الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 16:02

مسرح الفرينج وخيوط النور بقلم: نايف خوري

كل العرب
نُشر: 07/11/11 08:52,  حُتلن: 08:56

نايف خوري:

التزام الشاعر قسيس بقضاياه نابع من مواكبة ومتابعة لقضايا مجتمعه، ويظهر حرصه على تربية الإنسان وتقويم دربه وتحسين مسلكه منذ الطفولة

اللغة الشعرية التي يستخدمها الدكتور نزيه قسيس في قصائده المحكية لا تدع مجالا للشك أو التفسير أو الشرح في معانيها أو مضامينها إنها مباشرة صريحة دقيقة وواضحة


قدم مسرح الفرينج في الناصرة مسرحية جديدة بعنوان "خيوط النور" وهي من إعداد وتلحين وإخراج نبيل عازر، عن قصائد للشاعر نزيه قسيس. و"الفرينج" كما يحدده أهله في الناصرة هو "مسرح الهامش" وكأنه مسرح غير عادي، وهو فعلا كذلك، لأنه جزء من المسرح التجريبي في العالم. وأطلق عليه الاسم لكي يتلافى قضية الالتزام بنوع أو نهج معين.. ولذا يسمح له بتقديم أعمال مسرحية من مختلف المدارس والمذاهب والأساليب. وهكذا أخذ فرينج الناصرة يقدم الأعمال التي تثير الجدل، وتطالب الجمهور باتخاذ المواقف، وتدعو إلى نبذ ما يهين الإنسان والابتعاد عما يحط من قيمته. وتأتي أعماله التي بدأها قبل بضع سنوات على أشكال متنوعة، وتعالج القضايا التي تستدعي الجمهور إلى المسرح وتدعوه ليستمتع بمشاهدة صوره وأعماله، وكأنه مرآة تعكس ما يفعله هذا الجمهور. ويتناول فرينج الناصرة هذه المرة أعمالا شعرية للشاعر المبدع الدكتور نزيه قسيس، وتناولها المسرحي والموسيقي نبيل عازر ليقولبها على شكل مشاهد ممتعة ومواقف جذابة ولافتة.

الشاعر الدكتور نزيه قسيس
إن اللغة الشعرية التي يستخدمها الدكتور نزيه قسيس في قصائده المحكية لا تدع مجالا للشك أو التفسير أو الشرح في معانيها، أو مضامينها. إنها مباشرة، صريحة، دقيقة وواضحة. لا يقبل أن ينكسر وزن أو ينقص حرف أو أن يدخل الأدوات والحروف المساعدة ليستقيم الوزن، بل يجعل كلماته في موضعها المحدد، وتحمل مقاصده البليغة، فلا ركاكة ولا تكلف ولا تصنع.. بل يثبت لنا أنه من الشعراء الذين أبدعوا في مجالهم.. نظرًا لبلاغة معانيه. ولا غرو في أن يعالج الشاعر قسيس القضايا النابعة من تهجيره ولجوئه إلى قرية الرامة، ومعاملة السلطات لجميع اللاجئين في أوطانهم أمثاله. ويأخذ على محمل الجد قضايا الإنسان المظلوم، المقموع، المضطهد الذي يحاول أن يشق طريقه بعرق جبينه، والعصامي الذي لا يكل ولا يلين أمام المتاعب والنوائب، يضع هدفًا نصب عينيه ويسعى لتحقيقه، فبلغ مبلغًا من الشهرة والمكانة الرفيعة تجعله يتبوأ مراتب الاحترام والتقدير في أوساط العائلة الصغيرة والبلدة القريبة والمجتمع الواسع.
إن التزام الشاعر قسيس بقضاياه نابع من مواكبة ومتابعة لقضايا مجتمعه، ويظهر حرصه على تربية الإنسان وتقويم دربه وتحسين مسلكه منذ الطفولة. إن منشأ هذا الشاعر ونظرته إلى واقع الأمور، تدعونا لنتعظ من تجارب الماضي وأحداث الحاضر والتطلع إلى المستقبل الذي لا بد آت. فهو يعالج الواقع الثقافي والاجتماعي، إلى جانب إبراز قضايا المرأة، فهو نصير للمرأة، ومناصر لقضاياها، ولا يدع مجالاً للمس بحقوقها أو إنقاص مكانتها في كافة مرافق الحياة. هذا عدا عن مطالبته المستمرة بتغيير وجهة نظر المجتمع لمسألة ولادة طفل أو طفلة في العائلة، وضرورة الحياة المشتركة على حدٍ سواء بين الرجل والمرأة.
القضايا التي يعرضها الشاعر قسيس متعددة ومتنوعة، وهذا ما أتاح للمخرج نبيل عازر أن يقدم المشاهد المختلفة والكفيلة بجذب الجمهور ولفت انتباهه. فتمازج الشعر والتمثيل والموسيقى والغناء، أو الأداء الصوتي للممثلين، وتناسقت كلها على الخشبة.

التمثيل:
استطاع الممثلون نضال بدارنة، رشا جهشان، وسيم خير، هبة بطحيش، حسن طه، سحر داموني، رلى عازر وخالد ماير أداء الأدوار التي تم ترسيمها مع المخرج نبيل عازر، ولكن هبة بطحيش برزت بصوتها المميز وجمال أدائها من خلال الأغاني التي قدمتها من هذا الشعر الجميل للشاعر قسيس. ولكن سائر الممثلين نجحوا بتقديم المشاهد الجذابة والتي بنيت على هذه القصائد. وركّب وسيم خير شخصية المتقصي والمخابراتي الذي يحشر أنفه ويريد معرفة كل صغيرة وكبيرة. ولا يقتصر تركيب مثل هذه الشخصية على وسيم بل شمل كافة الممثلين والممثلات الذين أدوا مشاهدهم التمثيلية وحركاتهم الراقصة وأغانيهم ببراعة وإتقان. ومن طبيعة العمل المسرحي الاستعراضي أن يقوم الممثلون بكافة متطلبات الاستعراض، من رقص وحركة وغناء. وانسجم ذلك مع الملابس والموسيقى والديكور، وهنا لا بد من وقفة عند هذا الديكور الذي حاولت مصممته نردين سروجي أن تعبر عنه، فقد وضعت الأبواب والنوافذ على جدران من المكعبات، والتي اتصلت كلها وكأنها حبات في مسبحة، أو حجارة تكاد ترتبط في ما بينها بخيط رفيع. فهذا هو المجتمع الذي تربطه أواصر علاقات واهية، وعلى وشك الانهيار وسيؤول إلى السقوط. إنه المجتمع الذي ينتقده الشاعر ويرفض معاملته في تربية النشء الجديد.

الإخراج:
 مرة أخرى يتناول المخرج نبيل عازر عملا شعريًا ليعرضه على المسرح، لقد خاض هذه التجربة في مغناة "أذكر" للشاعر المرحوم شكيب جهشان، وأعمالا شعرية أخرى. والآن يتناول جملة قصائد ومجموعة شعرية، فيقولبها ويصوغها ويمسرحها. وكنت قد تحدثت في مقالة سابقة عن نبيل الدراماتورغ، والموسيقي، والمخرج، ولكني الآن أتحدث عن نبيل بأسلوبه الفني الذي يميل إلى النزعة الرومانسية. ربما هذا هو الطابع الذي يميز الذين يتناولون الشعر في أعمالهم. فكيف يمكن للمخرج أن يعرض شعرًا، ونصًا عاديًا، إلى جانب الغناء والرقص، بطريقة المدرسة الواقعية أو الفكرية أو الذهنية؟ ولذا جاءت المدرسة الرومانسية، التي تتسم بالعواطف الجياشة والأنماط الفنية، لكي يقدم المبدعون فنهم بواسطتها، ويعرضوا للجمهور أعمالهم. وقد اتبع المسرحيون العرب من قبل هذه الطريقة في عروضهم ابتداءً من المرحوم يوسف وهبي وحتى الرحابنة وروميو لحود وغيرهم. ولا بد لمن يعرف نبيل عن كثب أن يلاحظ أسلوبه الشعري والرومانسي في الحديث العادي واليومي، وسلوكه الهادئ وأعماله التي تتصف بالمودة والتحبب. ولكن أفكاره الصاخبة يجب أن تجد لها متنفسًا في هذا الإطار الفني أو ذاك، ولذا تأتي أعماله مفعمة بالعواطف والمشاعر التي يعتمد عليها في مواجهة الجمهور.

النظرة السلبية
لا أجد في نبيل علة تستوجب النظرة السلبية، ولكني ألاحظ بأنه يرغب بمحبة الجمهور له، ويطالب الممثلين بعرض ودي مع الجمهور، حتى لو كان العمل نقدًا، أو شجبًا. وتنفرج أساريره ويفرج همه عندما يصفق الجمهور لعمله الإخراجي، ليس إعجابًا فحسب، بل تعاطفًا وتقاربًا وتودد. وأنا صفقت له وللمثلين وللشاعر نزيه قسيس أيضًا.

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة