الشيخ سليمان سطل:
الشرك هو أساس الخوف والفزع، وهو أساس الشقاء والغواية
لا أسعد من حياة الموحد لربه عز وجل، فلم يصرف العبودية لغيره، فكان له الهداية في الدنيا والأمن غدًا يوم يفزع كثيرٌ من الناس
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على امام الانبياء والمرسلين
من مظاهر الشرك والضلال المنتشرة بين الناس انتشار النار في الهشيم بسبب الجهل والبعد عن هدي كتاب الله وسنة نبيه الكريم . ظاهرة الايمان بالعرافين والفتاحين والدجالين والذهاب اليهم والاعتماد عليهم في حل المشاكل وعلاج لامراض . او للضرر بالاخرين والانتقام منهم بالسحر او العمل او ما شابه ذلك من اعمال الشيطان . والخطير في الأمر ان هذا العمل مناف لعقيدة التوحيد , وهو نوع من انواع الشرك والعياذ بالله تعالى . والشرك ظلم عظيم كما اخبر الحق سبحانه وتعالى.
الشرك
فالشرك هو أساس الخوف والفزع، وهو أساس الشقاء والغواية، فهو أعظم ظلم يرتكبه العبد؛ ولذا قاد الشرك أقوامًا كثيرةً إلى غاية الانحدار في مهالك وظلمات بعضها فوق بعض، وإن سعت إليهم دنياهم بزينتها وزخرفها وتمتعوا منها بلذائذها الحاضرة إلا أنهم في شقاء تلو شقاء، أضحى صدر الواحد منهم ضيقًا حرجًا كأنما يصعّد في السماء.
ولا أسعد من حياة الموحد لربه عز وجل، فلم يصرف العبودية لغيره، فكان له الهداية في الدنيا والأمن غدًا يوم يفزع كثيرٌ من الناس. ولله در من قال:
إن كان ربك واحدًا سبحانـه فاخصصه بالتوحيد مع إحسان
أو كان ربك واحدًا أنشأك لَم يشركـه إذ أنشأك ربّ ثـاني
وكذاك أيضًا وحده فاعبده لا تعبد سواه يـا أخـا العرفان
فلِواحدٍ كن واحدًا فِي واحدٍ أعنِي سبيـلَ الْحق والإيمـان
هـذي ثلاث مسعدات للّذي قد نـالها والفضـل للمنـان
فإذا هي اجتمعت لنفس حرة بلغت مـن العليـا كلَّ أمان
لله ذيـاك الفريـق فإنَّهـم خصـوا بِخالصـة من الرحمن
شدّت ركائبهم إلى معبودهم ورسـوله يـا خيبة الكسلان
ومن الناس طائفة باعوا توحيدهم، وانغمسوا في ظلمات الشرك؛ لينالوا به متاعًا زائلاً ومطلبًا فانيًا، يأكلون به أموال الناس بالباطل، ويعتدون على غيرهم بالظلم والعدوان.
عبادة الشياطين
وتراهم من أجل ذلك المطلب يصرفون عبادتهم للشياطين، ويقرّبون لهم القرابين، ولربما كتبوا كلام الله بالنجاسات، أو ألقوا المصحف في أماكن القاذورات. وترى النجاسة شعارهم، فهم ملابسون لها، معاشرون للكلاب، وكثيرًا ما يأوون إلى الحمامات والقمامات والمزابل.
وكثير منهم من يجلس عاريًا في الأماكن المهجورة، ويذبحون الطيور والحيوانات ذاكرين عليها اسم الشيطان أو غيره مما يرضاه لهم، ولربما خلطوا الدم بالنبيذ بمسحوق مأخوذ من حيوان ميت ثم يشربون منه ويلطخون به أجسادهم، ولربما خرج الواحد منهم في الليلة المقمرة في مكان بعيد مهجور يمجّد شيطانه، ويردد الطلاسم التي تقربه إليه. تالله إن هذا لخسران مبين، وإن غطّوا تلك الحال منهم عن أعين الناظرين، ولكن هيهات أن تخفى حالهم.
أولئك هم السحرة والمشعوذون، الذين لا يتأتى لهم ما يريدون إلا بالتنازل عن أشرف ما يملكه العبد، وهو دينه، قال تعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]، ويقول سبحانه: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:69]، ويقول صلى الله عليه وسلم : ((اجتنبوا السبع الموبقات)) وذكر منها: ((السحر)).
فالسحر والشعوذة قرينا الشرك والكفر، بل إن الساحر كلما كان أكفر وأخبث وأشد معاداة لله ورسوله ولعباده المؤمنين كان سحره أقوى وأنفذ.
التعرض للمصائب والبلاء
وإن من الناس من يتعرضون للمصائب والبلاء، فيسعون جهدَهم في سبيل دفعها والتخلص منها، وليس عليهم في ذلك من حرج، ولكن المحذور أن تنسيهم تلك الرغبة الملحة في دفع ذلك البلاء عَرضَ تلك السبيل التي يسلكونها على الشرع: هل هي مما أباحه أو حرمه؟ فلا يبالي حينئذٍ أن تكون من الحرام، فيسعى فيها، ويغتر حين يتحقق له مراده، فيعرّض بذلك توحيده إلى الخطر.
ومن ذلك حال من يذهب إلى أولئك السحرة والمشعوذين وهم يعادون الله ورسوله؛ ليطلب منهم دفع البلاء الذي نزل به. فأين الرضا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا ورسولاً؟! وهل أغلقت أبواب الله تعالى وهو القائل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِي [البقرة:186]، وهو القائل سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]؟! وهل ضاق الفضاء الفسيح مما أباحه الله وشرعه حتى يُلجأ إلى من رضي بالشيطان معبودًا وبالشرك دينًا؟!
وما من داء إلا وقد أنزل الله تعالى له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله، ولم يجعل الله عز وجل شفاء العباد فيما حرمه عليهم.
فليضرب المسلم في طلب الشفاء ودفع البلاء ما يرضاه عنه ربه عز وجل، ولذلك أسباب كثيرة، منها:
إصلاح النفس
1- إصلاح النفس ومحاسبتها، وهذا من أنجع الأسباب، ولكن كثيرًا من الناس عنه غافلون؛ فإن كثيرًا من الناس من يصاب ببلاء، فيضرب ذات اليمين وذات الشمال لدفعه، فلا يترك قاصيًا ولا دانيًا إلا ذهب إليه، فاعلم أن الأمر أقرب من هذا بكثير، إذ هو في النفس التي بين جنبيه، فكم استولى عليها البعد والعصيان، فأوردها إلى ما عانى منه طويلاً، فلو رجع إليها وأصلح خرابها لوجد سبب ما اعتراه حقيقة، وتلك سبيل قل من يتأملها.
2- التضرع والخضوع بين يدي الله عز وجل ورفع الشكوى إليه وحده.
قالوا: أتشكو إليه ما ليس يَخفى عليه؟!
فقلت: ربي يرضى ذل العبيـد لديـه
3- ومن ذلك الاستعانة بالصبر والصلاة، فقد قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:153].
4- ومن ذلك التحصن بالأدعية والأذكار، فإنها يسيرة خفيفة في عملها، عظيم النفع والثواب.
5- ومن ذلك استعمال الرقية المشروعة، فيرقي المرء نفسه أو ولده أو قريبه، وهكذا. ولا بأس من طلب الرقية ممن عرف صلاحه وتقواه، ولكن يجب أن لا تتعلق النفوس بالناس، بل يجب أن تتعلق بالله وحده دون من سواه. فحذار أن يزاحم الأمل بالله أيّ أمل بسواه من المخلوقين.
والأسباب المشروعة بينة لا مرية فيها، فحذار أن يتعداها المرء إلى ما يفسد دينه وينقص توحيده، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من أتى عرافًا فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يومًا)) رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)) رواه أبو داود.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا...واهدنا واهدي بنا يا ارحم الراحمين
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
رئيس الحركة الاسلامية بيافا / امام مسجد النزهة