الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 17:02

أهالي لفتا بمواجهة الهدم: لن نسمح لاسرائيل بإغتصاب البلدة مرة ثانية

منى أبو شحادة
نُشر: 15/05/11 12:13,  حُتلن: 23:39

 الحاجة زهية حودي

أسكن اليوم في رام الله وانتظر كل فرصة استطيع خلالها أن ازور البلدة التي عشت على ذكرى العودة إليها طيلة 63 عاماً

لن احتمل أن أرى منازل قريتي تهدم امام عيني ولن أقبل ان أتراجع عن الحلم بالعودة إليها، فلن تكون القرية كما تريد الحكومة الاسرائيلية سبيلاً يمر منه قطار ويلوث طبيعتها المميزة

الحاج إبراهيم العبيدي

وصلت مجموعة من اليهود عصر يوم التهجير وقامت بقتل بعض الرجال الذين يجلسون في المقهى الذي يقع على مدخل القرية

لن نقبل بأحد الخيارين اللذان طرحتهما علينا دائرة اراضي اسرائيل، فلن نقبل بأن يمر قطار من بلدتنا ولن نقبل بان تصبح بلدة أثرية يزورها السائحين، بل سنسعى لتحقيق حلم العودة قريباً

 بين حلم العودة وقرار الحكومة الاسرائيلية بهدم البيوت المهجرة في قرية لفتا لإنشاء سكة حديد، يعيش أهالي القرية الذين ما زالوا يزورونها باستمرار متشبثين بحقهم في العودة إلى بيوتهم التي ما زالت تنتظرهم وتحافظ على جدرانها قوية تحمل بين أحجارها ذكريات محفورة في ذاكرة سكانها الذين خرجوا منها شباناً ويعودون إليها اليوم برفقة أحفادهم الصغار الذين استطاعوا أن يدحروا مقولة بن غوريون: " الكبار يموتون والصغار ينسون".



الآذان ما زال يعلو من منبر لفتا ويزعج المتنزهين اليهود
زرنا لفتا المهجرة التي لبست حلة الربيع الخضراء وتجولنا بين بيوتها التي ما زالت تحافظ على عمرانها تنتظر عودة أبنائها الذين احتضنت أحلامهم الشبابية، ليصحبنا الحاج ابراهيم العبيدي الذي يبلغ من العمر (74 عاماً)، مؤذن مسجد القرية الذي ما زال صوته يصدح بالآذان من على منبر المسجد الذي ما زالت بقايا جدرانه تحافظ على أحد معالم قرية لفتا، وفي كل مرة يقوم فيها الحاج ابراهيم بزيارة القرية يقوم بإعلاء الآذان، وبصوته الذي جلجل في القرية وأزعج المتنزهين اليهود الذين يزورون القرية للاستمتاع بربيعها المميز، الذين نظروا باستغراب يحمل بين طياته خوف من هذا الرجل الذي ينطق بالعربية في القرية التي يعرفون بانها خلت من سكانها.
وبعد الآذان أكملنا طريقنا مع الحاج ابراهيم العبيدي لزيارة بيت عائلته، الذي بدأ يروي قصة 14 عاماً من عمره قضاها في لفتا وبين جدران ذلك البيت قائلاً: " كنت أعمل ككاتب في مؤسسة الضرائب في القدس، وفي يوم التهجير وصلتنا أخبار مجازر القوات الاسرائيلية في دير ياسين والطنطورة وغيرها من البلدات الفلسطينية الأخرى، وبعدها وصلت مجموعة من اليهود عصر ذلك اليوم وقامت بقتل بعض الرجال الذين يجلسون في المقهى الذي يقع على مدخل القرية، فقرر والدي الخروج من البلدة خوفاً على حياتنا، توجهنا إلى بلدة (بيت إكسا) ومن هناك إلى مدينة رام الله".
أكملنا طريقنا في دروب لفتا الترابية حيث توقف الحاج ابراهيم وقال فرحاً: " هذا هو منزلي وصلنا..توقف قليلاً ليتأمل جدران المنزل الخارجية وبعدها بدأ بالصعود على الدرج الحجري المؤدي إلى منزله، تبعناه لكنه وصل قبلنا بدقائق دون أن يشاركنا لهاثنا وتعبنا، فكان مرحاً وهو يتجول في أرجاء المنزل ويخبرنا عن تقسيم البيت: " فهنا كانت غرفتي انا واخوتي، وهذه غرفة والديّ، هذا المطبخ وهنا منزل عمي..."، تنهد الحاج ابراهيم واستدار بعيداً عنا لنلمح دمعة استطاع الحاج ابراهيم أن يحبسها.



بين ذكريات الحاج ابراهيم والحاجة زهية يزداد الفضول!!
ولكن الحاجة زهية جودي (75 عاماً) بدأت تخفف من حدة الذكريات وتخبرنا عن أيام الصبا في لفتا التي غادرتها وهي تبلغ من العمر (8 سنوات): " أسكن اليوم في رام الله وانتظر كل فرصة استطيع خلالها أن ازور البلدة التي عشت على ذكرى العودة إليها طيلة 63 عاماً، وهذه المرة كان الحصول على تصريح للوصول إلى لفتا سهل ولم نعاني الأمرين كالعادة".
وبين أحاديث الحاج ابراهيم والحاجة زهية، وخلافاتهم حول هوية أصحاب كل بيت نمر به في طريقنا إلى معصرة القرية، كانت اسئلتنا تكثر وفضنا يزداد مع كل معلومة نتلقاها وبدات تقص علينا الحاجة زهية كيف كانت الفتيات تقضين أوقاتهن في لفتا: " كنا نبحث عن ألعاب تسلينا في المنزل فكنا نصمم الدمى ونلعب الحجلة العديد من الألعاب التي كنا نبتكرها لنقضي وقتنا".
وتمضي الحاجة زهية في حديثها وهي تتأمل معالم القرية التي اشتاقت لرؤيتها: " لن احتمل أن أرى منازل قريتي تهدم امام عيني ولن أقبل ان أتراجع عن الحلم بالعودة إليها، فلن تكون القرية كما تريد الحكومة الاسرائيلية سبيلاً يمر منه قطار ويلوث طبيعتها المميزة".



حكايا لفتا ما زالت في الذاكرة...والأطفال لم ينسوا
ووصلنا إلى معصرة قرية لفتا التي خلت من البشر لكنها كانت تعبق برائحة الزيتون فما زال الحجر هناك يحمل ذكريات وأحاديث أهالي القرية الذين كانوا يرشقون دروب القرية بمزاحهم وقصصهم خلال انتظارهم عصر زيتونهم، وما أجمل موسم الزيتون في حديث الحاج ابراهيم: " كان أهالي القرية ينتظرون دورهم في موسم الزيتون ويتبادلون أطراف الحديث وفي جعبة كل منهم حكايا لكن هذه الحكايا تبعثرت مسافرة بين رام الله والقدس ومخيمات الشتات".
زيارة قصيرة تركت أثرها في نفوسنا دون ان تمنحنا الفرصة لننساها، فما زالت صور لفتا حاضرة في ذاكرة أبنائها وفي أحاديثهم وبقصص نسجوها من حلمهم في العودة، ودعنا الحاج ابراهيم وهو يسألنا في طريق العودة عن شعورنا وعن اذا ما كنا قد استمتعنا بزيارة القرية، ودعنا الحاجة زهية والحاج ابراهيم على أمل العودة وهما يؤكدان لنا: " لن نسمح لاسرائيل بمصادرة أراضينا مرة ثانية ولن نقبل بأحد الخيارين اللذان طرحتهما علينا دائرة اراضي اسرائيل، فلن نقبل بأن يمر قطار من بلدتنا ولن نقبل بان تصبح بلدة أثرية يزورها السائحين، بل سنسعى لتحقيق حلم العودة قريباً".



وبين لفتا ونفتوح مخطط هدم جديد
ودعنا لفتا تلك القرية الوادعة، تقف شامخة في الشمال الغربي من بيت المقدس محيطة به، خصوصًا من الشمال والغرب، وهي بوابة القدس الغربية والشمالية، والقادم إلى القدس من الشمال يمرّ بالتلة الفرنسية وأرض السمار والشيخ جراح، وهي بعض أراضي قرية لفتا. ولعلّ المؤرخون لم يخطئوا حين سموا (لفتا) مدينة كنعانية باسم (نفتوح) – وان استغلت التسمية وحرّفت من قبل الغير - كما اعتبرها إحصاء عام 1945 القرية الثانية من حيث مساحة مسطح القرية بين قرى مدينة القدس.
تقول الرواية الشفوية أن اسم (لفتا) بكسر اللام وتسكين الفاء، هو الاسم الموروث عن الآباء والأجداد. في عهد أجدادنا الأوائل الكنعانيين عرفت باسم (نفتوح) بمعنى الفتح باللغة الكنعانية، أما في الفترة الرومانية فقد عرفت باسم (مي نفتوح) Mey Nephtoah كما أطلق عليها اسم نفتو في الحكم البيزنطي، وفي أيام الصليبيين عرفت القرية باسم كليبستا وفي عام 1596م كانت قرية لفتا من ناحية القدس.
ليس هناك من سبب واضح جلي لتسمية لفتا بهذا الاسم، ولا شك في أن تغيرات كثيرة تمر على حروف الكلمة خلال الأزمنة المتطاولة، ونتيجة لتعاقب جيوش الدول والحضارات على البلدان، فكيف بأرض فلسطين المباركة المقدس، ولفتا من هذه الأرض المباركة، ربما اتخذت هذا الاسم مؤخرًا، حيث أخذت من مادة لفت يلفت التفاتًا، وربما جاء هذا الاسم نتيجة لإحاطتها بمدينة القدس الشريف، حيث يجول الواقف ببيت المقدس بناظريه، فيجد أرضًا لهذه القرية محيطة بالقدس، حيثما التفت.
تقع لفتا إلى الشمال الغربي من القدس الشريف فوق رقعة مرتفعة من جبال القدس، وعلى السفح الغربي لجبل خلة الطرحة، وهي تشرف على أحد المجاري العليا لوادي الصرار، وهو وادي الشامي الذي يجري في طرفها الشمالي، وتخترق لفتا طريق القدس- يافا وكذلك طريق القدس- رام الله، وتصلها طرق معبدة وبعضها ممهدة تصلها بقرى دير ياسين وعين كارم والجورة وبيت إكسا وقالونيا والقسطل ومتوسط الارتفاع بالأمتار عن سطح البحر لقرية لفتا 675 مترًا.
إن القادم من مدن الشمال أو طولكرم أو رام الله أو نابلس أو قراها لابد له من المرور بأراضي لفتا حتى يلج باب العمود أو باب الساهرة، مارًا بأراضي لفتا في الشيخ جراح، والقادم من مدن يافا أو اللد والرملة وحيفا أو من قرى غرب القدس ليدخل من باب الخليل، لابد له من المرور بأراضي لفتا لأن القرية هي بوابة القدس الغربية، وربما سمي جبل المشارف بهذا الاسم لأن الناظر من قمته يشرف على أحياء القدس القديمة، كل ذلك يدل على أهمية موقع لفتا ولا ننسى أن لفتا اشتركت مع بعض القرى المجاورة لمدينة القدس في إحاطة أراضيها بالمدينة المقدسة، إحاطة السوار بالمعصم، وكانت أراضيها تصل حتى أسوار القدس.
بلغت مساحة أراضي لفتا في عام 1945 (8743) دونمًا حسب وثائق الانتداب البريطاني وخريطة فلسطين، غير أنه عندما أنشئت بلدية القدس في نهاية العهد العثماني اتسعت مساحتها لتشمل أراضي خارج السور على حساب القرى المجاورة ومنها لفتا. وعند مجيئ الانتداب البريطاني في أوائل القرن العشرين ازدادت مساحة نفوذ "بلدية القدس" على حساب أراضي القرى المجاورة مرة أخرى وكان نصيب لفتا من اقتطاع أراضيها إلى البلدية كبيرًا حيث ضمت أراضي الحارة الفوقا للفتا إلى بلدية القدس ووقفت عند أراضي الحارة التحتا للقرية بحيث لم يعد لقرية لفتا إلا ما ذكر وهو (8743) دونما، وهي أراضي الحارة وبقي ما تبقى من أراضي القرية، ونظرة سريعة الى حدود قرية لفتا لاحقا يدل على مساحاتها الواسعة ويصدّق الرواية ان مساحة قرية لفتا تجاوزت الـ 30 ألف دونم .









مقالات متعلقة

º - º
%
km/h
3.71
USD
3.86
EUR
4.65
GBP
361066.36
BTC
0.51
CNY