جلست الأسرة في إحدى ليالي الشتاء حول الموقد، وقالت الجدة: سأروي لكم الليلة قصة الرجل العجول في أمره، العامل بغير تثبيت ولا رويّة.
فقال الأب: من لم يكن في أمره متثبتا يندم. ومن أمثال ذلك مثل الناسك وابن عرس.
فقال الابن: وكيف كان ذلك؟
فقالت الجدة: زعموا أنه كان بأرض جرجان ناسك، وكانت له امرأة لبثت عنده زماناً لا تحمل، ثم حملت فاستبشر الناسك بذلك وقال لها: أبشري. فإني أرجو أن تلدي غلاما وتسعديه، وسأقوم بالبحث عن مرضعة له، كما سأختار له اسما حسنا.
قالت المرأة: أيها الرجل! من علمك أن تتكلم في ما لا تدري؟ ومن يعلم أيكون المولود ذكرا أم أنثى؟ أسكت الآن، وارض بما سيقسم الله لنا، فإن الرجل العاقل لا يتكلم في ما لا يدري. فمن تكلم بما لا يدري أصابه ما أصاب الناسك الذي انصبّ على رأسه السمن والعسل.
قال الناسك: وكيف ذلك؟
قالت المرأة: زعموا أن ناسكاً كان يرسل إليه أحد التجار رزقاً من السمن والعسل. وكان يحفظ من ذلك السمن والعسل في كوز علقه، حتى امتلأ الكوز. وارتفع ثمن السمن والعسل. فقال: " سأبيع ما في هذه الجرة بدينار على الأقل، فأشتري بالدينار عشرة أعنز، فيحملن ويلدن لخمسة أشهر ".
وحسب ما سيصير لديه بعد خمس سنين فوجد أنه سيكون أكثر من أربعمائة عنز في حسابه.
ثم قال: فأشتري مئة بقرة بكل أربع عنزات ثوراً وبقرة. فأنتفع بالثيران في الزراعة وأنتفع بما تلده الإناث وبألبانها. فلا يأتي عليّ خمس سنين إلا وقد أصبت منها ومن الزرع مالا كثيرا. فأبني بيتا فاخراً وأشتري عبيداً ورياشاً ومتاعاً. فإذا فرغت من ذلك تزوجت امرأة ذات حسب ونسب، ثم تلد لي ابنا مباركا فأسميه اسماً حسنا وأؤدبه أدبا حسنا وأشدّ عليه في الأدب. فإن رأيته عقوقا ضربت رأسه بهذه العصا وهكذا.
ورفع العصا يشير بها فأصابت الكوز فانكسر وانصب السمن والعسل على رأسه وذهب تدبيره وكل أمانيه باطلا.
ضربت لك هذا المثل لتنتهي عن التكلم فيما لا تدري وما لا يوافق القدر فاتعظ بما اتعظ الناسك.
ثم إن المرأة ولدت غلاماً سوياً فسرّ به أبوه حتى إذا كان بعد أيام قالت المرأة لزوجها: أقعد عند الصبيّ حتى أغتسل وأرجع إليك.
وذهبت المرأة. وبعد قليل جاء الرجل رسول السلطان فذهب به، ولم يترك مع ابنه أحداً.
إلا أنه قد كان له ابن عِرس داجن عنده، يعتني به كما يعتني المرء بابنه. فتركه الرجل عنده وذهب إلى السلطان. وكان في بيته جحريّة، فخرجت الحية تريد الولد، فوثب عليها ابن عرس فقطعها إرباً إرباً.
وأقبل الناسك عندما انصرف من عند السلطان، وأتى بيته فتلقاه ابن عرس كالمبشر له بما صنع.
فلما رآه الناسخ متلطخاً بالدم سلب عقله ولم يلبث ولم يتبين الأمر، وضرب ابن عرس ضربة على رأسه بعصاه، فوقع منها ميتا. ودخل الناسك بيته فرأى الغلام والحية مقطعة فعرف الأمر، وصار يلطم صدره ويشد شعره ويقول: ليت هذا الغلام لم يولد ولم أغدر بابن عرس، فدخلت المرأة وهو يبكي...
فسألته عن السبب فأخبرها وقال:
هذه ثمرة العجلة، ومثل من يعمل بغير رويّة في أمره. وقد صدق المثل القائل: "في التأني السلامة، وفي العجلة الندامة".