الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 03 / مايو 06:02

الشيخ حماد أبو دعابس:تونس إلى انعتاق وإسرائيل إلى انغلاق

كل العرب
نُشر: 20/01/11 07:50,  حُتلن: 07:58

الشيخ حماد أبو دعابس في مقاله:


الأنظمة القمعية والمستبدة مهما بدا من شأنها إنها متمكنة ومستحكمة، إلا أن قوتها تنبع من هيبتها في قلوب أبناء شعبها


وزراء حزب العمل المستقيلين، الذين اصطبغوا نوعاً ما بصبغة الاعتدال والموضوعية. لم يعد لهم مكان في حكومة العنصريين والمتطرفين


لقد تحرّك شعب بأسره – أخيراً- تعاطفاً مع نفسه ، وكأنه كان ينتظر الشاب (محمد بوعزيزي) الذي احرق نفسه تعبيراً عن أزمته الاقتصادية

أحداث تونس الأخيرة والتي اتسمت بالدرامية المثيرة شكَّلت ولا شك نقطة تحوّل ايجابية كبرى في رفع قيمة المواطن العربي . إنها ثورة الجياع والمظلومين ، الذين حركتهم مشاعر الغضب الصادق ، لما آلت إليه أحوالهم المعيشية من كبتٍ وقهرٍ ، وضيقٍ في العيش. لقد تحرّك شعب بأسره – أخيراً- تعاطفاً مع نفسه ، وكأنه كان ينتظر الشاب (محمد بوعزيزي) الذي احرق نفسه تعبيراً عن أزمته الاقتصادية ،ليلخِّص لهم معاناتهم ، وخذلان السلطات لهم ، والقهر والحرمان الذي سامهم إياه حكامهم المترفون وحاشيتهم المستبدة كم احرق شبان عرب ، وكم من أناس عاشوا تحت القهر سنوات وعقوداً، ولم يحرك ذلك شعباً ولا يقلب نظاماً ، ولكنه يبدو أن التونسيين ارتقوا إلى صدارة الشعوب العربية ، ليكتشفوا القيمة العظمى لحريتهم وكرامتهم . إن تحركهم الارتجالي الذي سبق مؤسساتهم الرسمية ، وأحزابهم ومنظماتهم، جاء كردة فعل فطرية لطالما انتظرنا مثيلها عقب أحداث دامية ، ومجازر رهيبة ارتكبت بحق شعوب عربية ومسلمة ، ولم نشهد مثل هذا التحرك . فلعلَّ هذا التحرُّك الشعبي المبارك يكون انتصاراً لكرامة الشعوب العربية ، حتى يحسب لها القاصي والداني ألف حساب ، فيجتنب استفزازها ، وإغضابها ، لأنها ستنقلب عليه بركاناً حارقاً وزلزالاً مدمِّراً .

إن في ذلك لعبرة
إنها دروس كثيرة تستفاد من التجربة التونسية ، ولعلها أولها : ما قد قاله الشاعر التونسي أبو القاسم ألشابيّ منذ زمن:سنُسمع الصخر إن لم يسمع البشر إن الشعوب إذا ثارت ستنتصر فهي قراءة متجردة للقوة الكامنة في إرادة الشعوب للحياة الكريمة . إنها تكتنز في داخلها قُوَّةً هائلةً ، تستطيع أن تقلب أنظمة متجبرة مهما أوتيت من جبروت وهيمنة. وثانيها: إن الأنظمة القمعية والمستبدة مهما بدا من شأنها إنها متمكنة ومستحكمة، إلا أن قوتها تنبع من هيبتها في قلوب أبناء شعبها وقد قال الله تعالى في شأن فرعون، طاغوت مصر القديم : " فاستخفَّ قومه فأطاعوه" . فقوة الباطل تنبع من تسليم أهل الحق لباطله. أما إن اقتنعوا بأنه باطل وانه زائل وانه واهن كبيت العنكبوت، وتعاملوا مع هذه القناعة، فانه حتماً سيكون كذلك. فهي نبوءة تحقق نفسها. وآن الأوان للشعوب العربية أن تقدِّر أنظمتها الطاغوتيه بهذا القدر لا أكثر.

خدمةً للعم سام
والدرس الثالث: إن الأنظمة العربية المستبدة ، والمُنصَّبة على صدور شعوبها خدمةً للعم سام ، كلها باتت ترتجف ، وترتعد فرائصها خوفاً من نفس المآل. إنها جميعاً تعرف في قرارة نفسها كم هي ظالمة، وهزيلة وجبانة. ولقد بدأ الجميع يسترضي الشعوب ليمتصَّ غضبتهم، وليحول دون اتساع دائرة التغيير، والتحرُّك الشعبي . ونحن توَّاقون إلى رؤية الشعوب العربية قوية الإرادة ، مرفوعة ألهامه ، رافضة لقهر طواغيتها ، ومنتصرة لكرامتها وعزّتها.

القصور والخمور
ورابع الدروس : لقد ثبت قطعياً أن في الشعوب العربية والإسلامية خير كثير. إن في داخلها مارد عملاق كان نائماً فبدأ يتململ. وان أعداء الأمة يسعون جاهدين لتخديره على الدوام ليؤخِّروا استيقاظه ، وانتفاضته. لقد اشغلوا هذه الشعوب بالملهيات ، والمُسَلِّيات. بالأفلام والمباريات، بالأغاني والغانيات، بالدور والقصور والخمور والفجور. ومع ذلك فانه يكشف مرةً تلو مرّة عن معدنٍ أصيل، مهما اعتراه من تلوّث وصدأ، إلا أنه إذا أُعيد صقله ، عاد ساطعاً مشعَّاً لامعاً قوياً .

إسرائيل مصابةٌٌ بعدوى الليبرمانيه
وبقابل الانفتاح الذي تسير نحوه تونس، فان إسرائيل تزداد انغلاقاً وهي في طريقها نحو مزيد من العنصريّة، والصداميّه والعزلة الدوليّة. فالخطوة التي اتخذها ايهود باراك في تحطيم حزب العمل، وتفتيته إلى أشلاء، تصبّ ولا شك في هذا الاتجاه. إنها خطوة تحمل دلالات وأبعاداً كبيرة في طريق إسرائيل نحو الانحدار، والتقهقر بل العنصريّة والاستبداد التي تتصف بها دول العالم الثالث. ومن أهم هذه الدلالات:

مكانة وشرعيّة دوليّه
أولاً: حزب العمل يمثّل رمزيّة مهمّة. إنه الحزب الذي يُمثِّل الليبراليّة، والبراغماتيّه والموضوعية في إسرائيل، والذي أسهم في بناء هذه الدولة في سنوات نشأتها، وخاض معظم حروبها، وأسس لها كيانها، الذي انتزع مكانة "وشرعيّة" دوليّه رغم كل جرائمه ومجازره، وضع لإسرائيل مكانةً فوق القانون الدولي. وها هو يتحطّم على أيدي قادته، فهو فأل سوء عليهم.

عقليّة العسكريّ
ثانياً: ها هي حقيقة باراك. انه لا يتلاءم أبداً مع حزب ينسب إلى الوسط أو يسار الوسط. انه حقيقةً من أكثر قيادات إسرائيل إجراماً وتعنُّتاً. إنّ في أثوابه عقليّة العسكريّ الذي يحبّ أن يأمر فيُطاع، يتصرّف كدكتاتور في مؤسسة ديمقراطية. فمكانه إذاً في أقصى اليمين الإسرائيلي،وقد اختار أن يكون هناك بإرادته.

الاعتدال والموضوعية
ثالثاً: يبدو أنّ وزراء حزب العمل المستقيلين، الذين اصطبغوا نوعاً ما بصبغة الاعتدال والموضوعية. لم يعد لهم مكان في حكومة العنصريين والمتطرفين. وباتوا عائقاً أمام القرارات الظلاميّه التي تخرج من أدراج هذه الحكومة كل يوم. مما يجعلنا نقرأ بين السطور. مزيداً من العنصرية ومزيداً من التهوُّر. وأكثر اقتراباً من حربٍ إقليميه طاحنة تغذي طموح الثلاثي ألظلامي العنصري نتنياهو براك ليبرمان.

عنصريّة الحاخامات تكشف عنهم كل المستور
استطاع حاخامات إسرائيل، أن يخفوا وجههم الأسود الحقود، وأبطنوا في قلوبهم العداوة والبغضاء والعنصريّة المقيتة ضدّ كل عربي وفلسطيني ومسلم. وظل وجههم الحقيقي هذا مستوراً عن الإعلام العالمي لعشرات السنين، ولكن يأبى الله عزّ وجل إلا أن يفضح حقيقتهم، ويكشف سريرتهم، وإذ بهم أشدُّ الناس عداوةً للذين آمنوا كما وصفهم الله في محكم تنزيله. وقد ظهرت عداوتهم للفلسطينيين والعرب جليّةً في الآونة الأخيرة، في مجموع فتاواهم التي تتماشى مع انحدار الدولة عموماً نحو العنصرية والفاشيّة.

سحق الفلسطينيين
آخر فتاوى الحاخامات اليمينيين المتطرفين تدعو إلى سحق الفلسطينيين وإبادتهم. وكأنّ الجيش الإسرائيلي لم يسحق ولم يقتل ولم يدمِّر القرى الفلسطينيّة على رؤوس أصحابها. وما يزال يمارس هذه الفتاوى على أرض الواقع قبل أن تخرج للعلن. إنها الحقيقة التي تتكشّف يوماً بعد يوم، وهي أن إسرائيل دولة تعمل بروح التوراة وإن كان يقودها علمانيّون . إنها دولة تقنّن لجرائمها وعنصريّتها من اقتباسات حاخاماتها وفتواهم، وأن كانت تعلن غير ذلك. تماماً بعكس دولنا العربية التي تعلن عن كون الإسلام دين الدولة الرسمي وهي أبعد ما تكون عن تطبيق الشريعة الإسلامية. فها هو قد انكشف المستور إنها دولة ينظّر لها ليبرمان ويشرعن ذلك الربانيون والحاخامات وينفّذ باراك ويوقِّع نتنياهو. فالويل والثبور لمن كانت هذه مصادره وهؤلاء هم مقننوه ومشرعوه ومنفذو سياسته.

مقالات متعلقة