الشيخ حماد أبو دعابس:
الناظر إلى الأحداث من حوله يعجب حين يسمع عن خلافات عصيبة، قد تفضي إلى نتائج وخيمة
وحدة الحركة الإسلامية هدف سامٍ وعظيم، ووحدة الشعب الفلسطيني كذلك أمر ترتاح له النفوس ويتمناه الصغير والكبير
ينبغي للصراعات الكبرى أن تشغلنا عن الصراعات الصغرى وينبغي أن تذوب نفوسنا وخصوصياتنا في مصلحة شعبنا وأمتنا
وصف الله تعالى الأرض بأنها أرضه، وأنها واسعةٌ لمن يبتغي السياحة والهجرة فيها، والسير في مناكبها، وذلك في قوله عز وجل "الم تكن ارض الله واسعةً فتهاجروا فيها" . ولكن هذه الأرض قد تبدو في عينَي صاحب الهم ضيقة لا تتسع لهمة او مشكلته، تماما كما وصف الله تعالى حال الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك، فعاقبهم النبي صلى الله عليه بالمقاطعة ، فبلغ بهم الأمر أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت:"وعلى الثلاثة الذين خلِّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه" التوبة 118.
إذاً، فهي نفس الأرض الواسعة تضيق عندما تضيق نفوس البشر. والمقهور المظلوم يرى وكأن ظالمه سدَّ عليه كل منافذ الحياة، فلم يعد له في الأرض متسعاً. والجار الذي اختلف مع جاره والأخ الذي يشعر بظلم إخوانه، والمتعاملان في بيع أو شراء فبغى احدهما على الآخر ولربما الزوج وزوجته، يبلغ بهم الحال أحياناً أن تضيق بهم الأرض بما رحبت، فيشعرون بانَّ المنافذ كلها قد سُدَّت، فيلجأ احدهما إلى اخذ حقه بيده فيبطش أو يقتل أو يكفر أو يطلِّق.
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق
أُخرُج من نفسك الضيّقة لتكتشف العالم الرحب
الناظر إلى الأحداث من حوله يعجب حين يسمع عن خلافات عصيبة، قد تفضي إلى نتائج وخيمة، فإذا تحقَّق من أسبابها وجدها في الغالب نفوس ضاقت بأصحابها، فلم تحسن التعامل مع من حولها. زملاء في مدرسةٍ أو مصنعٍ ، أو شركاء في مصلحةٍ، يتصور احدهم أنَّ العالم كله قد أُختزل في مدرستهم أو شركتهم، فلم يعد في الدنيا مكان لكليهما إلا أن يقضي احدهما على الآخر. ولكن من ينظر إليهم عن بُعد يستغرب ويستهجن تصرفاتهم ويرى بدائل كثيرةً وحلولاً ممكنةً، عميت عنها عيون المتناحرين.
إن أصحاب النفوس الكبيرة، لا تضيق صدورهم بحدث يستفزّ مشاعرهم، أو تصرف يتحدى كبرياءهم. ولا يضحِّي احدهم بدنياه وآخرته من اجل قضية جانبيّة، بل يعطي لكل مسالة حجمها، ولا تلهيه الأهداف المرحليّة المتواضعة عن الغايات الكبرى والقضايا المصيريّة.
كفاءتك كنزٌ والحكمة حارسها
كثير من المواقع القياديّة في المجتمعات والدول لا يتبوأها أكثر الناس كفاءة، إذ أنَّ الكفاءَة بحاجة إلى طريق معبَّدةٍ تسلكها ومركب صالح يحملها. وقد يصل بتوفيق الله تعالى إلى بعض هذه المواقع من هم "اقل كفاءة" ولكنهم اقدر على التعامل مع الظروف المحيطة بهم. فمن يتسع صدره لإخوانه وتسمو نفسه عن شحها، وترقى في تعاملها مع الآخرين، قد يبلغ به الحال أن يصل إلى قلوبهم ، وينال ثقتهم فيرفعونه فوق رؤوسهم ليس لكفاءته بل لحسن معاملته وجميل خصاله وسمو روحه.أما إذا اجتمعت هذه الخصال الحميدة والسجايا النبيلة مع الكفاءة العالية والحكمة الرشيدة، فذلك نورٌ على نور، ينتج عنه ولا شك نجاحٌ وفلاح.
فيا من أوتيت الكفاءة اعلم أنها منحةٌ من الله تعالى ونعمة. تصونها بحسن تعاملك . وقد تصبح وبالاً عليك بسوء تصرفك. ويا من أوتيت الخلق الجميل والخصال الفاضلة اسع من اجل الرقي بكفاءتك، حتى إذا اجتمعت عليك قلوب العباد أحسنت في تدبير شئونهم. ويا من ابتليتم بالتناحر بين هذه المقومات جميعاً، وسِّعوا صدوركم، ولتكبر نفوسكم عن الصغائر، واجتمعوا على الكُليّات. وليسع بعضكم بعضاً. تجاوزوا عن الزّلَّات، واجمعوا الخير بعضه على بعض.
نسعى لوحدة الأمة الإسلامية فلنتَّحد فيما دونها
الكل يتغنِّى بالوحدة، واجتماع الكلمة. فوحدة الحركة الإسلامية هدف سامٍ وعظيم، ووحدة الشعب الفلسطيني كذلك أمر ترتاح له النفوس ويتمناه الصغير والكبير. وقد كبرت طموحاتنا، واشرأبت أعناقنا بعد الثورات العربية ترقُّباً لوحدة الأمة العربية، بل نرجو الله تعالى أن يكرمنا بشهود وحدة الأمة الإسلامية بأسرها تحت راية التوحيد. ولكن بيننا وبين هذه الآمال الكبار ابتلاءات وامتحانات صغيرة لا بد من تجاوزها والنجاح في تخطيها. إنها وحدة أبناء البلد الواحد، والقرية الواحدة والمسجد الواحد، وأبناء الفكر الواحد. إياكم أن تحاصركم النظرة الضيقة، والأفق القصير، فلا ترون الأزمة الكبرى والمعضلة العظمى إلا في ذلك الخلاف المحلي أو الدائرة الشخصية فتنشغلوا بهمكم الصغير عن هم الأمة الكبير،كيف لنا أن نتناحر على دونم من الأرض وإسرائيل تخطّط لمصادرة مليون دونم في النقب. كيف لنا أن نقتتل على غرفة أو مبنى والمستوطنات والمستوطنون يلتهمون أحياء القدس وارض القدس فيغيرون معالمها، ويسعون لتهويد الأرض وما عليها.
الصراعات الكبرى
ينبغي للصراعات الكبرى أن تشغلنا عن الصراعات الصغرى وينبغي أن تذوب نفوسنا وخصوصياتنا في مصلحة شعبنا وامتنا. لا يليق بشعبنا الفلسطيني المُثخن بالجراح، والسهام المصوبة من أعدائه إلى ظهره ونحره ، أن يفاقم من جراحه من خلال تناحره الداخلي. فما بين حمائل وقبائل، وما بين أحزاب وفصائل ، وما بين مصالح ومناصب اشتبك الحابل بالنابل، وضعنا بين مقتول وقاتل وما بين متفرج وشامت، ليضيع الوطن والمواطن ولتنتظر الأمة انبلاج الفجر وحلول الفرج. وويل لمن يؤخر فرج امة، ويشغل شعبنا عن همِّه الكبير من خلال الزوابع التي يثيرها في فنجانه الصغير. هيا بنا نكبر فوق الجراح ونسمو فوق كل خلاف.
وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام
والله غالب على أمره
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر.
لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وصورة شخصية بحجم كبير وجودة عالية وعنوان الموضوع على العنوان: alarab@alarab.co.il