** فَراشة وزنزانة * *
" إليها – الفراشة - أينما كانت وأينما حَلّت أُهدي هذا الهاجس السجين في زنزانة صَدري "
* قال قائلٌ : رغمَ جمال الفراشة .. لكنها إذا كانت غير قادرة على التحليق تبقى فقط فراشة جميلة .. نعم ، فقط جميلة ،، لا أكثر ولا أقل .
* أجابهُ آخر مُتسائلاَ : ألا يَكفي الفراشَة أن تكون جَميلة .
* فعلّقً أحدهم : هكذا هي ، لا تُمَثلُ شَيئاً أكثر منَ الجمال .. هُناكَ شيء أسمى من ذلك والفراشة قادرَة أن تُعبّر عَنهُ ، فَلا نَفعٌ لهذا بِدونِ ذاكَ .
* وأضافَ آخر : لَيسَت قادرة فقط .. بَل لا بُدّ لها أن تُعبّر عن هذا المعنى ،، أن تجسّدهُ حتى لا يَفقد المعنى جمالهُ ولا يتخلى الجمالُ عن معناهُ ..
* علا صوتٌ من بَعيد : بربّكُم ما هذا اللّغز المُحَيّر .. وما هو هذا الشيء والمعنى الآخر .. كفاكم ظُلماً للفراشةِ رَمز الجمال والشفافية ومحبة الأطفال لها تكفيها .
* أجابهُ الأول : الفراشة رائعةُ الجمال لكنها بدون التحليق والدوران في فضاءِ المكانِ تكونُ غير قادرة على فِعلِ ما هو أبعَد من ذاتها ،، حينها هي لا تُضيء .. وهذا الضوء هو صاحِب المعنى إنَّهُ شعار الحُرّية .
* عادَ الصَوت يَسألُ : ماذا تَعني يا فيلَسوف زمانَك .
* أجابهُ " الفيلَسوف " : الجمال الحقيقي للفراشةِ هو تَناسُق الشَكل مع الجَوهر ،،، روعة المظهر قوة العبرة نبالَةُ المعنى وسُمو الهدَف ،، الجمال الخارجي لوحدهُ لا يَكفي يا صاحبي .. وليسَ عاملاً حاسِماً لكن جمال الجوهر هو صاحب القَولِ الفَصلِ ، وهو الأجمل والأروع والأسمى عندما يتكامل ويلتَحم مع الجمال والشكل الخارجي .
*** إبتَسَمتُ وأنا أستَمع لِهذا الحوار ، مُتَوارياً مع فَراشتي بينَ أغصان الأشجارِ في بُستانِ الربيعِ القادمِ لا محالة ، وَصوتها يُدَندِنُ في أذنَييَ وَيُهَرِّبُني من حَرِّ زنزانةٍ مُعتِمَةٍفي رَبيعٍ آخر هُناكَ حَيثُ للمعنى مَعناً آخر .. وَقُلتُ لِنَفسي : " الحمدلله أنّ فراشتي جميلة ، وجميلة جداً جداً ، وهي تُحَلق أيضاً ، دائماً مُحلّقة في سماءِ عُيوني وهي تُنير الدربَ لي أينما كُنتُ وأينما كانَت ، في الليلِ والنهارِ نورها ساطع بالحياةِ والحُرّية والمَحَبّة عَبير جناحيها " .
*** نظرتُ الى البعيدِ .. خَلفَ الجُدران الإسمنتية والأسلاك الشائكة .. رغمَ عَتمَةِ زنزانَتي رَأيتُ هُناكَ في الأفقِ البعيدِ فَراشَتي تُحَلّق عالياً وتضيء دربَ الحُرّية أمامنا وَتَنتَظِرْ ..
أبو أسعد محمد كناعنة
زنزانة رقم صِفر ( 0 )
موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:alarab@alarab.co.il