* نقف اليوم أمام أخطر مراحل هذا الصِراع، بالمحاولات الإسرائيلية الحثيثة، في فرض "يهودية الدولة" ليس فقط على تعريف الدولة إنما باعتراف "الآخرين" بها (خاصة الضحية)
* للجنة المتابعة العليا، كهيئة تمثيلية وحدوية جماعية للجماهير العربية في البلاد، دور حيويّ في الحفاظ والدفاع عن الهوية الفلسطينية، ليس فقط في مواجهة محاولات تشويهها ومسخها واختراقها
ان المفاهيم والمصطلحات ليست مجرد كلمات او أحرف، قد تُستخدَم أحياناً وتُلقى على عواهنها، بل ينبغي التعامل معها، ومع دلالاتها وأبعادها وإسقاطاتها، بما لها من تأْثير بُنيوي على العقلية التي تُحرك سلوك الأفراد و/ أو الجماعات، والمؤسسات التي تُمثلها..
ولا شك ان مفاهيم، مثل الهوية والانتماء والالتزام، قد يجري تناولها بما تحمله من التباس على المستوى الفكري الوجداني والأدائي، لِما فيها من إشكالية في تغليب النَسب على الانتساب، وتغليب الموروث على المعقول، في غالب الأحيان.. فاللامُنتمي مجتمعياً وثقافياً، لا يعني انه لا منتمي وطنياً ووجودياً بالضرورة..
ولكن في حالتنا، كجماهير عربية فلسطينية في وطنها، وكجزءٍ من شعب وقضية، وفي ظلّ صراع يحمل الأبعاد الوطنية والقومية، ويأخذ منحى وجوديّ، على المستوى الفردي والجماعي، تغدو الهوية والانتماء مَفاهيم مُؤسِّسَة، تدفع نحو الالتزام بها في إدارة هذا الصراع بكل تجلّياته..
وهنا تكمن العلاقة الجَدَلية بين وعي طبيعة الصراع، والتهديدات المحدقة بنا كحالة جماعية، وبين تعزيز الانتماء، ومن ثمَ الالتزام به، في سبيل بناء وبلورة سلوك فردي وجماعي، يكون في خدمة معركة التحدي والصمود والبقاء والتطور على ارض وطننا، في إطار هوية جَمْعية لا تتعارض - في مرحلة الصراع - مع التطلعات والنَزَعات والاجتهادات الفردية او الفردانية، ومع حرية وتحرر الأفراد..
ومن هنا، وفي شروط حالتنا، وأمام المشهد الذي نعايشه، بإرادتنا وبغير إرادتنا، فان تحديد دوائر الانتماء، وتحديد أولويات وتدريج هذه الدوائر، وفقاً للأهمية والضرورة والقناعة، تبدو ضرورية لبلورة وتعزيز هوية جَمْعية واضحة المَعالِم، يكون فيها الانتماء الوطني والقومي (بمعناه الوطني ايضاً وليس الشعوبيّ)، أرقى وأسمى من الانتماءات الأخرى – الأصغر، كالانتماء الحزبي او الحركي او الطائفي او العائلي، نحو جعل الالتزام الحقيقي سيّد الموقف، في الوعي والسلوك الفردي والجماعي..
ولا يمكن التعرض لدور وأهمية مؤسساتنا وهيئاتنا التمثيلية الوطنية والقومية، السياسية الحزبية والأهلية، وفي مقدمتها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، بمعزل عن رؤية تاريخ وتطور وواقع الجماهير الفلسطينية في البلاد، ومسيرتها مُتعددة الجوانب، على المستوى السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي، او بمعزل عن طبيعة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي (أو العربي- الإسرائيلي!؟) وتأثيرات هذا الصراع، في الداخل والخارج، وفي مختلف الأبعاد..
وفي حالة تغليب الانتماء الوطني والقومي، على أي انتماء آخر أدنى منه، بعيداً عن عصبية الانتماء بالتقوقع للانتماءات الأخرى، نغدو أكثر فعالية وتأثيراً على المشهد الراهن والقادم..
ومن هنا فإن للجنة المتابعة العليا، كهيئة تمثيلية وحدوية جماعية للجماهير العربية في البلاد، دور حيويّ في الحفاظ والدفاع عن الهوية الفلسطينية، ليس فقط في مواجهة محاولات تشويهها ومسخها واختراقها، إنما أيضاً في مواجهة المحاولات الإسرائيلية الأخطبوطية لتهديد مجرد وجود وتجليات الهوية الفلسطينية في البلاد..
وبما ان لجنة المتابعة، في هذا المعنى، تعكس المرآة لواقع الهوية الفلسطينية الجماعية الوحدوية في حالتنا، قوة او ضعفاً، فهي تعكس مدى وعمق الانتماء الجماعي في مواجهة التحديات الوجودية، بما يتجاوز التحديات الحقوقية.. وعليه، كلما ازداد وعي الحاجة الى الهوية الجماعية، عبر الانتماء، في ظل هذا الصراع، كلما كان الالتزام الجماعي أبعد مدى وأكثر حضوراً، وبالتالي ينعكس ذلك بالضرورة على حيوية وقوة وفاعلية وتأثير لجنة المتابعة العليا، عِوَضاً عن صورتها.. خاصة اننا ما زلنا لا نتصرف على مستوى التحديات الحقيقية..
وحين نطلّ على المشهد الراهن، فإننا نقف اليوم أمام أخطر مراحل هذا الصِراع، بالمحاولات الإسرائيلية الحثيثة، في فرض "يهودية الدولة" ليس فقط على تعريف الدولة إنما باعتراف "الآخرين" بها (خاصة الضحية)، على هذا الأساس، وما يترتب عليه من مخاطر وجودية حقيقية..!!؟؟