الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 27 / نوفمبر 03:02

عرب البلاد وحقهم في المسكن

المحامي قيس يوسف
نُشر: 28/05/10 18:00,  حُتلن: 18:49

* قيس ناصر:

- الشروط التي يعتمدها القانون لتبرئة من اتهم بالبناء دون رخصة لا يمكن اثباتها الا في حالات نادرة

- الحالات التي انتهت ببطلان امر هدم اداري صدر بحق بيت عربي شبه معدومة

انّ حقّ الفرد في المسكن هو حقٌ أساس في ايّ مجتمع ديموقراطي. وهو حقٌ أساس يحفظه القانون الدوليّ الأنسانيّ والقانون الدوليّ العام. مكانة هذا الحق تفرض على كل دولة ان توفّر لمواطنيها الظروف المناسبة لممارسة هذا الحق بشكل متساو وعادل. وفي هذا الشأن, أجد منظومة القانون والقضاء الأسرائيلي الخاصة المتعلقة بقضايا التنظيم والبناء, لا توفر للمواطن العربي فرصة حقيقية لممارسه حقه بالمسكن, بل تسلب منه ايضا أغلب الوسائل المتاحة له للدفاع عن هذا الحق. ولا ابالغ اذا صرّحت ان هذه المنظومة تساهم في هدم البيوت العربية بدل ان تساعد في ترخيصها. ولرأيي هذا براهينُ كثيرة:
أولا, قانون التنظيم والبناء لعام 1965 يشترط لتشييد ايّ مبنى الحصول على رخصة تصدر حسب مخطط هيكلي تفصيلي يسمح باصدار رخص بناء. وبعد دراسة مهنية, اجد ان مشكلة آلاف البيوت العربية المهددة اليوم بالهدم, بدعوى أنها بنيت دون رخصة, لا تعود الى طبيعة "إجرامية" لدى المواطن العربي, بل الى حواجز إدارية, تخطيطية وقانونية كثيرة جدا, على الصعيد المحلي والقطري, ترغم المواطن العربي, في معظم الحالات, على البناء دون رخصة.
ثانيا, يمنح قانون التنظيم والبناء المحكمة ولجان التنظيم والبناء صلاحيات واسعة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق من بنى دون رخصة ولاتخاذ الإجراءات الإدارية تجاه المبنى غير المرخص. على الصعيد الجنائي, كل من يبني دون رخصة يرتكب مخالفة حسب القانون يشمل العقاب عليها أمر هدم للمبنى, غرامة مادية وسجنا. وعلى الصعيد الإداري فان كل مبنى غير مرخص معرض لإجراءات إدارية فورية أهمها امر الهدم الإداري الذي يستطيع رؤساء لجان التنظيم والبناء المحلية واللوائية إصداره دون التوجه الى المحكمة.
ثالثا, ان الشروط التي يعتمدها القانون لتبرئة من اتهم بالبناء دون رخصة لا يمكن اثباتها الا في حالات نادرة. لهذا فان نسبة من بُرّئوا من تهمة البناء دون رخصة تكاد لا تذكر. كما ان الحالات التي تخوّل المحكمة حسب القانون إبطال الإجراءات الأدارية التي أٌتخِذت ضد المبنى غير المرخص نادرة هي ايضا. لهذا, نجد مثلا ان الحالات التي انتهت ببطلان امر هدم اداري صدر بحق بيت عربي شبه معدومة.
رابعا, تعتبر المحكمة كل من بنى دون رخصة, حتى وان كان مضطرا لذلك, "مخالفا للقانون". من هذا المنطلق, رفضت المحكمة عددا كبيرا من الالتماسات التي قدمها مواطنون عرب لتجميد اوامر هدم صدرت بحق بيوتهم, دون البت في صلبها, بدعوى ان المحكمة لا تسعف من خالف القانون وانها لا تصدرا امرا قضائيا يحافظ على "وضع غير قانوني" كبقاء بيت غير مرخص.
خامسا, رفضت المحكمة ان تعتبر تقاعس لجان التنظيم والبناء عن توفير المخططات الهيكلية المطلوبة للبلدات العربية, والذي يجعل المواطن العربي مضطرا للبناء دون رخصة, مسوغا على الصعيد الجنائي للعفو عمّن اتهم بالبناء دون رخصة او مسوغا على الصعيد الإداري لإبطال الإجراء الإداري الذي صدر بحق المبنى. ان تقاعس لجان التنظيم والبناء عن أداء مهامها تجاه البلدات العربية والمواطنين العرب حسب القانون, لا يعطي المواطن العربي, حسب موقف المحكمة, ذريعة للبناء دون رخصة حتى لو كان هذا التقاعس هو ما دفع المواطن العربي للبناء دون رخصة.
سادسا, فسّرت المحكمة قانون التنظيم والبناء في كل ما يتعلق بتجميد اوامر الهدم بصورة جافة جدا, تؤدي الى رفض طلبات اوامر التجميد في اغلب الحالات. حسب موقف المحكمة, لا يمكن تجميد امر هدم الا اذا كانت رخصة البناء في متناول اليد واصدارها هو امر قريب جدا من الناحية الزمنية. وهذا الشرط لا يتوفر لأغلب اصحاب المباني غير المرخصة من عرب البلاد وذلك لجمود عدد كبير من المخططات الهيكلية في البلدات العربية على نحو لا يمكّن صاحب المبنى من اصدار رخصة البناء في الفترة الزمنية التي تريدها المحكمة.
لهذه الأسباب ولأسباب اخرى لا يتسع ذكرها في هذا المقال, فان محصلة هذه المنظومة القانونية والقضائية جليّة لكل فرد: هدم عشرات البيوت العربية سنويا, عدا عن تهديد آلاف البيوت العربية بالهدم ومطاردة آلاف من عرب البلاد قضائيا بدعوى البناء دون رخصة. ومن حيث إن هذه المنظومة هي نتاج سياسة حكومية عليا تتعلق بمسألة وجودنا كعرب في دولة يهودية, وهي ليست أمرا قضائيا فحسب, فان تغيير هذه المنظومة يتطلب تحركا سياسيا وشعبيا وقضائيا يؤدي الى تغيير هذه المنظومة على نحو يراعي مكانة عرب البلاد كسكان أصليين ويراعي حقوقهم الأساسية والدستورية في العيش وفي المسكن.على اية حال, في حين تصوّر قضية هدم البيوت العربية وكأنها مسألة "تطبيق للقانون" علينا ان نعمل دائما على عرض القضية امام المجتمع الأسرائيلي والمجتمع الدولي بصورتها الحقيقية: المنظومة القانونية والقضائية لا توفر للمواطن العربي حقه بالبناء والمسكن بل تسلبه هذا الحق, هي التي تدفعه للبناء دون رخصة وهي التي تؤدي في نهاية المطاف الى هدم عشرات البيوت العربية كل عام, وتصوير هذه القضية وكانها مسألة "تطبيق للقانون" ما هو الا خداع قضائي واعلامي لا يمت للحقيقة بصلة.
* يعمل الكاتب أيضا محاضرا لموضوع التنظيم والبناء في كلية الحقوق في الجامعة العبرية بالقدس.

مقالات متعلقة