سميح غنادري:
لن أتطرق إلى مئات الردود والتعقيبات الإيجابية
ومن يبتغ غير الحوار المتمدن نهجاً، فلن يُقبل منه وهو في الدنيا من المفترين
يتساءل البعض: لماذا نشرت مقالي الآن أليس هذا النشر توتيرا للقضية وللطائفية وزرعا للخلافات بعد أن هدأت واختفت؟
أنا إنسان أولا وعربي فلسطيني ثانيا ومواطن محروم من مواطنته المتساوية بعد أن اغتصبت الصهيونية الكولونيالية وطنه
لا أعتقد أن افتراءات البعض في ردودهم على مقالي تعود لعدم قراءة المكتوب ولنقص في فهم المقروء وإنما هي تعود لسبق الإصرار والترصد بالافتراء
أكتب المقالات منذ سنة 1976. لكن ما من مقالة لي حظيت بهذا النشر الواسع والانتشار شبه اللامحدود والتعليق الإيجابي بغالبيته، مثلما حظيت به مقالتي الأخيرة بعنوان: "ومن يبتغ غير الوحدة الوطنية نهجاً، فلن يُقبل منه وهو في الدنيا من المفسدين".
اتصالات ورسائل والتعبير عن القلق
عشرات مواقع الإنترنت والمنشورات ومئات صفحات التواصل الاجتماعي من "فيسبوك" وغيرها، في بلادنا والعالم العربي وفي الأمريكتين والدول الأوروبية، بادرت لنشر المقال (دون طلب مني). وفاضت كلها مجتمعة بآلاف التعليقات. ووصلتني شخصيا اتصالات ورسائل شخصية على هاتفي و/أو بريدي الإلكتروني بلغ عددها 183 اتصالا بعد أقل من أسبوع من نشري للمقال. وهي مستمرة، لكني كففت عن العد.
لا أعتبر هذا نجاحا للمقال ولكاتبه، بقدر ما أعتبره أولا وقبل كل شيء تعبيرا عن القلق الذي يعتري العرب أينما كانوا بخصوص وحدتهم القومية الوطنية ونبذهم للتفرقة الطائفية ولتسييس الدين وتجييره، بعد تحزيبه وتطييفه وتشويه معانيه. وذلك لخدمة مآرب رجعية ومتخلفة لحركات سياسية اغتصبته ونصّبت نفسها مالكا شخصيا له وناطقا باسمه.
التجاوب مع عشرات الطلبات
هذا هو موضوع مقالي. وهذا ما جعلني أتجاوب مع طلبات العشرات بأن أرد على بعض الملاحظات والتعقيبات لتوضيح الواضح في مقال "قتلتُ" القارئ بكبره وطوله... إذ لم أكتبه كمقال سيّار، بل كان أشبه بالبحث والدراسة التفصيلية والاسترسال والتوضيح، حتى أمنع أي التباس في الفهم.
لن أتطرق إلى مئات الردود والتعقيبات الإيجابية. ولا لتلك القليلة السلبية التي تمتهن الشتيمة وتقذف ما في أمعائها من حقد وقيء لا يربطه أي رابط بفحوى المقال الذي تعلّق عليه. ولن أرد على "مقال" أحمد الزعبي (من قادة الحركة الإسلامية) مهما طلبتم مني هذا وواصلتم الطلب. إذا قمت "بالرد" من خلال توزيعي لمقال أحمد على مئات العناوين الشخصية التي في حوزتي مع إضافة ملاحظة لي جاء فيها: "أرجو أن تقرأوا مقال أحمد الزعبي المرفق...". وها أنا أعمم، بمقالي هذا، الرجاء نفسه على المواقع وشبكات الفيسبوك. إذ أن أحسن رد على مقاله هو أن يقرأه أكبر عدد من الناس حتى تنفضح أكثر مواقف حركته.
افتراءات...
لا أعتقد أن افتراءات البعض في ردودهم على مقالي تعود لعدم قراءة المكتوب ولنقص في فهم المقروء، وإنما هي تعود لسبق الإصرار والترصد بالافتراء، والهروب من مناقشة المكتوب. ولرغبة في جرّ النقاش إلى زوايا مظلمة وشعبوية رعاعية تحت ستار الدين. هم يقوّلونك ما لم تقله ثم يتهجّمون على ما قوّلوك إياه. تكتب مثلا أن الناصرة تاريخيا وقـُدسيا هي مدينة المسيح ووالدته مريم، كما هي مكة مدينة الإسلام والدعوة المحمدية تاريخيا وقدسيا، فيردّون: "غنادري يريد طرد مسلمي الناصرة إلى مكة"! تكتب أن هنالك اتفاق توافقي منذ 12 عاما بخصوص ساحة المدينة، فبأي حق يجري اغتصابها وتحويلها إلى ساحة للتحريض ومكانا للشعارات الطائفية؟ فيردّون : "غنادري يثير مسألة شهاب الدين من جديد بهدف التوتير، والأرض وقفية ويجب بناء جامع هنالك". وهكذا... لن أواصل الإتيان بأمثله أخرى حفاظا على أعصابكم.
تهمني، لصالح القضية والموضوع المبحوث، توضيح وإضافة ما يلي، رداً على بعض التعليقات بحق المقال، والتي تستحق التطرق إليها أدناه...
من يسعّر الطائفية؟
* يتساءل البعض: لماذا نشرت مقالي الآن، أليس هذا النشر توتيرا للقضية وللطائفية وزرعا للخلافات بعد أن هدأت واختفت؟ أليس من الأفضل حل المسألة عن طريق إجراء اتصالات شفوية مع المسؤولين؟
الإجابة لهذا السؤال موجودة في مقالي السابق، وفي أكثر من موقع منه. أولا: اتصلت وهمست لأكثر من جهة، ومع مسؤولين في الحركة الإسلامية أولا، خلال كل السنوات الخمس الماضية. وما من شيء تحرك رغم الوعود. ولذلك، وكما كتبت في مقالي السابق: خرسكم أنطقنا. ثانيا: حدث تمادٍ وتصعيد في التوتير الطائفي والتكفير للآخر والمسّ بدينه. ولم يتطرق مقالي السابق إلى تلك الآية فقط، وإنما أيضا إلى شعارات وآيات أخرى يجري تعليقها واستبدالها شهراً بعد الآخر حتى اليوم. ووصل الأمر حدّ تعليق شعارات / آيات "تعايد" المسيحيين يوم الاحتفاء بعيد الميلاد الأخير، بالقول لهم إنكم كفار لأنكم تؤمنون بالثالوث. وبشعار يقول لهم "الناصرة إسلامية"، وأي دين هو الدين الأفضل، إلخ... ثالثا: الطائفية موجودة وفي تزايد، في العقول والقلوب والهمس داخل البيوت. وأهل الناصرة وجميع زوارها من العرب وكل السواح الذي يدخلونها يوميا يقرأون تلك الشعارات الباقية في مكانها والمتجددة. كل هذا يزرع الفرقة ويترك أثره على الناس وعلى أجيالنا الصاعدة. قبل عقدين كان من المعيب والمخجل في الناصرة أن تجاهر بالافتخار بدينك أمام الناس، أما الآن فأصبح من "الطبيعي" و "الشرعي" أن تتواقح وتتصافق بالطعن بدين الآخر، وأن تغتصب الحيز العام لقول ذلك.
الصمت و/أو الجبن في التصدي لطائفية الذات والآخر... هي صبّ للزيت على نار الطائفية. لكن البعض يقول لمن ينطق ويجرؤ على هذ، وبنـَفسٍ قومي وطني وحدوي لا ديني، بل ومن باب الدفاع عن الدين الإسلامي الحنيف، إنه يـُسعّر الطائفية (؟!). هل هذا هو الحوار؟ كلمة حوار إزاء هكذا "حوار" تحتاج إلى إضافة نقطة فوق حرف الحاء.
حال أمثال هؤلاء كحال الذي يقول لمن يتصدّى في حيّه لسارقين دخلوه، ويصرخ مستنجدا بالجميع أن هبّوا معاً لقطع دابر السرقة: "لماذا توتر الأجواء وتثير موضوع السرقة وتعمّمه؟ تصرفك تشجيع على السرقة"!
الانتماء الوطني أولاً
* للذين يتساءلون، أو يتهجّمون عن وبخصوص انتمائي الديني أو الحزبي، أجيب: أنا إنسان أولا، وعربي فلسطيني ثانيا، ومواطن محروم من مواطنته المتساوية بعد أن اغتصبت الصهيونية الكولونيالية وطنه. هذا هو المكوّن الأساسي لهويتي، لا انتمائي الديني. هذا مع الإقرار أن الأديان لعبت دوراً في مكونات هويتي. أما ديني المولود معي وإيماني أو علمانيتي وحتى كفري (كما يكتب العض عني) فمسألة تخصني ولا تعني أي أحد آخر. فما رأيكم أن تلبوا رجائي وتناقشوا جوهر المكتوب بدلاً من جر النقاش نحو التحريض الديني والطائفية؟
يتهجم البعض على مقالي معتبرا إياي "مسيحياً عنصريا معاديا للإسلام"، أو بتهمة كوني "مسلما مرتداً يريد النفاق للنصارى" أو بتهمة كوني "مسيحيا ينافق للإسلام ويشيد به". نعم، إلى هذا الحد يصل التناقض الصارخ في بعض الردود. جوابي لهؤلاء استمروا بتخبطكم بخصوص هويتي الدينية. فهذا يفضح حتى التعري اتهامكم لي بالطائفية. لكن اتفقوا أولا: هل أنا طائفي مسيحي أم طائفي مسلم، يا أمة "الكفر" بحق الإسلام والمسيحية. أو سجّلوني واعتبروني "مسليحي" وناقشوا فحوى المقال بدلاً من إسقاط طائفيتكم على الآخرين.
لقد أكثرت من الاستشهادات بآيات من القرآن في مقالي السابق – (الأمر الذي أطال المقال) – رغبة مني بتدوين آيات لا يستشهد بها الإسلام السياسي ولا يعلقها في الساحات العامة، إخفاءً منه لجوهر الإسلام. وكذلك من باب الرد على عنصريين بحق الإسلام، من أديان أخرى، يعتبرون الإسلام ما يتفوّه به المتأسلمون حزبيا. هذا هو الإسلام وهذه هي آياته – يا أمّة "الكفر" بقيَم الدين الحق، من هؤلاء وأولئك- هذا ما أردت تعميمه.
"لغوَصة"
أما من "يلغوص" بانتمائي الحزبي ويتهجم على الحزب الشيوعي أو حزب التجمع القومي من خلال التعقيب على مقالي، معتبرين إياي شيوعيا ملحدا أو قوميا يتبع بدعة القومية، فأقول: "لست عضوا منتميا ولا تابعا لهذا الحزب أو ذاك". فهاجموني شخصيا، إذ أني وحدي المسؤول عمّا أكتبه. فلا "كفر" الشيوعيين ولا "بدعة" القوميين موجّها أو معلّما لي. الموجّه والمعلم هو انتمائي لشعبي وحرقتي على وحدته الوطنية، ووجوب التصدي لعملاء وتجار الطائفية والتخلف والمس بالحقوق والقيم والأخلاق الإنسانية العامة التي تجعلنا بشرا وشعبا حضاريا.
وبعد، لقد آلمني بشكل خاص ردود يقول أصحابها: "نشكر الله أننا نعيش في إسرائيل. ووحدها إسرائيل تحمينا من الإسلام المتطرف والعنصري. ولذلك يجب أن نتجند في جيشها وندخل سلك الشرطة وننضم للخدمة الوطنية" (؟!).
منزلق لا وطني ولا أخلاقي
نعم، إلى هذا الحد أعلاه انزلق بعض العرب المسيحيين. ما زال هؤلاء قلة قليلة. وقد يكون بعضهم انحدر إلى هذا المنزلق اللاوطني واللاأخلاقي، والعنصري بحق الإسلام (وبحق الدروز في بعض قرى الشمال)، من باب رد الفعل على طائفية منفلتة لقوى إسلاموية سياسية تشوّه الإسلام ولا ترتدع ولا تجد من يردعها. أعلنها صرخة مدوّية أن ما من مبرر لهكذا انزلاق، ولا يجوز الرد على الطائفية بطائفية. ومع تأكيدي على أن دودنا من عودنا، إلا أن الحركة الصهيونية وحكومات إسرائيل المتتالية وأجهزة مخابراتها... إلخ، هي التي رعت ونمّت واعتمدت التفرقة وإذكاء الصراعات الطائفية والعائلية بين أبناء الشعب الواحد. وحين نتخاصم ونتعادى على أساس طائفي نهدم كياننا الوحدوي ونخدم الصهيونية ونسعّر الطائفية والطائفية المضادة، في الوقت نفسه. ولذلك، كنت قد نبهت في مقالي أن نشر تلك الشعارات الطائفية في ساحة عامة في الناصرة لا يمس بجوهر الإسلام فقط، بل يؤدي أيضا إلى تسعير طائفية مضادة .
لم أتطرق في مقالي هذا لردود الفعل الإيجابية بعشرات آلافها، على مقالي السابق. إذ يهمني أمر مبكياتي لا أمر مضحكاتي. شكرا للجميع. لقد عمقتم قناعتي وثقتي بأننا لسنا "أورطة" شعب، ولا اتحاد فدرالي لمجموعة طوائف. ولا ننقسم إلى أقلية وأغلبية مسلمة أو مسيحية أو درزية. إنما نحن غالبية عربية فلسطينية مطلقة، على اختلاف انتماءاتها الدينية والطائفية.
لا يحمي الوطن وأهله إلا الوحدة الوطنية القومية لأبنائه. ومن يتبع غير الوحدة الوطنية والحوار المتمدن نهجا وسلوكا، هو في الدنيا من المفسدين والمفترين.
[من الأفضل قراءة هذا المقال بالارتباط بمقالي السابق]
تنويه: عنوان مقالي السابق هو: "ومن يبتغ غير الوحدة الوطنية نهجا، فلن يقبل منه وهو في الدنيا من المفسدين". لكن قام موقع ما بنشره تحت عنوان آخر من قبله هو "غنادري: الآية القرآنية على ساحة شهاب الدين تعني أن الدين المسيحي باطل وعلى المسيحيين إجهار إسلامهم" (؟!). علماً أن كل جوهر مقالي مناقض لهذا العنوان الاستفزازي والتحريضي الذي يشوّه موقفي. وقامت مواقع هنا وفي العالم بنقل المقال عن ذاك الموقع بعنوانه الخاطئ. وظهرت تعليقات تهجمية بسبب ذاك العنوان الباطل. وكنت قد أخبرت القيمين على ذاك الموقع بذلك، حال نشرهم لمقالي، طالبا تغيير العنوان، لكن الموقع لم يغيره.... لذلك اقتضى الأمر هذا التنويه.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il