الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 27 / نوفمبر 14:02

تزويج الأطفال في سن المراهقة يؤدي الى تراجع مكانة المرأة - بقلم لينا أبو مخ

كل العرب
نُشر: 01/03/12 11:46,  حُتلن: 15:19

لينا أبو مخ زعبي في مقالها:

"الزواج المبكر" كان ولا يزال ضربا من ضروب الاكراه اضطرت المرأة الى تحمل وزره عبرالتاريخ

 ظاهرة "تزويج الاطفال" تعكس مشكلة من الدرجة الاولى تكرسها السلوكيات الاجتماعية والعرفية والتي ترى بالحيز الخاص (الزواج، صيانة البيت، ورعاية الزوج والاطفال) المكانة الطبيعية للمراة

ازمات جيل المراهقة واستعمال العائلة الزواج كحل لها وكذلك هروب الفتيات من الضغوط العائلية الى الزواج معتقدات لعدم نضوجهن انه السبيل للترفيه والحرية والحصول على حيز شخصي لا يحصلن عليه في البيت

اعتبرت المرأة في طور أول من تاريخها، أما في المقام الاول، اي تلك التي تملك قوة الانجاب وحفظ النوع البشري. وفي طور ثان، ارتسمت معالمها الاولى لدى بعض الحضارات القديمه (الفراعنه والرومان). وصارت المرأة او صار بامكانها ان تصير زوجة بملء معنى الكلمة. وصار الوفاء الزوجي مفروضا ايضا على الزوج. وأصبح الزواج الأحادي علامة تقدم فاصلة للانسانية. وفي العصر الحديث، وابتداء من عصر النهضة الأوروبية ، بزغ مفهوم المرأة الانسان. صحيح ان هذا المفهوم كان قد استلهمه الفلاسفة الاقدمون وبالاخص الرواقيون( الذين كان الفرد، وليس المجموع، وطرق اسعاده محور اهتمامهم)، واضفى صفة الانسانية على بعض الشراثع وحرك اول مطالب التعاطف مع المراة والعبد. ولكن تجديد هذه النزعة الانسانية هو الذي نفث الحياة في عصر النهضه، فسمي ايضا بعصر البعث رغم الانتكاسات. وحينها وعت المرأة قيمتها وامكانياتها بشكل أفضل وعملت بكد للنهوض بمصالحها وحقوقها لما فيه صلاح للمجتمع باكمله لتصل اوجها في القرن العشرين. وقد بات جليا، ان أول مراحل التنمية الحقيقية والمستديمة للمجتمع تمر حتما بالاعتراف بالمساواة في جميع المجالات بين النساء والرجال. ورغم التقدم الفعلي في مجال المساواة في الحقوق بين الجنسين، الا ان بعض القوانين ما زالت تستوجب القيام بعدة اصلاحات للاخذ بعين الاعتبار الوضعية الحقيقية للمرأة. مما يبرز ان القوانين لم تكن مصاحبة للمسؤوليات التي تقلدتها المرأة، والفضاءات الجديدة التي اقتحمتها. كذلك من الواجب التاكيد على ان لتطور العقليات والسلوك الاجتماعي التقليدي اهمية بالغة لا تقل اهمية عن الاصلاحات القانونية.

اتخاذ القرارات
"الزواج المبكر" كان ولا يزال ضربا من ضروب الاكراه، اضطرت المرأة الى تحمل وزره عبرالتاريخ. ولقد ارتات منظمات المجتمع المدني اعتماد مصطلح "تزويج الاطفال" عوضا عن "الزواج المبكر" المتداوَل لوصف المشكلة. فهو "تزويج" وليس "زواج"، لأنه يفتقد إلى عنصر الإرادة. فغالبا، يتم التأثير على الفتاة أو الفتى للقبول بفكرة الزواج من طرف ثالث بمختلف وسائل الإقناع . وحتى في حال اقتناع الفتاة أو الفتى، فمن الصعب التحدث عن إرادة، لفقدان القدرة على اتخاذ القرارات لعدم اكتمال البلوغ النّفسي والعاطفي والإجتماعي. من جهة أخرى نعتبره تزويجاً "لأطفال"، لأنَّ المواثيق الدّوليّة تعرّف الطّفل، بأنّه: كل من هو دون سن الثامنة عشرة. والمعطيات الاحصائية تبين ان المشكلة هي في الغالب مشكلة الفتيات وليس الفتيان ومن هنا نرى وجوب طرحها.

تزويج الاطفال
إن ظاهرة "تزويج الاطفال" تعكس مشكلة من الدرجة الاولى، تكرسها السلوكيات الاجتماعية والعرفية والتي ترى بالحيز الخاص (الزواج، صيانة البيت، ورعاية الزوج والاطفال) المكانة الطبيعية للمراة. فالدور الإنجابي هو الدور الرئيسي بالنسبة للغالبية العظمى من النساء في الدول النامية ، ويهيئ المجتمع البنت منذ الصغر لتقبل هذا الدور ويعدّها إعداداً يرسِّخ قناعتها بأنَّ الاهتمام بالأسرة والأطفال هو الدور المعوَّل عليه لاحترامها والاعتراف بها. ورغم الاعتراف بأهمية هذا الدور ومحوريته، إلاَّ أنّ الإعداد له في تلك المجتمعات لا يتم بالطريقة المناسبة؛ فالقيام بهذا الدور بالطريقة الصحيحة يتطلب قدراً كبيراً من التعلم والثقافة والتجربة والوعي والإطلاع الواسع على أمور الحياة. ولكن يتم التركيز فقط على الزواج وإمكانية الإنجاب وعدد الأبناء والبنات دون الاهتمام بالوسيلة لأداء هذه الأدوار بالصورة المثلى.
اضف الى ذلك، ازمات جيل المراهقة واستعمال العائلة الزواج كحل لها، وكذلك هروب الفتيات من الضغوط العائلية الى الزواج معتقدات ، لعدم نضوجهن، انه السبيل للترفيه والحرية والحصول على حيز شخصي لا يحصلن عليه في البيت. وهنا استذكر زواج السيدة دي هودوتو[1] الذي تقرر وعقد خلال خمسة ايام. وقد كتبت فيما بعد تقول: "لقد تزوجت كي أدخل المجتمع، كي اذهب الى الحفلات الراقصه، الى النزهة، الى الاوبرا والمسرح". وقد تكلم الكاتب الايطالي انطونيو ايفانو عام 1468 قائلا: "لا يجوز لجم النساء وابعادهن عن الملذات الشريفة..... الى حد حملهن على الاندهاش بكل ما يشاهدن، اسوة بسجناء طالت فترة حبسهم".


سن الزواج بين الدين والقانون- الحالة الاسرائيلية
من الناحية الدينية، يختلف سن الزواج بناءً على القوانين والأعراف الدينية لكلّ طائفة من الطوائف، فعلى سبيل المثال، طلب الإسلام توفّر البلوغ للطرفين دون أن يحدد سنا أدنى للزواج. أما فيما يخص الطوائف المسيحيّة، فيوجد هنالك تباين بين الطّوائف المسيحيّة المختلفة، من حيث تحديد السّن الأدنى للزواج، إلاّ أنَّ جميع الطوائف لم تحدِّد ما هو أقلّ من 15 عاماً للفتاة كسنّ أدنى.
رغم أن الطوائف حددت بشكل مختلف السن الأدنى للزواج، إلا أن القانون الإسرائيلي قد جاء وحدد سن الأهلية القانونية للزواج لكل المواطنين، دون أي إعتبار لإنتمائهم الديني. وفقاً لذلك فقد تحدد سن 17 عاماً كحدٍ أدنى لإبرام عقد الزواج، على أن لا يجري تزويج من هم دون ال-17 الا بإذن خاص من المحكمة. وكذلك حدّد القانون عقوبةالسّجن لمدة سنتين أو دفع غرامة بحقّ كلّ من الزوج، الماذون والوصي الذين ساهموا في خرق القانون. وهنالك إمكانية لحلّ عقد الزواج ولكن بشروط. وهنا تجدر الاشارة الى انه بحسب القانون، الفتاة التي اتمت السابعة عشر من عمرها هي "راشدة" كفاية لتتزوج ولكنها لا تعتبر كذلك، للتصرف باملاكها وتحتاج الى وصي بموجب قانون الأهلية القانونية والوصاية لعام 1962 ، والذي يحدد جيل الاهلية القانونية بثمانية عشر عاما.
ولكن جدوى التشريع، مهما كان متقدما، لا تبرز الا من خلال تجسيده وحسن تاويله من طرف القائمين على تطبيقه وكذلك من خلال فهمه وادراكه من طرف الموجه اليهم. وفي هذين تبرز المشكلة. فاحدى العقبات الرئيسية امام التخلص من مشكلة تزويج الأطفال تكمن في عدم تطبيق القانون في كثير من الحالات، لسهولة إخفاء هذه الزيجات باستعمال "العقد البرَّاني"، وهو زواج وفق الأعراف الدينية بعقد شفهي أو مكتوب، لا يسجَّل في السّجلاّت الرّسميّة إلى أن تبلغ الفتاة سن 17 عاماً.

استطلاع الرأي
وكذلك ففي الحالات النّادرة التي يصل الأمر فيها إلى القضاء، تُغْلَق غالبية الملفَّات، وهذا بحدّ ذاته يحدّ من وجود رادع لخرق القانون. ففي الفترة بين 1990-1995 قدمت للشرطة سبع شكاوى فقط ضد زيجات لطفلات، أغلِقَت من بينها خمسة، بينما أدين المتهمين في ملفين فقط. في العام 2004 لم يفتح أي ملف بهذا الصدد، في حين تم فتح ثلاثة ملفات في سنة 2003. زد على ذلك انّ تناقض قانون سن الزواج مع الشرائع الدينية يزيد من إشكالية تطبيقه أو تنفيذه في مجتمعنا. اما عن ضحايا المشكلة، ففي إستطلاع للراي اجرته لجنة العمل للمساواة في قضايا الأحوال الشّخصيّة سنة 2010، من خلال عيّنة بحثية شملت 970 فتاة وشاب بأجيال 15-18عاماً، انتمين إلى حوالي 14 قرية ومدينة عربية في كافة أنحاء البلاد ضمن أطر المدارس الثّانويّة تبين ان 77 % من الفتيات والشباب يجهلن وجود قانون يحدد سنّ الزّواج . ومن هنا تبرز الحاجه الى الخطاب الحقوقي التوعوي. فمن خلال المعرفة الضرورية للقوانين تستطيع المراة ليس فقط ادراك حقوقها بل وكذلك ممارستها.

إسقاطات تزويج الأطفال
تزويج الأطفال في سن المراهقة يساهم مساهمة كبيرة في استمرار تراجع مكانة المرأة، لما له من اسقاطات وتاثيرات خطيرة على مختلف الاصعدة. فالزواج المبكر يحد واحيانا يمنع الفتاة من اكمال تعليمها وهو سلاحها الاول للاستقلال والنضوج. اضف الى ذلك، التبعات الصحية الخطيرة التي يحملها الزواج المبكرعلى الفتيات وبالاخص نتيجة الحمل والانجاب في جيل مبكر منها عدم اكتمال الغدة المسؤولة عن الطول، زيادة خطر التعرض للاجهاض المتكرر وتسمم الحمل، عدم اكتمال نمو الحوض وبالتالي التعرض لمخاطر الولادة القيصرية، الترهل المبكر للجسم والهرم المبكر. بالاضافة الى الانعكاسات الصحية على الجنين والرضيع لام لم يكتمل نموها الجسدي والعاطفي والنفسي والاجتماعي بعد. كما وان تزويج الطفلات يزيد من احتمالات تعرضهن لحالات نفسية صعبة ناجمة عن ضغوط الحياة الزوجية والمسؤوليات الجمة التي تلقى على عاتقها دونما اعتبار لصغر سنها وقلة خبرتها وبالتالي الصعوبة في التعاطي مع الازمات.

عدم تطبيق القانون
ونظرا لابعاد المشكلة وحجمها[2] نرى وجوب العمل على الحد من هذه المشكلة والعمل على اجتثاث مسبباتها وذلك عن طريق التوعية لمسبباتها وابعادها، وبالمقابل العمل على المستوى السلطوي لبحث اسباب عدم تطبيق القانون وكذلك العمل على رفع سن الزواج القانوني لان في ذلك رسالة الى المجتمع مفادها ان تزويج الاطفال يعتبر مسا بحقوقهم. فالاسرة هي اللّْبْنة الاساسية لبناء المجتمع وهي النموذج الاصغر عنه، يصلح بصلاحها ويفسد بفسادها وبتحصيل الهدف نرقى بمجتمعنا نحو الافضل.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة