* د.جمال زحالقة:
- شكلت الوحدة الوطنية المقدسية والعمل المشترك مع الداخل الفلسطيني منطلقاًَ قوياً لمواجهة الإبعاد والتصدي للتهجير والتهويد
- القدس لا تنتظر المصالحة، وأنه يجب الشروع في تنظيم وحدة ميدانية في القدس، لتكون حجر الأساس في بناء التضامن والدعم لصمود أهلنا في المدينة
أثار قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإبعاد ثلاثة من نواب المجلس التشريعي ووزير سابق عن مدينة القدس ردود فعل، استشعرت الخطر الكامن في مثل هذا القرار، الذي تتقاطع فيه قضية القدس مع مسألة الإبعاد والتهجير. ولعل أبرز ردود الفعل هو تبلور وحدة وطنية ضد محاولة الإبعاد، حيث التفت كل القوى الوطنية في القدس وكافة الهيئات والمؤسسات الشعبية والأهلية حول القضية، وتأسست اللجنة الشعبية لمواجهة الإبعاد، التي تضم ممثلين لكافة التيارات الفاعلة على الساحة المقدسية، والتي هي امتداد للفصائل والأحزاب الفلسطينية.
لقد تجاوزت هذه الوحدة الميدانية حالة الانقسام والقطيعة القائمة بين حماس وفتح، وأثبتت أن النضال الموحد ممكن حتى قبل حصول المصالحة.
سابقة إسرائيلية بامتياز
هذه خطوة إلى الأمام، رافقتها وحفزتها خطوة أخرى لا تقل أهمية تمثلت في اللقاء المشترك للجنة المتابعة العليا للجماهير الفلسطينية في الداخل مع القوى والمؤسسات الوطنية في القدس، جرى خلالها تدارس العمل المشترك لمواجهة الإبعاد ودفاعاً عن القدس، وتشكلت تبعاً لذلك لجنة تنسيق دائمة للقدس والداخل.
شكلت الوحدة الوطنية المقدسية والعمل المشترك مع الداخل الفلسطيني منطلقاًَ قوياً لمواجهة الإبعاد والتصدي للتهجير والتهويد. وفعلاًً، جرى اعتصام المهددين بالإبعاد في مقر الصليب الأحمر في القدس وبدأت تتقاطر عليه وفود التضامن الشعبية والدولية، وشرعت القضية تأخذ أبعاداً محلية وعربية وعالمية، لم تأخذها إسرائيل بالحسبان حين اتخذت قرار الإبعاد.
قرار إبعاد النواب المقدسيين، محمد أبو طير ومحمد طوطح وأحمد عطون والوزير السابق خالد أبو عرفة هو بحد ذاته سابقة خطيرة ومسرح عبثي في نفس الوقت، فقد اتخذ على أساس ما يسمى قانون الدخول لإسرائيل، وكأن أهل القدس قد هاجروا ودخلوا إسرائيل عام 67، وليس إسرائيل هي التي احتلت ودخلت. واتخذ القرار وفق بند „عدم الولاء لإسرائيل”، وهذه سابقة إسرائيلية بامتياز، فلم نسمع في يوم من الأيام عن احتلال يطلب الولاء من الواقعين تحت الاحتلال.
سحبت إسرائيل في السنوات الأخيرة هويات الإقامة من الآلاف من الفلسطينيين بتبريرات إدارية وبالأخص „عدم الإقامة في القدس بشكل دائم”، وهذه المرة الأولى التي تسحب فيها الهويات وتصدر أوامر الإبعاد بناء على بند سياسي واضح هو "عدم الولاء لإسرائيل".
على أساس هذا البند تنوي إسرائيل إبعاد المئات من القيادات الوطنية الفلسطينية عن القدس، لتفريغها من النخب السياسية لتسهيل عملية التهويد والتهجير. هدف إسرائيلي آخر واضح ومفضوح هو تسليط سيـف الإبعاد على رقاب الناس لردعهم عن العمل السياسي الوطني.
يأتي قرار الإبعاد ضمن سلسلة من الخطوات الإسرائيلية الرامية إلى إحكام السيطرة على القدس، وتكثيف عملية تهويد المدينة لفرض الأمر الواقع. من هنا تكمن أهمية بلورة الوحدة الوطنية النضالية في القدس وحول القدس.
لقد قلنا أكثر من مرة أن القدس لا تنتظر المصالحة، وأنه يجب الشروع في تنظيم وحدة ميدانية في القدس، لتكون حجر الأساس في بناء التضامن والدعم لصمود أهلنا في المدينة، وربما لوحدة فلسطينية شاملة. كما أن التلاحم بين أهلنا في الداخل وأهلنا في القدس يعطي القضية البعد الصحيح، وهو أن قضية القدس هي مسؤولية كل فلسطيني، بنفس الدرجة وبلا استثناء.