالح الشعب الفلسطيني، هي امور ليست من شأننا بشئ؟، ام ان لجنة المتابعة هي امم متحدة وتنتهز المواقف التي تكفل السلامة؟
لا شك ان السيد محمد زيدان، منذ توليه لرئاسة لجنة المتابعة، كخيار توافقي وسطي لرئاسة اللجنة، وهو يقوم بواجبه التمثيلي بشكل جيد، كما وانه يحاول جهده في الحفاظ على حالة التوافق هذه، التي عيّن بموجبها، وبهذا فانه يؤدي ما هو مطلوب منه. ولكن المطلوب منه حاليا هو اقل بكثير مما يجب ان تعمل على انجازه فعليا لجنة تمثيلية لمجموعة قومية تتطلع الى الحياة الكريمة. الا ان لجنة المتابعة مصممة على الاخفاق المتواصل وعدم القيام بدور تاريخي، كما كان متوقعا من هدف تأسيسها، وذلك على ضوء مكانتنا القومية والمدنية والموقع السياسي والاستراتيجي الذي يتبوأه الفلسطينيون في اسرائيل كجزء من الصراع العام في المنطقة وفي اطار النضالات الحساسة التي تخوضها المجموعات الثانوية في العالم، ضد الهيمنة والاقصاء والتهميش. او حتى في امكانية ان تتحدى لجنة المتابعة سياسات الدولة في القضايا اليومية، مثل هدم البيوت، مصادرة الاراضي، اعتقال القيادات وتقديمهم للمحاكم، وحتى اتخاذ موقف في مسألة السياسات الاسرائيلية في القدس؟. هل فعلا تستطيع ثني السلطة عن هدم بيت واحد في النقب، او المساهمة في بناء البيت بعد هدمه، او التجرؤ على التظاهر امام السفارة المصرية في تل ابيب، مثلا، احتجاجاً على جدار العار؟
الاشكال الرئيسي في عمل لجنة المتابعة هو باختصار اسلوب عملها، من حيث اتخاذ القرارات وتنفيذها والذي يبدأ في كيفية تشكلها، وكل هذه الجوانب تعتمد على التوافق بين اجنحتها بدل الحسم الديمقراطي وتصويت الاغلبية، وهو اسلوب لم ولن يؤدي الى أي اختراق جدي، بل انه وسيلة للحفاظ على الموجود واعادة انتاجه من جديد من خلال تغليفه بعبارات التحدي والنضال وتسويقه على انه جديد بجديد.
فماذا، على سبيل المثال، استنتج من وراء النقاش الساخن والمتواصل الذي اثير خلال العقدين الاخيرين حول وضع لجنة المتابعة وضرورة تغيير طرق عملها؟. الجواب هو بتوزيع الكراسي على الشركاء الرئيسيين كمقدمة، حسب نص رسالة الدعوة، " كي نتمكن بعد هذه المَهمة من الانطلاق في مواجهة القضايا والتحديات العديدة". وهنا يأتي السؤال: بأي شكل، من حيث المضمون، يختلف ذلك عن اتفاق مرشحين عائليين من قرية صغيرة، على تبادل كرسي المجلس المحلي او قيام المختار بتوزيع وتوسيع مقاعد العائلات المختلفة في مجلسه الموقر؟ وكيف يمكن من خلال اعادة توزيع الكراسي الانطلاق نحو مواجهة التحديات؟
والانكى من ذلك، ان لجنة المتابعة التي تدّعي تمثيل الفلسطينيين في اسرائيل معتمدة على ما سمي في دستورها، "الديمقراطية"، مع انها لا تحترم ادنى درجات الديمقراطية عندما يتعلق الامر بتغيير جدّي، قد يفرض تغيير المباني واساليب العمل المعهودة. فما معنى تنفيذ الديمقراطية اذا كانت كل استطلاعات الرأي الجدّيّة تشير الى ان اكثر من 90% من الفلسطينيين في اسرائيل يؤيّدون انتخاب لجنة المتابعة؟ واذا كان جواب البعض بان ذلك ليس اكيداً، فلماذا لا يتم التجاوب مع مطلب بعض اعضاء اللجنة حول الانتخاب المباشر، واجراء استفتاء اوّلي حول هذا الموضوع بين الفلسطينيين في اسرائيل؟
واتمنى ان لا نستمر في ترديد نفس السؤال : كيف يمكن اجراء ذلك؟ لأن الجواب ببساطة هو: هنالك عدة بدائل، وهي ليست مكلفة وممكن تنفيذها حالا. فلماذا اذن الاصرار على الموجود؟ هل لأن ذلك لن يثير السلطة، الثائرة كالثور أصلاً؟ ام ان الامر يتعلق بمصالح الذين يتبوئون الكراسي حاليا، ضاربين بعرض الحائط مصالح المجتمع ؟
ان قرار لجنة المتابعة الاخير، بخصوص الدستور الداخلي، هو ذر للرمل في العيون، ومحاولة للحفاظ على ما افلس ولم يعد مقنعاً، ويساهم في ابقائنا على درجة نضالية اقل بكثير مما يجب، ويجري على ضوء دوافع واضحة ومفضوحة، هدفها منع عملية التغيير، الا اذا كان ترتيب الكراسي حول طاولة لجنة المتابعة، من الاساليب النضالية المستحدثة.
فالدستور(النظام الداخلي) لم يأت بالجديد بل اعاد توزيع الكعكة بين مركبات اللجنة بشكل جديد وتجاهل العديد من الطاقات والفئات الغير مأطرة وعزز الفئوية ورسخ ادواتها بشكل ملفت للنظر..الامر الذي سيفقدها شرعية تمثيلها اذا لم تتدارك الامر وتغير ديباجتها المعهودة بالشكل الذي يتلائم مع البنية الاجتماعية والسياسية للاقلية الفلسطينية هنا.
ان استمرار لجنة المتابعة في غسل ونشر ما اتفق عليه توافقياً بين مركباتها وتجاهلها للمطلب الجماعي بانتخابها مباشرة من قبل الجمهور، واستمرار النهج التوافقي البالي، في تحديد المضامين وطرق العمل، وتنازلها عن ادوات نضالية مثبتة ومؤثرة، ارضاءا لبعض مركباتها، افقدها ويفقدها الكثير من قدرتها على قيادة نضالات مجتمعنا ويجعل الشعار وتوزيع المقاعد والبيان التلخيصي اساس النضال المتعثر. هذا الوضع كان يجب ان يتغير تدريجيا ويصل الى درجة من النضوج للتعامل مع التحديات، قبل الان بكثير، واصرار لجنة المتابعة على نفس النهج المؤدي الى عدم القيام بما هو مطلوب، يجب ان يكون دافعاً للمبادرة الى التغيير من خارج لجنة المتابعة، وهذا بالفعل ما يجب الشروع به حالاً.