أبحاثه الطبية معروفة عالمياً * "الأحلام لا تتحقق إلا بالعمل الشاق والمضني"

شخصية غير عادية، متفوق ومبدع في مجاله ، مدير معهد الطب الوقائي في مستشفى رمبام في حيفا ، لم نبدأ معه لقاءنا حول الطب والأبحاث التي قام بها والتي وصلت الى العالمية، فاجأني بمطالعاته الأدبية ايضا، قال" أقرأ الآن قصة "الغريب" لألبير كامو والجريمة والعقاب لدستويفسكي" وهما قصتان تعالجان الوجود الإنساني في هذا العالم الذي قمته الإنسان وليس أي شيء آخر" ويضيف البروفيسور جريس يعقوب "قرأت قبل أيام كتاب (مذكّرات آنيا) وهي إحدى حفيدات داروين صاحب نظرية التطور والإرتقاء وأجمل ما فيها النتيجة التي يتوصل إليها داروين وهي أن الضمير الإنساني هو عملية تطوّر وارتقاء والشعوب المتخلفة هي ذات ضمير متخلف اما التقدم فالمفروض ان يعني ضميراً متقدماً! الضمير هو ما يميز الإنسان عن الحيوان!والشعوب المتطورة هي التي تملك ضميراً متقدما وهذا ينطبق على الأفراد، وهذا أخذنا لنقاش فلسفي الأمر الذي زاد من متعة اللقاء بالبروفيسور يعقوب وأعطى لعلمه أبعاداً جديدة ، فهو لم يحدد علمه في مجال تخصصه الطبي وتجاوزه الى العلوم الإنسانية وحتى في الذوق الموسيقي والتي يرى أنها على علاقة جدلية مع الجانب العلمي، وما يلفت النظر، بالأضافة لكل هذا هو التواضع رغم أن الأستاذ جريس هو واحد من اثنين من العرب في اسرائيل وصلا الى درجة محاضر في الأبحاث العلمية في التخنيون ، يشدد ب ، جريس على أن أساس المعرفة هو الشّك متبنيا بهذا النظرة الفلسفية الوجودية! "الشك هو وسيلة للتفكير المتقدم " يقول!

بروفيسور من عائلة متواضعة وبسيطة

خلال جلستي معه لأكثر من ساعتين في أحد مقاهي حيفا قال الكثير، ولكن بقيت هناك بعض المقولات التي كان لا بد ان نسجّلها وننقلها للقارئ وأخصّ منهم الجيل الشاب الذي له طموحات وأحلام فيقول" طموحنا قد يبقى حلماً إذا لم نعمل على تحقيقه والطموح يتحوّل الى حقيقة من خلال العمل الشاق والجديّ!".
هذه ليست شعارات يطلقها كما تطلق في حفلات تخريج الطلبة، فهو اجتهد وما زال، وهو يعمل ست ساعات يوميا مع المرضى وست ساعات وأكثر في المختبر، أما نتيجة اجتهاده فقد اوصلته ليكون بروفيسور في طب الأمراض الداخلية،وبروفيسور في الفارمولوجيا( علم الأدوية)وبروفيسور في الفيزيولوجيا ( علم اداء الأعضاء) وليس هذا فقط !
ب. جريس متزوج وابنته الكبرى دانيئيلا تدرس في جامعة حيفا أرخيولوجيا وفنون وفلسفة وابنه نيكولاس في الثانوية وهو هاوٍ للطيران حلمه أن يُصبح مهندس طيران!
ب. جريس ربيَ وترعرع في وادي النسناس لعائلة قدمت الى حيفا من المغار لوالد عامل وأم ربة منزل،درس الإبتدائية في مدرسة الأخوة في حيفا ثم في مدرسة ( عيروني أ)، درس الطب العام في ايطاليا، وبعد إيابه حصل على دكتوراة من التخنيون في موضوعي الفيزيولوجيا والفارمولوجيا ثم اتبعها في الأمراض الداخلية ، تخصص في مستشفى رمبام ثم درس في الولايات المتحدة الأمريكية ( كلينيكال فارمولوجي )أي( علم تطبيق الأدوية) وما لبث أن عمل تخصصا آخر في أمراض الأعصاب اللاإرادية! وطبعا طلبت منه أن يفسر ما هي هذه الأمراض فقال"هي أعصاب مسؤولة عن أعصاب القلب والأوعية الدموية وهي المسؤولة عن تهيج الأعصاب وضغط الدم ورقابته وعلى الأمعاء والأداء الجنسي!"
أجرى قسماً من هذه التخصصات في مستشفى رمبام وقسما في أمريكا! عاد من أمريكا منذ تسع سنوات وبعد عودته عمل مختصا في الأمراض الداخلية وأسس من أموال المتبرعين مركزاً للأبحاث في رمبام اسمه(مركز ريكاناتي) وهي العائلة التي أسهمت بصورة جديّة بتبرعاتها لقسم الأبحاث وعلاج أمراض الأعصاب اللاإرادية!
ب- جريس هو الوحيد في اسرائيل المتخصص في امراض الأعصاب اللا ارادية ) autonomic-dysfunction ! طلبنا ان يوضح لنا ماذا تعني أمراض الأعصاب اللاإرادية فقال:الإغماء منها مثلا والذي يعود لعدة اسباب مثل ضغط الدم المنخفض وعدة أمراض أخرى. عدا التخصص بالأمراض فإن المركز الذي يديره متخصص في عدة أبحاث مثل "كيف يراقب المخ ضغط الدم وعمل الأوعية الدموية والقلب!"
ثانيا كيف تحافظ الأجهزة المختلفة على تدفق الدم فيها ، كل قسم في الجسم عنده اجهزة رقابة مختلفة وخاصة به مثل المخ وأوعيته الدموية الخاصة بالأطراف. كذلك كيف يحافظ الجسم على ضغط الدم في الأمراض المختلفة وخاصة السكري وضغط الدم العالي!
الأبحاث تضم وسائل فارمولوجية وفسيولوجية مختلفة وللحصول على أجوبة لأسئلتنا العلمية فإن اسئلتنا تؤخذ من سرير المريض ، أي نحن لا نأخذ المختبر الى سرير المريض بالعكس نأخذ السرير الى المختبر! وهذا يعني أنّ الأعراض التي تظهر على المريض يتم بحثها وبكلمات أبسط نجد مثلا أن المريض عندما يكون بوضع كذا تظهر عليه علامات كذا وبوضع كذا تظهر علامات كذا وهكذا نستخلص نتائج وليس العكس أي اننا لا نطبق حلولا جاهزة لهذه النوعية من الأمراض!

أبحاث وصلت العالمية وعُرفت باسمه

في السنة الأخيرة تمركزت الأبحاث في الأوعية الدموية ووظيفة الغشاء الداخلي المسؤول على رقابة الأداء الصحيح في جسم الإنسان! وعدم الأداء الصحيح مثلا يؤدي الى تصلب الشرايين وأحد أسبابه الرئيسية الدهنيات العالية في الدم ، وهذا يعني أنّ الغشاء الداخلي في الشرايين (endothel ) يكف عن العمل وهذا يؤدي الى عدم وصول الأكسجين الكافي الى الأعضاء المختلفة، كل هذه الأبحاث تدور على جسم الإنسان!
الأمور الأخرى المهمة جدا هي تنظيم تدفق الدم الى المخ في الأمراض المختلفة وخاصة في حالات ضغط الدم العالي ،لأن الخلل في تدفق الدم يؤدي الى ( الفالج ) لدى المرضى الذين يعانون من ضغط دم عال لذلك إذا عرفنا ما هي الأسباب وما هو الجهاز الذي يؤدي الى الخلل في توقف الدم الى المخ واصلاحه يمكن ان نمنع قسماً معينا من نتائج ضغط الدم العالي وهي ( الفالج )
وسألناه عن اهم أبحاثه التي أوصلته الى العالمية فقال"
كثير من المرضى كانوا يشكون من الأرهاق والتعب ودقات قلب سريعة أو أنهم لم يستطيعوا بذل أي جهد وكل جهد صغير يضطرهم للإستراحة خصوصا النساء من سن 20 الى 45! قبل عشر سنوات عللّوا ذلك بأنه حالة نفسية واعتقدوا انها لا تحتاج لشيء الا لأدوية لتهدئة الأعصاب ! أخذنا هذه الشريحة من النساء لبحث المشترك بينهن! فوجدنا انهن عندما يكنّ مستلقيات على الأسرّة يكنّ طبيعيات ولكن عندما ينتصبن على سيقانهن تطرأ عندهن سرعةُ نبض بينما ضغط الدم يبقى عاديا أي أن القلب يُجهد جدا للمحافظة على الضغط رغم الوقوف وعدم القيام بأي جهد جسدي!
وجدنا عدة اسباب لهذه الظاهرة واليوم معروف في العالم أن أمراضاً عدة هي التي تسبب هذه الظاهرة ، في مختبرنا الطبي اكتشفنا قسماً كبيراً من هذه الأمراض فوجدنا مثلا أن حجم الدم ضئيل في الجسم وعدة أسباب أخرى
هذه الإكتشافات نُشرت في أرقى المجلات الطبية ( newengland journal medicine )
النظرة في العالم تغيرت الى هذه الأعراض ولم تعد النظرة اليها أنها حالة نفسية وهذا يعني أنه عندما يقول لك إنسان أنّه مريض صَدِّقه!
هذا جعل مختبرنا من أشهر المختبرات في أوروبا والعالم بأبحاثه في مجال جهاز الأعصاب اللاإرادية وفي العلاقة بين أمراض القلب والأوعية الدموية وعلاقتها بالمخ ( مجال اختصاص ب.جريس"
عندما يقول إنسان أنّه مريض ولا يعرف ما الذي عنده فهذا يعني أننا نحن الذين لا نعرف ما الذي عنده!

الوقاية كنوعٍ من العلاج

نحاول بالوقاية منع المرض ومثال ذلك الأمراض الوراثية الناتجة عن زواج الأقارب. في مجتمعنا أمراض وراثية متعددة وكثيرة منها التلاسيميا! وبما أن زواج الأقارب هو سبب فيمكن أن نعمل على تجنبه عن طريق فحص الجينات هذا مثال !
كذلك ممكن درء انواع من السرطان بنسبة عالية مثل سرطان الثدي والأمعاء الغليظة وهي والبروستاتا ! مثلا إذا تم فحص الثدي سنويا بعد سن معينة أو تم إجراء ( فحص ناظور) للأمعاء بعد سن خمسين مثلا!
او إجراء فحص سنوي للبروستاتا وبهذا ممكن أن نمنع قسما كبيرا من انواع السرطان قبل الوصول الى وضع اللاعودة.
في العشرين عاما الأخيرة ارتفعت نسبة امراض القلب و 15%من الناس معرضون خلال السنوات العشر القادمة لنوبة قلبية و20% منهم سيكونون في حالة خطورة!
كيف نعرف من هي الفئة الأكثر تعرضا للخطر!
مثلاً نسبة التدخين عالية في الوسط العربي كذلك يوجد ارتفاع في عدد المدخنات ، المدخن يعجّل إحتمال الإصابة بالجلطة عشر سنوات عن غير المدخن لذلك فالوقاية من التدخين هي إحدى وسائل الوقاية من الجلطة!
كذلك الدهنيات في الدم والكولسترول ! ممكن الأمتناع عن الكولسترول الغذائي أي الذي نتناوله في طعامنا ! أما الجيني أي الذي يولد معنا في الجينات فممكن إعطاء أدوية مسبقاً والتقليل من مخاطره!
كذلك السكري والتعرض له فهو مرض العصر الحديث وهو بارتفاع مستمر في العالم المتقدم ، أحد أسبابه هي السمنة المفرطة وعدم ممارسة الرياضة والجلوس الطويل دون حراك ! والناس الذين من طبيعة عملهم الجلوس الطويل ، والذين ترتفع أوزانهم ولا يمارسون الرياضة لتخفيفها معرضون للسكري أكثر من غيرهم ، لذلك فالحفاظ على الوزن وممارسة الرياضة يؤدي الى نتائج إيجابية ! كذلك فإن شرب الكحول بإفراط يؤدي الى ضغط الدم العالي وأمراض أخرى بينما كأس واحدة في اليوم تمنح القلب مناعة!
طبعا من نمط حياة العائلة والعادات الغذائية والدهنيات والأوزان يمكننا معرفة من هو المرشح أكثر من غيره لأمراض يمكن منعها!
هذا يعني أن هناك عوامل خطورة ممكن تلافيها، والطب الوقائي يعمل على نمط الحياة كي يمنع المرض قبل وقوعه.
ويختتم البروفيسور جريس يعقوب هذه المقابلة العلمية بالقول " طب المناعة ممكن أن يوفر كثيرا على الناس ويمنع تكاليف العلاج فيما بعد لأنه يعالج المشكلة قبل وقوعها ودول متطورة قليلة أعطت اهتماما للطب الوقائي أكثر من غيرها وبهذا وفرت على نفسها الكثير من الأموال!
واما بالنسبة للوسط العربي فالطب الوقائي معدوم تقريبا وذلك لعدم وجود وعيٍ كافٍ للموضوع ، أملنا من هذا التقرير أن يلفت أنظار الناس وأن يثير إهتمامهم وأن يقوموا بفحص أنفسهم قبل وقوع المشكلة