الشعوب كل الشعوب ـ رغم الحضارة التي تقفز في حياتنا قفزاً وتجعلنا احياناً كثيرة نلهث خلفها ـ لا يمكن نتنصّل من تراثها وارثها الحضاري . والامم التي قطعت صلتها بالماضي وبالتراث والجدود لا يمكن ان تبني وطنها على الصخر بل سيكون حتماً مبنياً على الرمل .
وقد قالت العامّة : " مَنْ ليس له قديم ما له جديد ".
صحيح انه يجب علينا ان ننظر دوماً الى الامام ، ولكن هذا لا يمنعنا من ان نتزوّد بقبس من تراث الاجداد وباريج من الماضي العبق .
من ذلك الاريج الحضاري الذي احبه واغترف منه بين الفيْنة والفينة هو الشعر العامي ـ الزجل ـ هذا الشعر الذي وُلِد في احضان الجمال وعاش في قلب الشلال وأصوات العنادل " وهمس الجفون " .
هذا الشعر الهامس الذي يدخل القلب فينعشه ، ويمتلك ناصية الروح بشفافيته وكثيراً ما اقفُ دَهِشاً امام تعبير عاميّ اصيل يتعذّر على فصيح الكلام مجاراته فيقف عاجزاً !!!
الزجل حضارة, بل الحضارة زجل بليلٌ يغسل الهموم والأدران ولو لساعات. الزجل الأصيل غزل مشروع يرفع المحبوبة الى مصاف عشتروت ويارا وافروديت .
الزجل يُثلج الصّدر في هذا الزمن القائظ والمشحون بالتوتر .
فهاكم نزراً يسيراً ممّا استملحْتُ ـ وهو كثير ، من دنيا الزجل .
قال احدهم لانسة جميلة تحمل شمسية :
عيونك لو لمسوني لمسْ ** بحيا لو كِني بالرَّمسْ
الله يعين الشمسيه ** الفوقا شمسْ وتحتا شمسْ
اما الشاعر اللبناني جورج خليل فقد قال عن آدم وحواء :
آدم بيّ الخليقهْ ** تحمّل حوا الرقيقهْ
وعلمّها البُوسه بالتِّم ** حتى يسكتها دقيقهْ
سال احد الشعراء فتاة عن سبب الورم الذي اصاب شفتيْها فاجابته : يظهر ان فيهما عسل ، فقد لسعتهما النحلة !! فقال :
هالنحله يخرِبْ ذوقا ** شو مهضومه وعيّوقا مِشْ رح احكم ع شفافِك ** حتى اعقصها وذوقاغزل بريء ، معسول ، وشعر يشدّكَ دوماً لتشربَ من مائِهِ الزّلال ، ويشدّنا اكثر الى حضارتنا العريقة الملأى بالامجاد والمروءة .فهيّا نحثُّ الخطى نحو الأمام وزادنا التراث والحضارة ومخافة الله .