* مخطط لبناء فندق سياحي على أرض المقبرة
- القاضي أحمد ناطور:
* لا يجوز البناء على المقابر الاسلامية
أفتى فضيلة القاضي أحمد ناطور – رئيس محكمة الإستئناف الشرعية العليا في غربي القدس – بأبدية قدسية مقبرة القشلة في يافا، كما أفتى فضيلة القاضي بأنه لا يجوز البناء على المقابر الاسلامية ، ولا يحل نبشها او نقل رفات الموتى او عظامهم منها مهما مر عليها الزمان ، ومهما كانت الاسباب والمعاذير، وجاءت فتوى فضيلة القاضي على أثر توجه من " مؤسسة الأقصى للوقف والتراث " لفضيلة القاضي بسؤال وطلب فتوى شرعية بخصوص مقبرة القشلة ، حيث تخطط شركات إسرائيلية بناء فندق سياحي على أرض المقبرة ، الملاصقة للمسجد الكبير في يافا ، فيما أكدت " مؤسسة الأقصى" وجود مقبرة إسلامية في الموقع ، وقد أصدر فضيلة القاضي أحمد الناطور هذه الفتوى المهمة والمفصلة ، في وقت قدمت " مؤسسة الأقصى " إعتراضا على مخطط بناء الفندق وأعلنت رفضهما الكامل لبنائه على أرض مقبرة القشلة.
خلفية عن مقبرة القشلة :
وقد إستهلّ فضيلة القاضي فتواه بسرد تاريخي وجغرافي لموقع مقبرة القشلة في يافا وقال : " فان الموقع مدار الحديث هنا, انما هو المقبرة الاسلامية الرئيسة لمدينة يافا, وتُسمّى "البريّة", وهي الامتداد الجنوبي لحي ارشيد والمسلخ, يحدها من الجنوب شارع الاسعاف وموقف شركة الباصات المحدودة التي كانت تدير ثمانية خطوط داخلية في المدينة وخطاً خارجياً يصل الى سيدنا علي مرورا ببلدة الشيخ مونس. هذا, ومن المعلوم ان الدفن قد بدأ في "البريّة" منذ العهد المملوكي واستمر في الحقب التالية دون انقطاع. بهذه الصفة فانها تكون مقبرة مخصوصة اوقفت على دفن موتى المسلمين وحُبِسَت على ذلك دون غيره".
قدسية دائمة وحرمة البناء على المقابر الإسلامية
وتابع فضيلة القاضي : "نحن في هذا الصدد انما نقول ما قلناه سابقا في فتاوانا المتعددة من وجوب حرمة مقابر الشيخ مونس وبئر السبع واجزم وام الرشراش ومامن الله والجماسين وسائر المقابر التي انقطع الدفن فيها مدة من الزمن, بانه لا يجوز البناء على المقابر الاسلامية ، ولا يحل نبشها او نقل رفات الموتى او عظامهم منها مهما مر عليها الزمان ، ومهما كانت الاسباب والمعاذير ، ذلك لأن حرمة موتى المسلمين وقدسية ترابهم انما هي حرمة قائمة دائمة الى ان تقوم الساعة ولا يحلّ لأي احد ان يزيل هذه الحرمة لانها جزء من عقيدة الامة ، فالميت مودع بين يدي الله الى يوم يقوم الحساب، ولا يحل نبشه على اجماع الامة, كما ان كسر عظم الميت ككسر عظم الحي .
نقاش وحسم
وحول ما تردد من أراء للزيلعي في الشأن المذكور قال فضيلة القاضي :" ولماّ اعتد بعضهم في احوال ضئيلة في قول عارض للزيلعي – من فقهاء الحنفية, فقد غفلوا او تغافلوا عن ان الزيلعي قد اشترط لجواز زرع تراب المقبرة ان يصير الميت ترابا بعد ان يبلى تماما, اضافة الى اشتراطه ان يكون الامر لمصلحة المسلمين الخالصة- وهي المصلحة التي لا يتم تحقيقها الا باخذ ساحة المكان او جزء منه, وعلى ان تكون هذه المصلحة ضرورة لا يستقيم الامر بدونها. وانه لمن الجلي الواضح انه على فرض الاخذ برأي الزيلعي هذا فان اياً من هذه الشروط لم يتوفر في حال مقبرة " البريّة" في ساحة القشلة- في يافا ، لقد ثبت هنا وجود عظام الموتى بشكل لم يدع مجالا للتاويل والاجتهاد, كما انه ليس هناك مصلحة لجماعة المسلمين فيما يُعرض من نوايا ومشاريع, بل هناك ضرر محقق الوقوع عليهم, ناهيك عن انه ليس هناك ضرورة حتمية تُسوّغ تخطي احكام الحل والحرمة, فيما يطرحون ، نقول كل ذلك – على فرض ان هناك مجالا لاعتماد قول الزيلعي المذكور, مع اننا اشرنا في فتاوانا السابقة مرارا وتكرارا الى ان هذا القول لا يستقيم واحوال أيٍ من مقابر المسلمين في بلادنا, كما انه لا ينطبق على أي منها.
هذا من ناحية, ومن الناحية الاخرى فان هذا القول لا يصح من حيث المبدأ ازاء المقابر المخصوصة للدفن – أي تلك التي حبست على دفن الموتى اصلا, وقد جرى تبيان هذا الحكم الشرعي في الفتاوى الهندية يوم قالت: " سئل القاضي الامام شمس الائمة محمود الازوجندي....... وسئل هو ايضا عن المقبرة في القرى اذا اندرست ولم يبق فيها اثر الموتى لا العظم ولا غيره, هل يجوز زرعها واستغلالها , قال لا ولها حكم المقبرة كذا في المحيط" (الفتاوى الهندية, العلامة الشيخ نظام وفتاوى قاضيخان والفتاوى البزارية – ج 2 دار صادر, بيروت, ص 470- ص 471).
يمنع استخدامها لغير الدفن
معناه ان حبس الارض على الدفن اصلا , يمنع استخدامها لغير الدفن منعا مؤبدا حتى لو اندرست المقبرة ولم يبق فيها اثر لا للعظم ولا لغيره, وبذلك افتى علماء الازهر الشريف. (انظر فتوى رقم 597 س 5 م 166- ص 49 - 29 جمادى الاولى لسنة 1328 هـ – للشيخ بكري الصدفي, الفتاوى الاسلامية من دار الافتاء المصرية, م 4 ط, سنة 1997). هذا, ويجدر الذكر ان هذا هو أيضا مذهب ابي يوسف الذي يقضي بانه لا يجوز الانتفاع بالمقابر المسبلة بغير المنفعة التي حُبست من اجلها, فقد جاء في الاسعاف ما نصه " مقبرة قديمة لمحلة لم يبقَ فيها اثار المقبرة, هل يباح لاهل المحلة الانتفاع بها ؟ قال ابو نصر رحمه الله, لا يباح." (العلامة برهان الدين الطرابلسي, الاسعاف في احكام الاوقاف, مطبعة هندية , ط 2 القاهرة 1902 , ص 80).
لذا, فان علماء الامة قد افتوا بهذا التحريم بشكل رتيب ومتواصل, لا انقطاع فيه ولا التباس, حتى انهم منعوا غرس ارض المقبرة بالاشجار. – وها انت ترى على سبيل التمثيل لا الحصر, فتوى الشيخ البرديسي الصادرة جوابا على وزارة الداخلية المصرية بشأن مقبرة قديمة منع الدفن منها في مدينة بور سعيد. فمع ان رفات الموتى قد نقلت منها فقد حرم فضيلته البناء على ارض المقبرة القديمة تحريما مطلقا مؤبدا, حيث قال: "لان ارض الجبّانة المذكورة لا يجوز ان يُبنى عليها مساكن, ولا ان تُغرس فيها اشجار ولا نباتات, ولا يجوز شرعا بيعها ولو نقلت منها عظام الموتى الى مكان اخر, لان لها حكم المقبرة. ( الشيخ محمد اسماعيل البرديسي, الفتاوى الاسلامية من دار الافتاء المصرية, ج 4 , ط 2 القاهرة 1997, ص 1169 س 20 م 12 – ص3, 14/7/1920) .
حرمة مقبرة القشلة لا تزول ولا تزال الى ان تقوم الساعة
وختم فضيلة القاضي أحمد الناطور الفتوى بقوله الحاسم الجازم :" لذلك كله, فاننا نبين انه لمقبرة "البريّة" في باحة قشلة يافا كافة – حرمة قائمة دائمة, لا تزول ولا تزال الى ان تقوم الساعة, يحرم مطلقا استخدام ارضها للبناء او الزرع لان لها حكم المقبرة دائمة الحرمة. هذا وينبغي على كل احد ان يمتنع عن المساس بارض هذه القبور لان الحرمة باقية, وحفظها والحفاظ عليها انما هو واجب لازم وملزم للافراد والمؤسسات, اسلامية كانت او كتابية او غيرها, لان حفظ مقاصد الشريعة وعقيدة المؤمنين واجب على كل احد, وما الاخلال بها الا تعديا على الدين وتجاوزا للشرع ، هذا والله اعلم"