نواف زميرو:
أنا معاق وفخور بإعاقتي والشهرة لا تعنيني
منذ 10 سنوات وأنا اتطوع من أجل فئة ذوي الإعاقة
هنالك عوامل إجتماعية مثل الأفكار المسبقة التي تحز بالنفس وأشعر بأنها تمس بكياني
الفساد الإداري من المسؤولين وآفة العنف المستشرية في وسطنا العربي يبعث اليأس في نفوس الجميع وهذا ما يقض مضاجعي
الأشخاص الذين هم على علاقة بي يحترمونني ويقدرونني بكل ثقة واحترام والمشكلة تكمن في الأشخاص الذين لا يعرفونني ولم يحتكوا بي في السابق
أطمح بوجود مركز يوفر خدمات ترفيهية لأصحاب الإعاقات في المنطقة لأننا نرى الكثير من المعاقين يتجولون بشكل عشوائي في الشوارع دون أن يكون لديهم إطار يحميهم ويجمعهم
على الرغم من إعاقته الجسدية إلاً أنه ما زال يثابر ويتحدى كل الصعاب الاجتماعية والجسدية كي يصل الى أهدافه التي يصبو اليها، ولا يعرف معنى اليأس والاستسلام بل يواجه الواقع بكل قوة وعزيمة دون خوف أو تردد، ودون كلل أو ملل، حيث حقق الكثير من الانجازات التي يحتذى بها من أجل خدمة ذوي الإعاقة وأهاليهم. فوجئ قبل عدة أيام باتصال هاتفي من مكتب رئيس الدولة شمعون بيرس أبلغوه خلاله أنه حصل على وسام رئيس الدولة للتطوع لعام 2012..إنه الناشط الاجتماعي نواف زميرو من سكان مدينة قلنسوة.
نواف زميرو
فرصة لتشجيع أصحاب الإعاقة
بعد أن علم نواف زميرو أنه حاز على وسام رئيس للدولة للتطوع، ارتفعت معنوياته، وفرح كثيراً، ليس من أجل الجائزة، انما اعتبر أن ما حصل عليه هو فرصة لتشجيع أصحاب الإعاقة للبروز والعمل والانتاج وقهر الإعاقة.
انسان اجتماعي وصاحب كفاءات
من يجلس مع نواف زميرو لا يشعر أنه معاق، إذ معروف أنه إنسان إجتماعي وصاحب أفكار مهنية ومتزنة، ولديه كفاءات وقدرات عالية، وكل من يعرفه يرغب أن بتطوير علاقة صداقة معه لأجل الصفات السامية التي يحملها. موقع العرب وصحيفة كل العرب التقى الناشط زميرو في غرفته المتواضعة في منزله في قلنسوة، حيث تحدث عن نفسه وعن مشوار حياته حتى حصل على وسام رئيس الدولة للتطوع.
العرب: هل لك أن تحدثنا من هو نواف زميرو؟
زميرو: عمري 39 عاماً، أعزب، أعاني من إعاقة يطلق عليها اسم "ضمور العضلات"، اتنقل بواسطة الكرسي الكهربائي، وأعمل بوظيفة جزئية كمركز للخط الاستشاري في مركز سنديان- (بيت ايزي شابيرا) لعلاج الأطفال المعاقين في قلنسوة، وبقية ساعات أعمل بها متطوعاً.
العرب: كيف حصلت على وسام رئيس الدولة للتطوع لعام 2012، وهل توقعت ذلك؟
زميرو: بعض الزملاء قاموا بطرح اسمي في مكتب رئيس الدولة وقدموا تفاصيل وافية عني كي أكون من بين الأشخاص الذين يتم اختيارهم لوسام رئيس الدولة، وفي الحقيقة لم أتوقع أن أتلقى مكالمة هاتفية بأنني حصلت على هذا اللقب، بل اعتبرت الأمر غير ممكن، ولم يكن لي إهتمامات في هذا السياق، واعتقدت أنهم لن يختاروني، وعندما تلقيت مكالمة هاتفية من مكتب رئيس الدولة فوجئت أنهم يبلغونني بأنني حصلت على الوسام، ولم أصدق في الوهلة الأولى لدرجة أنني توقفت عن الكلام لبضع ثوانٍ حتى تأكدت أن الموضوع جدي وصحيح، وبعد وقت قصير لم أتمالك نفسي من الفرحة، فقمت بارسال رسائل الى جميع أصدقائي وزملائي عبر البريد الالكتروني أبلغتهم فيها عن الموضوع، وفي صباح اليوم الثاني توجهت الى العمل وفرحت من جديد عندما رأيت أن زملائي قد أعدوا لي حفلاً خاصاً بهذه المناسبة.
العرب: ماذا تعني لك هذه الجائزة؟
زميرو: اعتبرها تقييم معين لعملي الاجتماعي والتطوعي من أجل شريحة ذوي الإعاقة، وتلك الوسامات ليست الهدف الرئيسي في حياتي أو بهدف طلب الشهرة، إنما أبحث عن فرص لتسليط الضوء على قضية الإعاقة في الوسط العربي، وأنا أعمل من أجل إفادة وخدمة شريحة تحتاج الى الاهتمام والنضال لسد الفجوات والنواقص في الخدمات غير المتوفرة لديهم للأسف الشديد في الوسط العربي، لا سيما أن هذه الشريحة التي تعاني من إهمال السلطات على مر السنين وشح الميزانيات المخصصة لهم، والنقص في المراكز التأهيلية والمقرات الاجتماعية والجمعيات الخيرية التي لا تعد ولا تحصى في الوسط اليهودي لكنها معدومة في الوسط العربي، ناهيك عن الوضع الاقتصادي الذي يمر به الوسط العربي من حيث البطالة والفقر، الأمر الذي يضر بوضع المعاقين بشكل عام.
العرب: ما هي أبرز الصعوبات التي تواجهها في حياتك؟
زميرو: هنالك عوامل إجتماعية مثل الأفكار المسبقة التي تحز بالنفس وأشعر بأنها تمس بكياني، حيث أن هنالك نسبة معينة من أبناء المجتمع ما زالوا يعتقدون أن المعاق هو عبء ثقيل على أهله والمجتمع، وإنه غير منتج وغير فعال، ومثل هذه الأفكار السلبية والمغلوطة تمس مشاعري وتسبب لي حالة نفسية غير مريحة، وأريد أن أقول للجميع أنني معاق لكنني فخور بنفسي وبإعاقتي وأحمد الله على نعمه الكثيرة التي عوضني بها، فيكفيني محبة الآخرين والرضا بالنفس، ويكفيني أن أعمل وأنتج وأخدم مجتمعي.
كما وهنالك مشاكل تتعلق بقلة توفير الآليات المريحة للمعاقين في مداخل الأماكن العامة والخاصة، التي لا يمكنني الدخول اليها بسبب عدم وجود ممرات خاصة للمعاقين، وهذا يشير الى عدم الإعتراف بحقنا في مواصلة حياتنا مثل الآخرين. أما المشكلة الأخرى فهي بأننا لا نرى أن هناك مبادرات وحملات توعية رسمية لرفع الوعي إتجاه ذوي الإعاقة لتحسين ظروفهم وحتى لترفيههم في بعض الأحيان.
العرب: كيف ينظر اليك أبناء مجتمعك في ظل الظروف التي تعيشها؟
زميرو: الأشخاص الذين هم على علاقة بي يحترمونني ويقدرونني بكل ثقة واحترام، والمشكلة تكمن بالأشخاص الذين لا يعرفونني ولم يحتكوا بي في السابق، وينظرون الي بنظرة فاحصة ودقيقة وباستغراب، وفي بعض الأحيان أشعر بأنها نظرات تهين كرامتي وتشعرني بالنقص، لكن تجربتي في هذه الأمور وصلابتي تجعلاني أقوى من ذلك وتمكناني من مواجهة هذه الصعاب.
واجهت الكثير من المشاكل مع الجيل الصغير والأطفال ولا زلت أواجه ذلك، فهنالك من يخاف مني، وشريحة معينة يستهترون بي ويعتدون عليّ في بعض الأحيان، وبما أنهم أطفال فلا يمكنني أن أفعل أي شيء، وبسبب ما أواجهه مع الأطفال والآخرين قررت محاولة تغيير هذه الأفكار السلبية اتجاهي واتجاه ذوي الإعاقة الآخرين عن طريق تقديم محاضرات توعية وارشاد لتقبل المعاق داخل المجتمع حتى يتعرفوا علينا أكثر وأكثر، واليوم أرى أن قسماً كبيراً من الأطفال يتعلقون بي، وأصبحوا يدركون أن المعاق هو انسان ولديه كل الامكانيات للتطور والتقدم في الحياة.
العرب: كيف تقضي وقتك في مركز سنديان الذي تعمل به؟
زميرو: منذ 10 سنوات وأنا اتطوع من أجل فئة ذوي الإعاقة، من خلال برامج توعية وفعاليات ومحاضرات في الأطر الدراسية، كما ونشرت المقالات وكتاب خاص عن حياتي، في السنوات الأربع الأخيرة التحقت بالتطوع والعمل في مركز سنديان (بيت ايزي شابيرا) في قلنسوة كمركز لخط استشاري يقوم بتوفير جميع المعلومات والحقوق للعائلات التي لديها أبناء من ذوي الاعاقة، حيث أقضي معظم وقتي في مساعدة واسترداد وتوجيه العائلات لحقوقهم مثل كيفية كتابة المكاتيب الرسمية والاستئنافات وتوجيههم لمصادر الدعم والاعفاءات والامتيازات الخاصة وإعلامهم بكل ما هو جديد من حقوق وتخفيضات وغيرها.
العرب: قمت بتأليف كتاب جسر الأمل، كيف نبعت لديك هذه الفكرة وعن ماذا يتحدث هذا الكتاب؟
زميرو: كان الهدف الأسمى رفع الوعي المجتمعي اتجاه قضية ذوي الإعاقة من خلال حياة شاب معاق ليس بالتحديد نواف زميرو إنما يمثل حياة كل شاب عربي معاق، والكتاب احتوى على أحداث ومشاعر وآهات تعبر عن كل الصعاب التي تواجه قضية الإعاقة، والحمد لله اننا وفقنا في الكتاب حيث نفذت الكمية التي طبعت، والتي وصل عددها الى 1500 كتاب، وجميع الإرادات التي جمعت تبرعت بها لأطفال مركز سنديان في قلنسوة.
العرب: ما هو أكثر موقف مؤثر مرّ عليك ولا يمكنك نسيانه؟
زميرو: عندما حصلت على رخصة السياقة شعرت باستقلالية معينة والقدرة على التنقل السهل وفتح عندي مجال الانتاج والترفيه والعمل الاجتماعي بشكل أوسع خارج قلنسوة، وهذا بالنسبة لي أمر مؤثر جاء بعد سنوات من العناء والتعب.
العرب: لماذا لم تتزوج حتى الآن؟
زميرو: لم افكر في هذا الموضوع بشكل جدي ولم أخطو هذه الخطوة، لأجل إعاقتي الشديدة، ولا أريد أن أجعل هذه الصعوبة ثقلاً يشعر بها إنسان آخر.
العرب: ماذا يقلقك في الحياة؟
زميرو: الفساد الإداري وآفة العنف المستشرية في وسطنا العربي، مما يبعث اليأس في نفوس الجميع، وهذا ما يقض مضاجعي.
العرب: ماذا يخيفك؟
زميرو: أخاف من الوحدة والظلمة، وبما أن حياتي متعلقة بمساعدة الآخرين اعتدت أن يكون الجميع من حولي، وكلما أشعر بالوحدة وخاصة في ساعات الليل أشعر بنوع من الخوف وعدم الراحة، وانتظر سطوع الشمس حتى أتواجد مع عائلتي واصدقائي.
العرب: هل تؤمن بالقضاء والقدر؟
زميرو: بكل تأكيد، فأنا اؤمن أن الله عز وجل خلقني ووضعني في إمتحان لاختبار صبري وتحملي للمصاعب، وإن وجود معاق بين البشر هو رسالة للآخرين بأن الله قادر على كل شيء، كذلك اختبار للمجتمع وكيفية تعامله مع المعاقين.
العرب: هل لديك طموحات آخرى؟
زميرو: أطمح بوجود مركز يوفر خدمات ترفيهية للمعاقين في المنطقة لأننا نرى الكثير من أصحاب الإعاقة يتجولون بشكل عشوائي في الشوارع دون أن يكون لديهم إطار يحميهم ويجمعهم، وخاصة لأخواتنا ذوات الإعاقة اللواتي يعانين الأمرين بسبب انعزالهن عن المجتمع. ويجب الإشارة إلى أن المعاقين في الوسط العربي يعانون من الاهمال أولا لأنهم عرب وثانيا لكونهم من ذوي الاعاقة، الأمر الذي من الصعب تحمله.
العرب: هل انت انسان جريء؟
زميرو: ليس في كل الحالات جريء، هنالك مواقف معينة التي يظهر بها الحق والعدل، التي أكون فيها جريء، وأنا إنسان متفائل وصبور وغير متسرع في اتخاذ القرارات غير العاجلة.
العرب: كيف تقضي أوقات فراغك؟
زميرو: أوقات الفراغ لدي فقط في ساعات الليل، فإمّا أشغل نفسي في القراءة والكتابة أو مشاهدة البرامج الرياضية والتواصل مع الآخرين على شبكة الانترنت.
العرب: ماذا تعني لك مدينة قلنسوة؟
زميرو: أغلى مدينة على قلبي بناسها الطياب، فأجد فيها المحبة والتقدير وحسن المعاملة.
العرب: هل تتمنى لو انك ولدت انسانا غير معاق؟
زميرو: كل إنسان لديه حلم أن يكون معافى وسليما ليفعل ما يفعله الآخرون، لكن بما أنني في الواقع انسان مع عجز معين فأنا راض كل الرضا، وأعتقد أن الإعاقة اكسبتني مزايا وخصال كثيرة، التي لا أعتقد بأنني سأكتسبها لو كنت إنسانا معافى.
العرب: ما هي الكلمة الأخيرة التي ترغب في توجيهها؟
زميرو: أوجه كلمة الى العائلات التي يولد بها طفل معاق، وأقول لهم إن هذا الطفل هو أمانة في رقابكم، وهو نعمة كبيرة وكنز للحسنات من الله عز وجل، فاستثمروا كل جهودكم في توفير البيئة المريحة لتربيته، ووفروا له العلاجات المناسبة للتحسين من وضعه قدر الإمكان، كي يستطيع أن يعيش حياة أكثر سهولة واستقلالاً.
وفي النهاية أود أن أوجه شكري وتقديري لوالدتي وأفراد عائلتي الأعزاء، الذين لولا رعايتهم وحنانهم وحبهم لي لما وصلت الى ما وصلت اليه، وأشكر زملائي وزميلاتي في مركز سنديان في قلنسوة على مؤازرتهم ومساندتهم لي كل يوم في عطائي وخدمتي لذوي الإعاقة في المنطقة.