الدكتورة نهاية داوود شدّدت على أهمية الانتقال إلى منهجيات بحثية تشاركية وتفاعلية وأبحاث نوعية
البروفيسور إيلانا شوهام فاردي رئيسة المؤتمر أشارت إلى إشكالية التركّز في مصبّات الظواهر عوضًا من معالجة منابعها
البروفيسور كارليس مونتانير:
على حكومة إسرائيل إجراء تغييرات جذرية في سياساتها الصحية، خاصةً تجاه الأقلية العربية والفئات المهمّشة والمستضعفة الأخرى في المجتمع في إسرائيل
عُقد في جامعة بئر السبع يوم الثلاثاء (3 كانون الثاني 2011) مؤتمر حول تطوير الصحة في أوساط مجموعة الأقلية والمجموعات المهمّشة تحت عنوان "استخدام ترجمة المعرفة للتأثير في السياسات".
وشارك في المؤتمر البروفيسور كارليس مونتانير، الأستاذ في جامعة تورتنو الكندية، والمختص في مجال الصحة الجماهيرية في منظمة الصحة العالمية، بمحاضرة أشار فيها إلى العلاقة الوثيقة بين السياسات الحكومية والفجوات الصحية في عشرات الدول. وقال إن تحليل المعطيات على مدار نصف قرن ونيّف يثبت الفرضية القائلة بأنّ الدول التي تنتهج سياسات اشتراكية وتعتمد مبادئ العدالة التوزيعية والتصحيحية (ككوبا وفنزويلا وبوليفيا وإلى حد ما تشيلي) تنجح أكثر في سدّ الفجوات وتحسين المؤشرات الصحية من الدول التي تنتهج سياسات رأسمالية أو نيولبرالية أو حتى سياسات الضمان الاجتماعي (كالولايات المتحدة واليابان والدول الأوروبية). حيث تخفق تلك الأخيرة في إحراز تغييرات تذكر على محور الزمن.
وأضاف البروفيسور مونتانير أنّ على حكومة إسرائيل إجراء تغييرات جذرية في سياساتها الصحية، خاصةً تجاه الأقلية العربية والفئات المهمّشة والمستضعفة الأخرى في المجتمع في إسرائيل.
ترجمة المعرفة
وقدّمت البروفيسور باتريسيا أوكومبو، الأستاذة في جامعة تورتنو وإحدى أبرز الخبراء عالميًا في مجال علم الوبائيات الاجتماعي، محاضرةً حول دور المعرفة العلمية والأبحاث في التغيير، أو ما يُعرف بـ"ترجمة المعرفة"، عرضت خلالها مجموعة كبيرة ومتنوّعة من المعطيات التي تظهر أنّ تأثير اللامساواة في حالة المجموعات القومية أو الإثنية المهمّشة على الوضع الصحي أكبر من تأثير مستوى الدخل، وأنّه بالتالي لا يمكن قراءة الوضع الصحي للفرد مجرّدًا من سياقه السياسي والاقتصادي-الاجتماعي والثقافي، أي أوضاع السكن والعمل والتعليم. وضربت مثالا لدحض المنهجية الفردانية في البحث العلمي، هو أنّ العلاقة بين مستوى التكافل في المجتمع ("الرأسمال الاجتماعي") وانتشار الأمراض النفسية تكون عكسية لدى الطبقات المستضعفة، بينما تكون طردية لدى الطبقات الأكثر اقتدارًا.
ومما أوصت به البروفيسور أوكومبو - وهي سليلة عائلة من أهل البلاد الأصليين في كندا - ضرورة انتقال البحوث العلمية من توجّه التمحور في الظواهر والمشاكل الصحية إلى توجّه التمحور في مسبِّباتها وبواطنها، ومن المنهجيات الفردانية إلى منهجيات واعية للسياق، ومن التركيز على العلاجي إلى التركيز على السياسي، وبالأساس الانتقال إلى بحوث حول الحلول، وذلك أيضًا من خلال التعاون مع الجهات التنفيذية وإكساب الباحثين الأكاديميين المعرفة المهنية في حقل السياسات العملية أيضًا، مؤكدة أنّ التغيير العميق والجذري يستغرق سنوات طويلة وهو ما يتطلب أيضًا تغيير سياسات تمويل الأبحاث.
حالة الأقلية العربية
وقّدمت الدكتورة نهاية داوود، المحاضرة في كلية علوم الصحة في جامعة بئر السبع والمختصّة في الصحة الجماهيرية، مداخلةً طرحت فيها نموذجًا لتبني منهجية "ترجمة المعرفة" في حالة مجموعة الأقلية، والأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل على وجه التخصيص. ومما أشارت إليه ضرورة الوعي للانحياز الثقافي للمعرفة العلمية الغربية، والوعي للسياق السياسي والاجتماعي الذي بدوره يولّد فروقًا بين مجموعة الأقلية ومجموعات مستضعفة ومهمّشة أخرى في نفس المجتمع، بما في ذلك معيقات ذات خاصّية تستوجب تدخلات ذات خاصّية. وشدّدت د. داوود على أهمية الانتقال إلى منهجيات بحثية تشاركية وتفاعلية وأبحاث نوعية.
وتطرّق عميد كلية علوم الصحة البروفيسور غابي شرايبر في كلمته إلى البرنامج الخاص لدمج الطلاب العرب من النقب في دراسة المواضيع الطبية، والذي يقوم عليه البروفيسور رياض اغبارية مدير مدرسة الصيدلة في جامعة بئر السبع، حيث يستوعب البرنامج سنويًا خمسين طالبًا معظمهم من الإناث منذ نحو عشرة أعوام.
النقب نموذجًا..
أما البروفيسور إيلانا شوهام فاردي، رئيسة المؤتمر، فأشارت في كلمتها إلى إشكالية التركّز في مصبّات الظواهر عوضًا من معالجة منابعها، لافتةً إلى ارتطامها شخصيًا، في معرض تعاطيها مع الوضع الصحي للأهل في النقب، بأسئلة سياسية واجتماعية وثقافية في جوهرها، كملكية الأرض والاعتراف بالقرى والبنى العائلية والاجتماعية. وتساءلت: "إذا كانت العائلة تعرف أن البيت الذي يأويها عُرضة للهدم، فكيف لها أن تستثمر في خلق بيئة آمنة لأطفالها؟!".
هذا، وشارك في المؤتمر 15 باحثة وباحثة قدّموا مداخلات وملخصات أبحاث حول مواضيع متعدّدة من بينها: الحقوق الصحية لمهاجري العمل في إسرائيل وألمانيا، والتغذية السليمة بين أطفال يهود من عائلات ميسورة، والوعي الصحي بين نساء عربيات غير عاملات، والمؤثرات الثقافية في حالة المهاجرين من أثيوبيا.