الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 15 / نوفمبر 03:02

الأسير أحمد أبو جابر: نصفُ نصفِ القرنِ ونصفُ العمرِ

كل العرب
نُشر: 23/07/11 15:50,  حُتلن: 08:51

 أبرز ما جاء في المقال:

بالنسبة للإنسان الأسير فالآية معكوسة، في كل عام تطفأ شمعة تلو الأخرى تزيد حلكة زنزانته ظلمةً

الثورة التي تتخلى عن مناضليها وأسراها بعد استنفاذ فعاليتهم وصلاحيتهم ، حتما سيكون مآلها الاندثار والفناء

لم ولن أكتب إلى سجاني عن حرية الإنسان لأن الحرية والسجان ضدان لا يتآلفان، بل أكتب إلى نفسي وثانيا إلى أسرتي أهلي وأحبتي

ليس غريبا أن أكتب عن آلاف الشموع المحترقة على مذبح الحرية لشعب يعشق الحرية والحياة الكريمة، فيها لي نصيب أو بالأحرى لعُمري فيها حصة من الأحزان

كل عام يحتفل الإنسان الحر بإضاءة شمعة أخرى تعبيرا عن ولادة سنة جديدة تنير حياته على خط الزمن من عمره المأمول، أما بالنسبة للإنسان الأسير فالآية معكوسة

نصفُ نصفِ القرنِ ونصفُ العمرِ
هذا عمري
ما بين شمعة تُضاء وشمعةٍ تُطفأ
إطلالة من واقع حياة الأسر على معاني الحياة الحرة والكريمة
في كل عام يحتفل الإنسان الحر بإضاءة شمعة أخرى تعبيرا عن ولادة سنة جديدة تنير حياته على خط الزمن من عمره المأمول، أما بالنسبة للإنسان الأسير فالآية معكوسة ، ففي كل عام تطفأ شمعة تلو الأخرى لتزيد حلكة زنزانته ظلمةً ، وتُنتقص سنة إضافية من عمره المجهول، بين ذاك العمر المأمول وهذا العمر المجهول أضيئت آلاف الشموع وأطفئت آلاف أخرى لتعبر عن حياةِ وموتِ سِني العمر لثلاثمائةٍ وخمسين أسيرا فلسطينيا أمضوا ما بين عقدين وثلاثة عقود وما زالوا في السجون .

حصار للحرية وحرق سنين
أضاء كل منهم نصف شموع عمره حرا وأطفئت شموع نصف عمره الآخر أسيرا في أقبية التحقيق وزنازين العزل، بين الجدران الرطبة وخلف الأسوار والأسلاك الشائكة التي تحاصر الحرية، تسلب العمر وتئد الأرواح الحية، عنيت بهذه الفئة من الأسرى لأنها تعبر عن لسان حالي والعكس صحيح ، وهذا ليس انتقاصا ، معاذ الله ، أو تهميشا لبقية الأسرى ، بل لإعطاء نموذج حي وعينة معبره عن حقيقة دامغة وقاسيه عما يُحرق من سنين العمر لجموع الأسرى داخل هذه الباستيبلات الظالم أهلُها.

مواجهة قاسية ضد الوحدة
إذا ليس غريبا أن أكتب عن آلاف الشموع المحترقة هذه على مذبح الحرية لشعب يعشق الحرية والحياة الكريمة ، ففيها لي نصيب وافر، أو بالأحرى لعُمري فيها حصة من الأحزان .. طال العمر الزمني ، وطالت أعمار أعز الناس على قلبي زوجتي وأولادي وأهلي، في هذا اليوم 22/7/2011 أطفأت شمعة عمري الخامسة والعشرين، وهي توازي الشمعة الأخيرة التي أضأتها في ذكرى ميلادي الخامسة والعشرين قبل إعتقالي في تلك السنة التي ودعت فيها زوجة وابنة وولدين.
أم جولان الإنسانة والزوجة التي مهرت بشبابها وعمرها هذه السنين المريرة ، كانت وما زالت المثال الحي لأرقى وأسمى معاني الإخلاص والوفاء والعطاء الذي لا ينضب ، وشريكه عمر كاملة في هذا المشوار الصعب والمضني الذي طال ... تَحَمَّلَتْ وما زالت النصيب الأكبر من الجهد والعناء في مواجهة الحياة القاسية بمفردها كزوجه وكأم معا ، واليوم كجدة .

موجز عن السنين التي مضت
مايا ، الابنة البكر ، كانت تبلغ من العمر ست سنوات أصبحت أما لطفلين : عراب وميسره . جولان كان يبلغ من العمر خمس سنوات ، أيضا أصبح اليوم أبا لثلاثة أطفال : رايقه أريام وأحمد الصغير، سامر ، آخر العنقود كان عمره ثلاثة شهور فقط . أصبح اليوم شابا عمره من عمر الاعتقال أنهى دراسته الأكاديمية مؤخرا ليبدأ مشوار حياته وبناء مستقبله لوحده .
هذه نبذة موجزة عن حالتي الخاصة ، لكنها ليست حالتي وحدي، إنما حالة خاصة تكتسب مزايا صارت خصوصيتها من فئة مميزة وخاصة تعرف باسم "الأسرى القدامى".

حياة الإنسان قيمة سامية
بالطبع لم ولن أكتب إلى سجاني عن حرية الإنسان لان الحرية والسجان ضدان لا يتآلفان ، بل أكتب إلى نفسي وثانيا إلى أسرتي أهلي وأحبتي ، وثالثا إلى أبناء شعبي وقادته لن أكتب عن معاناة الأسير وآلامه ، ولا عن مرارة الفراق والبعاد عن الأهل والأحبة ، ولن أكتب عن الشوق والحنين الذي يختلج في الصدر وينهش الأفئدة ، لن أجتر أحزاني ... سأكتب عن الأمل والطموح الذي ينقد في الفكر ويعتلج في القلوب لأناس عشقوا الموت من أجل الحياة . سأكتب لرصد حياتهم التي تحتضر ولتبيان أعمارهم التي تذوي بعدما غدت في أحضان النسيان قبل أن تحط رحالها في أحضان الكهولة .

الحياة الحرة والكريمة
لقد خلق الإنسان في أحسن تقويم ، أي أحسن صوره وأرقى أشكال المخلوقات وأسماها منزلة ، وعليه فهو يستحق أن يحظى بأرقى أشكال الحياة . إلا وهي الحياة الحرة والكريمة في أمن وسكينه، فمن لا يحب الإنسان لكونه إنسان ، فهو ليس بإنسان .. ومن لا يقدر حياة الإنسان كقيمة سامية ومقدسه لا يعادلها سوى حياة الإنسان نفسه ، فهو لا يستحق هذه الحياة . هذه هي الحياة التي ناضلنا من أجلها ، وهذه هي القيمة ألإنسانيه كغاية بحد ذاتها التي آثرنا الموت على العيش في سبيلها . هي الحياة والقيم التي حظيت منا بواجب الاستحقاق ، والتي نؤمن أننا نستحقها كأفراد وكجماعات وكشعب واحد، لكن للأسف ، وكما تقول العبارة :" من شدة التشوق والفرحة بالمولود الجديد سكبنا / رمينا بالمولود مع المشيمة ." .. هكذا في زحمة الأوهام بالمولود الجديد " الكيان السياسي " ، والاختلاف على تسميته " بابن عتبه أو أبو عتاب " ، وتلبيسه " جلبابا  وعمامة أم بنطال جينز وتي شيرت " . في معمان " الحركة " نسينا الحقيقة ، والحقيقة هي أن ا لإنسان ، وليس البنيان ولا الحجارة والرمال وبالطبع ليس الكراسي والمناصب والألقاب.

ثورة مطافها رماد أسود
نسينا الإنسان المواطن الذي عانى الأمَرَّيْنِ فقرا وجوعا ، ورزحا تحت نير الاحتلال وخاصة ذالك الإنسان الذي ناضل من أجل الحياة الحرة والكريمة وما زال يدفع ضريبة الواجب المقدس هذه، أقولها بمرارة وغصة في الحلق ، أن زحمة القيادة جعلت من القضية قواده ، قواده على نفسها فكل من يقدم طلقه أو دولارا ينهش لحمها يهتك عرضها ويستبيح حرمتها ، والطامة الكبرى بأياد فلسطينيه، باسم امتلاك الحقيقة استنادا إلى أيديولوجيا أو عقيدة ، أو بناء على أجنده أو برنامج يعبر عن صواب رؤية أو نظرة واقعيه لهذه الفئة أو تلك ، حُرِّمَ ما هو حلال وحُلِّلَ ما هو حرام ... حلل الاتهام بالخيانة أو الاتهام بالأيادي المأجورة . كممت الأفواه وأستبيح الدم الواحد ووئد الحلم المشترك في مهده، والحال هذه ، فقضية الأسرى هي جزء من هذه المأساة الكبرى وقد تحولت إلى بورصه تستهلك ذاتها ، رأس مالها أوراق نقدية سارية المفعول الآني والمحلي ، أما عمادها /رصيدها آلاف مألفه من السنين المحترقة من أعمار الأسرى أنفسهم .
إن الثورة التي تأكل أبناءها مثلها كمثل النار التي تبيد ذاتها ، فمطافها الأخير رماد أسود . والثورة التي تتخلى عن مناضليها وأسراها بعد استنفاذ فعاليتهم وصلاحيتهم ، حتما سيكون مآلها الاندثار والفناء .

المواطن الفلسطيني مقابل موته البطيء
هكذا أصبحت الحالة العامة للإنسان ، المواطن الفلسطيني تمثل ظاهرة الاحتراق الذاتي ، والحالة الخاصة للأسرى تمثل بالطبع ظاهرة استنفاذ الفعالية والصلاحية، في هذا المضمار كيف نعطي لحياة الإنسان المواطن والأسير معانيها وقيمتها ، وهناك البعض من أبناء جلدتنا ، شعبنا وأمتنا ، من يقدح في ساق أخيه بدل أن يصدقه القول والفعل ، والبعض الآخر يفت في ساعد وعضد أخيه بدلا من شد أزره والأخذ بيده .
أذا ما بالنا في نظرة أعداءنا لنا ، لحياتنا ولقيمنا إذا كنا نحن لا نوليها جل اهتمامنا ، وجعلها غايتنا ألمقدسه كشعب وكقادة ، وليس فقط كفئه من الأسرى قدموا أرواحهم وأعمارهم مهرا لها، حياة الأسير تعني اللاحياة ، موت بطيء دون هدف وبلا غاية ، وما هي إلا لحظات من الأمل لغدٍ واعدٍ بالحرية ، تشحن هذه الأجساد التي أبلتها عفونة السجون ودرستها دواليب السنون الطويلة، أما الحياة الحرة والكريمة فهي الأمل والطموح ، هي حلم شعب طال انتظاره .

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر.
لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il 

مقالات متعلقة