الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 29 / يونيو 03:01

قراءة سريعة في مستقبل الربيع العربي/ بقلم: كميل شحادة

كل العرب
نُشر: 19/07/12 12:50,  حُتلن: 16:44

كميل شحادة في مقاله:

مجرد نجاح التيار الاسلامي ديمقراطيا في الصعود للحكم هو أول وأهم دلالات التغيير في العقلية الاسلامية والعربية – في الحاضر - باتجاه العلمنة والتمدن والتقدم الامر الذي لم يحصل من قبل

في الحقيقة كان يجب على المفكرين العرب والاسلاميين من قراءة الواقع بصورة اكثر عقلانية واقل تعصبا للماضي وللتراث الذي لم يكن إسلامي بالمعنى الديني القرآني إلا نسبيا في فترات متقاطعة من حكم الرشيدين

بحكم مقومات الواقع الذي تهيمن عليه وتقوده مفاهيم غربية في العلم والثقافة والسياسة والاقتصاد والاجتماع الخ كان لا بد لأي ثورة وبغض النظر عن من جاء بها ديني او محض قومي أن يتحلحل ويتحرر من التقليد المضاد

هل نجاح التيار الاسلامي في الصعود لدفة الحكم في الدول التي عبرت فيها البلاد المرحلة السابقة (رسميا) هو لصالح العرب والمسلمين ولصالح التيار الاسلامي. بدءا سأحاول الإجابة على هذا السؤال باختصار من قراءة تقدمية للموضوع، أي بما يحمل من معان ودلالات تجاوز الاسلام لمفاهيمه التقليدية في الفهم والتعاطي التاريخي مع الواقع، من ذات المنطلقات العقدية التي لايمكن الا أن تكون قد تأثرت، كمبادئ تاريخية وسيكلوجية ووجدانية شعبية لصالح التغيير التقدمي سواء كان عفويا أو عن وعي وقصد وادراك – وسواء - من قبل الناهضين بالثورة والحاصدين لها.

التجديد والتغيير التقدمي
لقد كانت المحاولة من عهد جمال الدين الافغاني (المحافظ التقليدي) ثم محمد عبدة (الاصلاحي) وعبر عبد الرازق (التغييري) وصولا لمحمد خالد (الثوري) وسواهم طبعا من قبل ومن بعد، نفر معهم وخلفهم وامامهم من المغمورين المكبوتين، ومنهم الأميين، متطلعين للتجديد والتغيير التقدمي وقد جاءت الفرصة، ولكن اكثر وضوحا. القصد من كلمة " تقدمي" اي اكثر انفتاحا على العقل الاستقلالي واكثر تغليبا له في الفتاوى وفي الاحكام الدينية والدنيوية بغض الطرف عن المستوى العقلي، فالحديث هنا عن نزعة عقلية واقعية لنصل من ذلك الى استقلال تام بالعقل ولفصل قاطع بين الدين والدولة – كما حصل في اوروبا قبل ثلاثة قرون – بعد الثورتين الانجليزية والفرنسية.

نجاح التيار الاسلامي
إن مجرد نجاح التيار الاسلامي (ديمقراطيا) في الصعود للحكم هو أول وأهم دلالات التغيير في العقلية الاسلامية والعربية – في الحاضر - باتجاه العلمنة والتمدن والتقدم الامر الذي لم يحصل من قبل. ورغم الاختلاف (الظاهري) في طبيعة كل من الثورة الاروبية وثورة الربيع العربي، إذ أن الثورتين الانجليزية والفرنسية خصوصا الاخيرة، قامت في مواجهة الدين ورجاله ومفاهيمه اللاانسانية المتحجرة، بينما ثورة الربيع العربي التي شارك فيها الاسلاميون ولم يكونو مبادرين لم تقم ضد الدين ومفاهيمه طبعا، ولم تكن ثورة في مواجهة مفاهيم بل في مواجهة اوضاع سياسية ومعيشية متقادمة، فالذين قاموا بها ليسو مفكرين مهندسين بل هو هبوب شعبي تقوده إرادة التغيير والاحتجاج بدون تخطيط وبرمجة وقيادات فوقية.

مفاهيم غربية
غير أننا وبحكم مقومات الواقع الذي تهيمن عليه وتقوده مفاهيم غربية في العلم والثقافة والسياسة والاقتصاد والاجتماع الخ، كان لا بد لأي ثورة وبغض النظر عن من جاء بها ديني او محض قومي أن يتحلحل ويتحرر من التقليد المضاد، على الأقل في سبيل البقاء والاستمرار في المحافظة على الانجاز التاريخي الذي يمكن أن يفلت من ايدي اصحابه ويضيع بلحظة، وهذا " التكتيك" مساعد ومساهم قوي في تعزيز التحول جذريا في المفاهيم الاستراتيجية وثم العقيدية. هكذا تكون الامة الاسلامية العربية سائرة عبر "الحتمية" التاريخية للتغيير الذي انتظره كل مثقف ومفكر "حقيقي" كما أراد الإعلامي والكاتب محمد ابو عبيد، وهكذا تكون الامة قادرة على الحسم في صراع جدل الأضداد بين عقل الواقع السياسي وعقل الغيب الديني لصالح الأول، فيتحول الدين مع الوقت لمسألة فردية ذاتية يقوم بين القلب والرب يتخلى طوعا وقسرا عن شموليته كحكم سياسي وكنظام يختزل فيه الدولة.

تزعزع الثقة بالغيب
هذا ما نستطيع قراءته في مستقبل تونس ثم في مصر وليبيا وسائر الدول العربية، وجميعنا ربما سمع تصريحات المرزوقي في تونس حيال السماح للمرأة بارتداء الشورت. لقد ملّ الناس الكذب على انفسهم والعيش على الامل والايمان وحده، لقد تزعزعت ثقتهم بالغيب وإن هم لا يعلنون ذلك صراحةً، وهم يشاهدون الواقع ويكابدون العبر منه ومن حياتهم وحياة ذويهم وحياة آبائهم وأجدادهم منذ قبض الأجنبي على رسن (الناقة) - اي المقومات والمقدرات - العربية وقادها بدلا عنهم في صحرائهم وعلى شواطئهم، بل وفي عقر عواصمهم ( في سفاراتهم) .. ولقد مل المفكرون العرب والاسلاميون على السواء من تكرار المحاولات العبثية لايجاد صيغ توافقية مع الغرب حيث لا يمكن التوافق ولا يصح إلا بشرط التكافؤ في القدرة على الحسم في القرار.

موازين القوى
وهذا إما ان يكون عقلاني، اي واقعي يأخذ بالحسبان موازين القوى، وإما اعتباطي غير مسؤول، كما فعلت وتفعل الحركات الايديلوجية الدينية المتطرفة كالقاعدة بكل تشكيلاتها وأسمائها ومناطقها من افغانستان حتى لبنان (النهر البارد وسواه) مرورا بالعراق الذي لن يهدأ كما نشاهد في المقراب السياسي والفكري بسبب استعصاء الحل العقلي العقلاني في ظل هيمنة النزعات الدينية المذهبية الايديلوجية والسياسية التي تحركها وتغذيها ايران وامريكا الصهيونية معًا ،كل ومصلحته. ولقد انتبه الاخوانيون في مصر وسواهم من أحزاب اسلامية وعلمانية في الدول العابرة للمرحلة السابقة لضرورة الانفتاح واعطاء الحريات بما يناسب المرحلة على ضوء الواقع القاسي شديد التركيب والتعقيد.

قراءة عقلانية
وفي الحقيقة كان يجب على المفكرين العرب والاسلاميين من قراءة الواقع بصورة اكثر عقلانية واقل تعصبا للماضي وللتراث الذي لم يكن إسلامي بالمعنى الديني القرآني إلا نسبيا في فترات متقاطعة من حكم الرشيدين وهي بالذات الفترات التي تحلى بها الحاكم - كأمير مؤمنين – بقدر من منح الحريات لم يتوفر لغيرهم من بعد دينيين وقوميين. ولا بد من الاستمرار في المحافظة على ايقاد شعلة الثورة مع التغيير المطلوب بقوة وعقل معًا حتى يتم إحباط القوى الاجنبية المستمرة باللعب التقليدي المدمر لكل محاولة عربية اسلامية للخروج من الظلام التاريخي فلا يبدأ استقلال حقيقي للعرب والمسلمين إلا بالنجاح في ذلك.. وهذا ما أراه قد بدأ فعلا مع التحرك الشعبي الجائح الذي برز معبرا عن تغير وتطور حقيقي نوعي في العقل العملي العربي.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة