الشيخ حماد أبو دعابس -رئيس الحركة الإسلامية:
كل العروض التي قُدّمت للفلسطينيين منذ أواخر عهد الانتداب البريطاني كانت ظالمةً لهم
عرب الداخل في مناطق 1948 ،فقد أهملتهم جميع المفاوضات السابقة
قرار تقسيم فلسطين بين اليهود والفلسطينيين، والصادر عام 1947 شمل جميع الفلسطينيين في حينه،وسلّمهم كل المناطق ذات الكثافة السكّانيّة العربيّة آنذاك والتي تقارب نصف مساحة الوطن الفلسطيني الإجمالية.
وفي حينها لم يكن هناك فصل بين ضفة غربيّة أو جليل أو نقب أو أي تقسيمات أخرى، ولم يكن مطروحاً تفريغ مناطق سكّانيّة من سكّانها الفلسطينيين، ولا تهجير ولا مخيمات لاجئين ولا دول شتات ولا غير ذلك.
ثم قامت دولة إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني، وهُجِّر ما يربو على المليون فلسطيني من ديارهم إلى دول الجوار، واضطروا إلى مخيمات اللجوء ، وتحوّل شعبنا إلى تقسيماته ألمعروفه ، والتي اكتملت بعد النكبة الثانية عام 1967. نصفه تقريباً في دول الجوار والشتات خارج الوطن، ربعه في الضفة والقدس، والبقيّة الباقية انقسمت بين قطاع غزة والداخل الفلسطيني أي مناطق 1948 .
شبح الاستيطان
كل العروض التي قُدّمت للفلسطينيين منذ أواخر عهد الانتداب البريطاني كانت ظالمةً لهم، ومنتقصة لحقوقهم، فاضطروا لرفضها فكان ما بعدها أسوأ منها. فقد رفض العرب قرار التقسيم المجحف بحقهم، والذي يمنحهم نصف الأرض الفلسطينيّة، فقامت الدولة الإسرائيلية بعد معارك عام 1948 على 78% من ارض فلسطين، فأصبح العرب يتمنّون العودة لقرار التقسيم. ثم احتلت إسرائيل البقيّة الباقية من فلسطين لكي يقبل الفلسطينيون والعرب بدولة إسرائيل على حدود ما قبل "النكسة" فرفض العرب ذلك حين أجرى السادات المفاوضات في كامب ديفيد الأولى مع حكومة مناحيم بيغين. ثم تعود " المسيرة السلميّة " فتقوم وتسقط مراراً وتكراراً ، وشبح الاستيطان يقضم الأرض الفلسطينيّة يوماً بعد يوم. والقدس تُحاصر ، والبؤر الاستيطانيّة تزداد في قلب الأحياء العربيّة في القدس إضافةً إلى كل تلَّةٍ وجبلٍ في الضفّة الغربيّة حتّى أصبح حلم المفاوضين الفلسطينيين تحصيل دولة فلسطينيّة في حدود عام 1967 أي في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. حتّى هذا الأمر بات بعيد المنال بسبب الغطرسة الإسرائيلية. فإسرائيل مستعدّة لمنح الفلسطينيين دولة محدودة السيادة ، مقطّعة الوصال على 42% من الضفّة الغربيّة أي ما يعادل أقل من 10% من فلسطين التاريخية، إضافةً إلى تبادل أراضي يستلم فيه الفلسطينيون أراضٌ صحراويّة مقابل ما تقتطعه إسرائيل من الضفّة الغربيّة وغور الأردن.
قلب القضيّة
أمّا عرب الداخل في مناطق 1948 ،فقد أهملتهم جميع المفاوضات السابقة ، ولم يتعرّض لذكرهم أي طرف عربيّ.فلا احد يذكر أسراهم ولا لاجئيهم ولا مقدساتهم ولا أراضيهم وممتلكاتهم ، مع أنهم قلب القضيّة ، وأساسها بسبب بقائهم في أرضهم ، ووجودهم هو استمرار للشعب الفلسطيني ألأصلاني المتواصل من قرون في هذه الأرض المقدّسة . وبعد سنوات طوال من المفاوضات والمداولات وإذ بالعرب فلسطينيي الداخل يجدون أنفسهم في قلب الصراع . لا لان طرفاً عربياً أو فلسطينياً يطالب بحقوقهم أو يتذكر مواقفهم ودورهم ، بل لان أطرافاً إسرائيلية يمينية متطرفة تسعى لتحقيق مكاسب اكبر ، وانجازات سياسية وإستراتيجية اكبر . فبدل أن يكون الأصل هو عودة كل الفلسطينيين إلى فلسطين فينتهي شتات الشّعب الفلسطيني ومعاناته ، تسعى إسرائيل من خلال بالون الاختبار الذي أطلقه ليبرمان ومن قبله تسيبي ليفني إلى تهجير المزيد من الفلسطينيين ، وتفريغ المزيد من المدن والقرى والبيوت الفلسطينية من أهلها ، داخل الخط الأخضر وفي القدس الشرقيّة والبلدة القديمة . حتى يضطر العرب للقبول بأقل من دولة في الضفة والقطاع . ولا يجرؤ أحد على ذكر اللاجئين وعودتهم إلى ديارهم .
أحداث أكتوبر 2000 أقحمتنا في قلب الصراع من جديد
وجاءت زيارة شارون المشئومة إلى الحرم القدسي الشريف ، وتصدى له قيادات الوسط العربي على بوابات الأقصى، ثم كانت هبة القدس والأقصى التي اجتاحت شوارع قرانا ومدننا وكانت المواجهات الدّامية التي سقط من خلالها عشرات الشهداء ومئات الجرحى ، ثم كانت الاعتقالات ، ولجنة التحقيق الحكوميّة التي برّأت ساحة رجالات الشرطة والجيش فلم يُقدّم احد منهم للمحاكمة على جريمته النّكراء ، فما هي الرسالة التي أرادت أن ترسلها إلينا حكومات إسرائيل من خلال القتل وإرهاب الدولة الذي مارسته ضد شعبنا وأهلنا وشبابنا ؟ وما الفارق بين رسالة عام 2000 التي أرسلتها إلينا عبر البنادق ورسالة اليوم التي ترسلها إلينا عبر الخطاب السّياسي المأفون والعنصري البغيض ؟. في هبة أكتوبر 2000 وقف شعبنا الفلسطيني في الداخل وتحرك شبابنا وأهلنا غيرةً وحميةًّ من أجل كرامة الأقصى والقدس ليقولوا انه إذا استُهدف الأقصى ، وإذا مسَّه احد بسوء ، فهو تجاوز للخط الأحمر يستدعي تجاوزنا للخط الأخضر . فالأقصى فوق كل الاعتبارات ومن اجله تتحرك كل الآمة في مشارق الأرض ومغاربها بما فيهم عرب الدّاخل . فأرادت إسرائيل بقمعها وبنادق جنودها وشرطتها أن ترسل إلينا رسالة مضادّة مفادها ، أن إسرائيل لن تتسامح بحق أي مواطن عربي يتظاهر من اجل القدس والأقصى فارفعوا أيديكم أيها الفلسطينيون في الداخل وإلا ستدفعون الثمن باهظاً، أي لا تزجُّوا بأنفسكم في الصراع . أما اليوم فرسالة ليبرمان ومن قبله ليفني ومن يؤمن بمثل طريقهم تقول : إسرائيل اليوم لا تستبعد أن تزجَّ بكم في الصّراع لتحافظ على أغلبية يهوديّة ساحقه . فإنّ الحلّ النهائي للقضيّة الفلسطينيّة لا يستبعد نكبةً جديدة لعرب أل 48. تفريغ سكاني وتبادل قرى ومدن عربية في الدّاخل مع مستوطنات في الضفة الغربيّة . وكأن إسرائيل تقول لنا : إذا أردتم أن تكونوا لاعباً فاعلاً في القضية الفلسطينيّة ، ومؤثرين على مجريات الأحداث في القدس وغيرها فسنقابلكم بقمع بلا هوادة وقوة رادعه لا قِبَل لكم بِها . وعندما نفكّر" نحن الإسرائيليين" بالزّجِّ بكم في دائرة الصّراع ، كلعبة ِ مساومة وحجارة شطرنج ، فإننا نفعل ذلك دون مشورتكم .
خدمة شعبنا الفلسطينيّ
ونحن بدورنا في الحركة الإسلاميّة في الدّاخل الفلسطينيّ ومعنا كل القوى العربيّة الفاعلة على السّاحة الفلسطينيّة نقول : لا يستطيع احد أن يمنعنا من ممارسة حقنا ، وإبداء رأينا والتحرّك الفاعل وفق قناعاتنا من اجل خدمة شعبنا الفلسطينيّ وقضايانا العادلة . كما إننا نرفض أن نكون حجارة شطرنج في ملعب السياسة الإسرائيليّة . وقد انتهى العهد الذي يُرحّل فيه الفلسطينيون من ديارهم بقرار سياسي أو صفقة ٍ مشبوهة هنا أوهناك ، هذه بلادنا وهذا وطننا ، هنا نعيش كرماء وهنا نموت أعزّاء ، ولن يكون من بيننا من يجبُن أو يخاف أو يخون فيترك أرضه وبلده ليحل ّمشكلة العنصريين أصحاب مقولة الدولة اليهوديّة الخالصة .