زياد شليوط:
كنت في مطلع الشباب واذ بنجم القس شحادة يرتفع في سماء العروبة
اليوم ينضم القس شحادة شحادة الى تلك الأسماء العظيمة التي تركت بصمات واضحة لا تمحى
أما عن يوم الأرض فالحديث لا يتوقف والكلمات لا تكفي للتعبير عما فعله القس شحادة في هذه القضية الحساسة، فهو لم يترك منبرا أو مجلسا إلا وتحدث فيه عن يوم الأرض
غيب الموت عنا مع أفول العام 2010، إحدى الشخصيات الوطنية الفذة التي عرفتها جماهيرنا العربية في الداخل، ألا وهو القس شحادة شحادة، رحمه الله، والذي ارتبط اسمه ارتباطا كاثوليكيا بيوم الأرض، فلا يمكن لك أن تذكر يوم الأرض دون أن تذكر القس شحادة شحادة، والعكس صحيح. فالقس شحادة لم يكن مجرد رئيس للجنة الدفاع عن الأراضي العربية، بل كان المحرك لها والروح الوهاجة فيها، ولم يكن مجرد صاحب قرار في يوم الأرض، بل كان يتنفس الأرض مع الهواء، ولهذا بقي متمسكا بمعاني وأهداف يوم الأرض حتى الرمق الأخير.
كنت في مطلع الشباب واذ بنجم القس شحادة يرتفع في سماء العروبة، وكم كان من حظنا أنه سكن شفاعمرو في تلك الفترة التي شهدت مخاض وولادة يوم الأرض، وبدأنا نعرف ونرى ونتابع تحركات القس شحادة مع اخوانه من قيادة يوم الأرض المحلية حينها وبالأخص المربي والكاتب ناجي فرح، الرجل الفاضل والمناضل سعيد بركة، المناضل الشيوعي العريق شفيق خورية، المرحوم عدنان حمادة وقائد الفلاحين الوطنيين ابراهيم نعوم وغيرهم. وأصبح القس شحادة معلما وعلما من أعلامنا الوطنية المناضلة، والى جانب كونه رجل دين وبالذات قسيسا، أصبح مناضلا وطنيا عنيدا وشريفا، وذكرنا بالمناضل القس الأمريكي الشهيد مارتن لوثر كينغ.
وبعد سنوات وعندما بادرنا، مجموعة من الطلاب الجامعيين الشباب الى تشكيل رابطة للطلاب الجامعيين في شفاعمرو، وجدنا في قاعة الكنيسة الانجيلية (البروتستانت) البيت الدافيء الذي يجمعنا، وقد شكلت في حينه البيت الدافيء لجميع الحركات والفعاليات الوطنية التي لم تجد مأوى لها، حيث سبقنا اليها اتحاد الأكاديميين. ووجدنا في القس شحادة شحادة، راعي الكنيسة ورئيس لجنة الدفاع عن الأراضي العربية، المساند والداعم دون أي تردد، وفتح لنا القاعة وسلمنا المفتاح دون أن يسأل أو يتدخل، وفعلا حضنت تلك القاعة التي كانت صاحبة الفضل فعالياتنا فكانت بيتنا الأول الذي نجتمع ونلتقي فيه أسبوعيا، وفيها أقمنا الندوات والمحاضرات وفيها نظمنا أول معرض للكتاب وفيها عقدنا لقاءات للطلاب الجامعيين وغيرهم، ولم يكن يتم كل ذلك، بل ربما لم تكن رابطة الطلاب لتنطلق، لولا دعم القس شحادة شحادة.
أما عن يوم الأرض فالحديث لا يتوقف والكلمات لا تكفي للتعبير عما فعله القس شحادة في هذه القضية الحساسة، فهو لم يترك منبرا أو مجلسا إلا وتحدث فيه عن يوم الأرض بذلك الحماس الكبير والاندفاع الغيور على ما تبقى من أرض عربية خشية مصادرتها. وكم تألم وامتعض لمحاولات البعض – حتى من صفوفنا- تفريغ يوم الأرض من مضمونه ومعناه الحقيقيين، وأذكر أنه في مقابلة أجريتها معه لصالح جريدة "صوت القرى" التي كانت تصدرها "لجنة الأربعين للقرى غير المعترف بها" أبدى معارضته الشديدة لتحويل يوم الأرض الى يوم "نزهة"، لكنه اعترف بألم أيضا وأسى عن أسفه لفقدان لجنة الدفاع عن الأراضي العربية لدورها الفعال.
اليوم ينضم القس شحادة شحادة الى تلك الأسماء العظيمة التي تركت بصمات واضحة لا تمحى، في مسيرة شعبنا وخطت مراحل هامة من يوميات نضاله. اليوم يلتحق القس شحادة برفاقه وزملائه من قادة لجنة الدفاع عن الأراضي، الى سكرتيرها الصحفي صليبا خميس والى الشاعر والمناضل توفيق زياد والى عضو سكرتاريتها، رئيس مجلس معليا الأسبق مسعد قسيس، وعضو سكرتاريتها المؤرخ د.اميل توما والى محامي الأرض والشعب المحامي حنا نقارة. كوكبة من المناضلين الشرفاء ممن حملوا رسالة وطنية نظيفة، وتركوا لنا وصية.. فهل نحافظ عليها؟!