الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 29 / أبريل 17:02

نظرات في مجموعة ( تضاريس جسد) للدكتور محمد خليل – بقلم: محمود مرعي

كل العرب
نُشر: 29/02/12 16:20,  حُتلن: 16:21

محمود مرعي:

الكاتب ذو اطلاع ثقافي واسع، ظهر ذلك جليًّا في لغته السردية التي تنهل من معين العربية قديمها وحديثها

القصص واقعية حتى التي اتخذت من الرمز طريقًا لتصل إلينا، وما دامت واقعية فهي من واقعنا المعاصر الذي نحياه

أصدر الدكتور محمد خليل – طرعان - مع بداية العام مجموعة قصصية ، وهي مجموعة متميزة جدًّا، سواء في المضامين التي اشتملت عليها، واللغة التي كتبت بها، وثقافة الكاتب واطلاعه الواسع، الذي يظهر من خلال قراءة المجموعة، وقد تنقل الكاتب في قصص المجموعة بين الرمزية التي نلمح أثر كليلة ودمنة فيها، إلى الواقعية، وإن كانت جميع قصص المجموعة، حتى التي تتكئ على الرمزية - واقعية، بمعنى أنها تستند إلى قصص حقيقية، إلى اطلاعه على التراث العربي في جوانبه كافة، ويظهر ذلك جليًّا في التحوير للأمثال، أو التناص، سواء مع آي القران، والتناص والتحوير وردا بكثرة في المجموعة.

اطلاع ثقافي واسع
لا نضيف معلومة في قولنا إن الأديب ابن بيئته وعصره، ومرآة لهما، وهذا ما نراه في المجموعة، حيث يكتشف القارئ أن الكاتب مرآة لمجتمعه، وعينٌ عليه تراقبه وتسجل سلبياته وإيجابياته.
مما لمسته خلال قراءتي للمجموعة أنها قصص هادفة، انتهجت أسلوب النقد البناء الهادف إلى التقويم، من خلال تسليط الضوء على العيوب في المجتمع، ولم تأت ترفًا، أو من باب إضافة كتاب أو عنوان إلى مجموعة كتب الكاتب، الأمر الذي نلمسه بصورة واضحة، خاصة في أدبنا المحلي، إذ أن هناك من يصدرون الكتب، في شتى المجالات، ومن بينهم من لا يهمه سوى إضافة عنوان إلى ما لديه من عناوين موقعة باسمه.
قلت: إن الكاتب ذو اطلاع ثقافي واسع، ظهر ذلك جليًّا في لغته السردية التي تنهل من معين العربية قديمها وحديثها، وتمتح من بئر لا ينضب ماؤها مهما شربنا، بل كلما شربنا منها ازددنا ظمأ وقلنا هل من مزيد.

اختيار الكاتب عنوانًا رائعًا لقصته
ذكرت أن القصص واقعية حتى التي اتخذت من الرمز طريقًا لتصل إلينا، وما دامت واقعية فهي من واقعنا المعاصر الذي نحياه، والذي يجمع كل مناحي حياتنا، من السياسة إلى الاجتماعيات إلى التربية وإلى كافة شؤون حياتنا، وهنا أشير، إلى أنه من غير المستساغ القول (أدب سياسي)، أو ما شابه من تعريفات، لأننا في حياتنا العادية ننشغل بالسياسة وسواها، لذا أرى صواب التسمية "أدب الحياة" بمعنى أنه أدب من واقع الحياة، وفي الحياة نجد الكل مجتمعًا، ولو شئنا أن نجتهد فالأمر ميسور ويمكننا وضع عدة مسميات لمصطلحات تناسب المطلوب.
ميزة أخرى للمجموعة، وهي إضافة لكونها في باب النقد الهادف، فللخيال نصيب وافر فيها ويمكن رؤية المشاهد عبر مسرح الخيال، فقد تمر بفقرة ما في إحدى قصص المجموعة، وفجأة تكشف هذه الفقرة في ذاكرتك عن نص قرأته سابقًا، فتحس بالتناص معه، وكثيرًا ما يكون مفتاح فهم النص القصصي، جملة تعيدك إلى الماضي أو تذكرك بعنوان مر عليك فتنفتح مغاليق القصة ويظهر المعنى العام كله، وكمثال ما ورد في قصة (لا تقطف الأزهار) هذه القصة التي بطلتها فتاة، ولن نسرد القصة، لكن نتوقف عند ما ورد في نهايتها، حين وقفت البطلة أمام حشد لتعلن عن تشكيل ( لجنة مبادرة) ثم المظاهرة والشعارات، والتي منها ( ارفعوا أيديكم عن حديقتنا) و ( أنت القاطف ياشيخ لا تقطف الأزهار). هذا الشعار الأخير يعيدنا إلى عنوان رواية الأديب سلمان ناطور ، أمد الله في عمره، ( أنت القاتل يا شيخ) وهي رواية تحكي مأساة الشباب الدروز الذين فرض عليهم التجنيد الإجباري، وقد ورد قبله ( تشكيل لجنة مبادرة) وهناك لجنة المبادرة الدرزية ضد التجنيد، وبربط هذه الشعارات ببعضها ترفع القصة الحجاب عن نفسها لتقف على المعاني كلها، وتنسجم مع اختيار الكاتب عنوانًا رائعًا لقصته ( لا تقطف الأزهار).

الشاعر محمود مرعي - اللغة العربية سبقت الفنون المعاصرة
محمود مرعي


شمولية ثقافة الكاتب
أما قصة ( يوميات فأر) فبالإضافة إلى رمزيتها ومحاكاة أسلوب كليلة ودمنة، نجد فيها ميزة أخرى، وهي تحوير الأمثال والتناص القرآني بكثرة، بل وحتى الأمثال الشعبية المعاصرة، ( إن غاب القط العب يا فار) ( العين بصيرة واليد قصيرة) ( أزعر الذيل) ( بين الفاينة والفاينة) وهو تحوير للقول (بين الفينة والفينة) وقد حوَّر القول ليخدم ما يرمي إليه في النص، والفاينة في اللهجة العامية الدارجة هي الفاحشة، ومنها في الشتم ( يا ابن الفاينة) أو ( فلان عامل فاينة) وكلها أوصاف مستقبحة. ومن الأمثال القديمة التي ذكرها مع تحوير قليل فيها ( ( ومن يطل مفتاح أبيه ينتطق به)، وهو في الأصل مثل عربي قديم قائله الإمام علي – كرم الله وجهه- "من يطل أ...ر أبيه ينتطق به "، والمعنى، من كثر إخوته اشتد ظهره بهم.
ومن التناص القرآني قوله كمثال ( خائنة البصر والبصيرة) ( للتقرب إليها زلفى) (ولات حين مناص) (لا يلوون على شيء) (استرق سمع كبير الفئران)، وبالمناسبة يكثر التناص القرآني في المجموعة ككل، وليس في هذه القصة فقط، هذا الأمر إن دل على شيء، فإنما يدل على اتساع وشمولية ثقافة الكاتب.

أساليب المخابرات
في قصة (تجليات شجرة) نجد الغابة والماء والغزال، كما ورد لدى هاري بوتر من قبل، وكما ورد لدى محمود درويش. الغزال في روايات هاري بوتر، له بعد أسطوري، حيث يأتي إلى البطل ويتبعه البطل حتى يصل البركة ويجد السيف، ولا تعنينا التفصيلات، إنما فقط الغزال، والذي ربما يعني فكرة الخلاص، وفي الرواية يجد السيف – أي الحل – وفي حالة درويش سيكون معنى السيف الحل، أي باختصار المقاومة، لكن درويشًا لم يذكر ذلك وتوقف قبله " هنا كسر الغزال زجاج نافذتي لأتبعه إلى الوادي (فأين الآن أغنيتي؟)، لم يذكر أنه تبعه!! وهذا يثير سؤالاً ملحًّا، ماذا جرى بعد ذلك؟ لم يقل درويش إنه تبع الغزال إلى الوادي، بل قال إن الغزال كسر الزجاج ليتبعه إلى الوادي، ثم عاد للسؤال (فأين الآن أغنيتي؟)، وأسدل الستار على ما بعد ذلك، فهل تبع محمود الغزال إلى الوادي. الغزال – فكرة الخلاص – حضر وكسر الزجاج، لكن هل تبعه محمود ونزل إلى الوادي وأخذ السيف – الحل / المقاومة – أم لا؟ .
أما لدى كاتبنا فنجد ( أطل الفجر شاخصًا أمام ناظريه، في حين كانت الغزالة تتهادى أمامه بقرونها الذهبية) وهذا يحدث في الغابة حيث جدول الماء والأزهار والعصافير.
في قصة ( عربي جيد) التي تحكي عن رجل يبيع الأوقاف، بفعل الإغراء والتهديد من المخابرات، وقصة ( الزعيم الذي باع أمه) وهي قصة تدور في نفس المحاور، المخابرات والإغراء والإسقاط والخيانة، كنت أود لو أن الكاتب كشف عن أساليب المخابرات المختلفة أكثر، لأننا في القصتين نصطدم بنفس الأساليب تقريبًا.

رقاد في الليل
قصة (أيام الحصاد) وهي قصة احتلال البلاد من قبل بريطانيا وأيام الانتداب، تكاد تكون نسخة من قصص كثيرة في هذا الباب، وقد شاهدنا كثيرا من هذه القصص كمسلسلات تلفزيونية، وكل التفاصيل في القصة مرت وشاهدنا شبيهها من قبل، بدءًا من المختار والحصادين، ثم الخلية (الثوار) والمهمة التي تقوم بها في الليل - اغتيال المحتلين- ثم وقوف المختار في صفهم. هذه المشاهد كلها تكررت في المسلسلات التي عرضت وما زالت تعرض على الفضائيات، ربما الطرافة في خاتمتها حيث يظهر موقف المختار ووقوفه في صف الحصادين ومنهم ( الثوار) ويوضح النص ما يشير إلى تأييد المختار لمتابعتهم النهج، ( قبيل الظهر، وصل المختار إلى " مرج الذهب"، وبعد أن حيا أفراد المجموعة كمألوف عادته وعانقهم فردًا فردًا ناولهم زوادة فيها وجبة دسمة من كل ما لذ وطاب من غذاء وشراب، ثم أسر إليهم قائلا : في النهار حصاد وفي الليل رقاد! وكانت ضحكتهم تتعالى مدوية لتسمع من بعيد وهم يرددون معًا: في النهار حصاد وفي الليل رقاد) ولا رقاد في الليل، إنما غارة أخرى وقتل المحتل.
هذه إضاءات على بعض جوانب المجموعة، نكتفي بها حتى لا نرهق القارئ، ولنترك له أيضا حيزًا من القراءة المختلفة أو المتفقة مع قراءتنا، فالأذواق تتعدد ولكل قارئ عينه التي تريه معنى، ربما خفي عن غيره من القراء، وتعدد القراءات أمر يحسب للنص ومبدعه.
ختامًا: أبارك لزميلي الدكتور محمد هذه المجموعة مع دعائي له أن تلد ذاكرته مواليد أخر من هذا القبيل، فذاكرتنا الفلسطينية ما زالت حبلى بالكثير الكثير من المواليد.

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة