الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 01 / يوليو 03:01

تحيّة للفصح المجيد - الاب نداف


نُشر: 29/02/08 07:36

التسامح والعطاء عنوانان لعيد واحد، عيد الفصح المجيد، تشعّ منه آيات الغفران والمحبّة ويعيشه المسيحيّون، سنة بعد سنة، في إحياء لواقع حصل منذ نحو ألفَي عام. وعيد الفصح أكبر أعياد المسيحيّين. ويعني "العبور والنجاة" في إشارة إلى أحداث الخروج من مصر في العهد القديم، وإلى السيّد المسيح حَمَل الفصح الحقيقيّ في العهد الجديد.
تاريخ عيد الفصح
تطوّر هذا العيد بمرور الزمن. فمنذ بداياتها عيّدت الكنيسة شرقاً وغرباً بشكل خاصّ وسنويّ لقيامة المسيح. فهو الفصح الجديد. قبل قيامته كانت البَشَريَّة خاضعة لشريعة الخطيئة، وبعدها نالت البَشَريَّة النعمة والحياة.
واليوم فإنّنا نعيّد عيد الفصح في الكنائس الشرقيَّة وفق تقويمين: يوليانيّ، وغريغوريّ، وهو يقع حتماً يوم أحد. وإذا كان ثمّة اختلاف، فهو على تاريخ العيد فقط، إنّما جوهر العيد ولاهوته هو واحد في الغرب والشرق. إنّه عيد الأعياد وموسم المواسم، وقد استقطب الأعياد الأُخرى التي نشأت تدريجيّاً في الكنيسة، وأصبح، محورها وقمّتها، منه تنطلق وإليه تعود.
حدث العيد: الإيمان والتجدّد
وحدث قيامة السيّد المسيح، في هذه الذكرى، أساس الإيمان المسيحيّ، فهي جوهره. يقول القدِّيس بولس في إحدى رسائله (1قورنتس، فصل 15): "إذا لم يكن المسيح قد قام فإيمانكم باطل، ولا تزالون بخطاياكم... إنّ المسيح قام من بين الأموات وهو بِكرُ الذين ماتوا... فأين يا موت غلبتُكَ وأين يا موت شوكتُك؟...". وهكذا يعيش المؤمن منذ اعتماده، الموتَ والحياةَ مع السيّد المسيح: يُدفن معه في موته، ومن ثمّ يحيا حياة جديدة معه على مثال قيامته (رومية، فصل 6).
وذكرى القيامة تدفع المسيحيّ المؤمن إلى حركة تجدّد روحيّ داخليّ، يسعى إليها في أعماقه. فعلى مثال الفادي المسيح الذي غادر رباط الكفن وانفكّ منتصراً من ظلام القبر، يخلع المؤمن، في قيامة له خاصّة على موته الروحيّ، الإنسانَ القديم الذي تفسده الشهوات، ويتجدّد تماماً لابساً الإنسان الجديد الذي خُلق كما أراده الله سبحانه وتعالى في البِرّ وقداسة الحقّ.. مزيلاً من قلبه كلّ سُخط وغضب.. ملاطفاً مشفقاً.. صافحاً عن زلاّت الآخَرين... سائراً في المحبّة والنُور، سيرة أبناء النُور. وثمر النُور يكون في كلّ صلاح وبرّ وحقّ (أف 5/1-19).
الفصح في صميم الواقع المسيحيّ
عيد الفصح، يعلّم المسيحيّين، إذاً، أنّ الفرح لا يكون تامّاً إلاّ إذا مرّ من معارج الحزن، كما القيامة التي جاءت بعد الآلام والقبر. ويزرع الفصح فيهم الرجاء والتضامن وتذكُّر أولئك الذين يعانون الأهوال والحروب والكوارث...، وفوق هذا وذاك، يُفيض فيهم سلام الفكر والقلب.
اسمع الشاعر العربيّ المسيحيّ يقول من وحي المناسبة:
 
مَن منقذٌ هذي البريَّة غيرُ با رئها وقد أهوت إلى الأغوارِ؟

هوذا أتاها مصلحاً ومجدّداً بنيانَها الباقي طلولَ جدارِ
سجدتْ خليقتُه له مِن بعد أن جَهِلَتْهُ وهو بثوبها متوارِ
مُذ مزّقتْ عنه رداء صَغارها عَرَفَتْهُ فابتدرتْهُ بالإكبارِ
 
أحداث أسبوع الفصح، كما وردت في الكتاب المقدَّس
تمضي بنا أحداث أسبوع الفصح في الكتاب المقدَّس: بالأحد (أحد الشعانين) يوم دخول السيّد المسيح أورشليم (القُدْس) دخولاً متواضعاً هلّلت له الجموع. ثمّ بعشاء الفصح الأخير ودّع فيه السيّد المسيح تلاميذه، إلى ذهابه إلى جبل الزيتون حيث بستان الزيتون، إلى صلاته الوداعيَّة، ثمّ تسليمه، كما شاء هو متمّماً للكتب. ثمّ محاكمته، فتعذيبه، فصلبه، فموته، فدفنه، فقيامته المجيدة، كما وعد، بعد ثلاثة أيّام، فجر الأحد. إلى ترائيه لتلاميذه مرسلاً إيّاهم في شتّى بقاع الأرض. وأخيراً، إلى صعوده إلى السماء.
أحد الشعانين والأطفال
الأحد قبل الفصح هو أحد الشعانين. ويسبق أحد الشعانين سبت لَعازَر، الذي يحتفل فيه المسيحيّون بإقامة السيّد المسيح لصديقه لَعازَر من القبر (يوحنّا 11/1-45). ولسبت لَعازَر أهمّيَّة خاصّة إذ يُعتبر لدى بعض الكنائس من الأعياد السيّديَّة نظراً إلى كونه عربون قيامة المسيح وآية الخلاص: ويكون الصوم فيه مخفَّفاً. وعند صلاة الغروب تُرفع ستائر الهيكل إشارة إلى انتهاء زمن الصوم.
أحد الشعانين ذكرى دخول السيّد المسيح إلى القُدْس وقد رحّب به أهلوها رافعين سَعَف النخل وأغصان الزيتون، كباراً وصغاراً. والشعانين، كما تورد بعض المصادر، لفظة مشتقّة من الآراميَّة: "هوشعنا.." تعني "خلِّصنا.." وهي مركّبة استُعملت في ما بعد للهتاف والابتهاج. 
يحتفل المسيحيّون في هذا الأحد، ويحملون في تطوافاتهم أغصان الزيتون والشموع المزيّنة بالزينات الجميلة، تتقدّمهم الفرق النحاسيَّة تعزف ألحان الفرح يليها الأطفال بثيابهم الجديدة مرنّمين: "مُبارَك الآتي باسم الربّ...". نشأ هذا التطواف في أواخر القرن الرابع، وانتشر في الغرب في القرنين الثامن والتاسع. ولقد جرت العادة أن يحفظ المسيحيّون في بيوتهم أغصان زيتون تمّ تبريكها قبل التطواف.
الأسبوع العظيم، الأسبوع المقدَّس
بعد أحد الشعانين يبدأ الأسبوع الأخير من الصوم وهو الأسبوع العظيم أو الأسبوع المقدَّس لدى المسيحيّين. تنقلب فيه الأفراح التي كانت سائدة في أحد الشعانين إلى ورع وتخشّع. فتُزال الزينات الملوّنة من الكنائس وملحقاتها لتوضّع شارات الحزن تُرافقها ألحان حزينة وترانيم روحيَّة.
ويكون هذا الأسبوع مكثّف الأعمال في بيوت المسيحيّين. فنهار الاثنين تصنع النسوة كعك العيد، وبخاصّة المعمول، الذي اشتهرت به حلب، والغْرَيبة وسائر أنواع الضيافة الخاصّة بالعيد. كما يشتري أرباب العيل أنواعاً مختلفة من الضيافات كالشراب)، والعنبريَّة والمربّى، والسكاكر والشوكولاته، أو الحلقوم أو الكعك بلوز، وغيرها. أمّا الثلاثاء والأربعاء فيخصّصان لترتيب المنـزل وتنظيفه تهيئةً للاستقبال. ويتخلّلهما تسوّق من أجل مستلزمات العيد وهدايا الأطفال والأقارب.
من يوم الأربعاء تبدأ الصلوات الطقسيَّة استعداداً... ويوم الخميس هو خميس الأسرار وهو أيضاً خميس الغَسْل .غسل فيه السيّد المسيح أقدام تلاميذه الاثني عشر لدى اجتماعهم في العشاء الأخير، علامة خدمته لهم، وتكريسه إيّاهم في المحبّة والعطاء. تُقام هذه الرتبة في الكنائس كافّة. حيث يغسل الأسقف أقدام مساعديه وكهنته، أو يغسل أقدام أطفال صغار في بعض الكنائس، تشبّهاً بما فعله السيّد المسيح قُبيل وداعه بفعل من تواضع جمّ. لذلك فإنّ العائلات كلّها تشارك في هذا اليوم، بالصلاة وإقامة هذه الرتبة الدِينيَّة حيث تعود بعدها إلى بيوتها معلنةً الحداد ليوم الجمعة العظيمة. هذا وفي بعض الكنائس تُقام مساءً خدمة الآلام الخلاصيَّة إشارة إلى قبض الجنود على السيّد المسيح في بستان الزيتون. ويُتلى في الرتبة 12 إنجيلاً من أناجيل الآلام.
يوم الجمعة العظيمة يوم للذكرى
ويبلغ أوج هذا الأسبوع في يوم الجمعة العظيمة، ذكرى موت السيّد المسيح ودفنه في القبر. وفي هذا اليوم يعيش المسيحيّون أحزان السيّد المسيح وآلامه رافعين الصلوات في هذه المناسبة من أجل أحزان العالَم كلّها، ومن أجل سلامه وبركته. وينشدون لذلك الترانيم الخاصّة (ترانيم الآلام). وتُقرع نواقيس الحزن وتعزف الفرق النحاسيَّة الألحان الكئيبة. وتتمّ رتبة تنـزيل مجسّم السيّد المسيح من على الصليب ووضعه في نعش تغمره الزهور، ثمّ التطواف به في موكب مهيب يشارك فيه الكبار والصغار من رجال دِين ولجان وفرق كشفيَّة وصولاً إلى الكنيسة حيث يُصمد النعش تحت أحد المذابح ليتبرّك به المؤمنون. 
سبت النُور واقتراب العيد والبيض!
أمّا سبت النُور، وهو آخِر أيّام الصيام، وذكرى دفن السيّد المسيح ونزوله إلى الجحيم لينقذ الصدّيقين المأسورين فيه بانتظار مجيئه وفدائه حيّاً من قبره حين هبط الملاك ودحرج الحجر عن بابه. ولطالما كانت البيضة رمزاً إلى عودة الحياة إلى النبات في أوّل الربيع الدالّ على التجدّد والانبعاث واستيقاظ الحياة، في عهود سبقت المسيحيَّة.
ويُروى أنّهم كانوا قديماً يوزّعون البيض في الكنائس بعد القدّاس، وقد كُتبت على كلّ بيضة عبارة: "المسيح قام". أمّا تلوين البيض بالأحمر فهو رمز إلى دم المسيح المسفوك عن يد قاتليه.وهناك تقاليد اخري عديدة تفسر لون البيض الاحمر.. ولا تزال بعض الكنائس إلى يومنا هذا ، توزّع البيض على المؤمنين في العيد.
وتجري في الفصح المفاقسة بين الكبار والصغار، وهي لعبة يزاولها الناس من عهد قديم، وقوامها قرع البيض بعضه ببعض. فالكاسر يربح المكسور.
أحد العيد الكبير
وصباح الأحد يحتفل المسيحيّون بقيامة السيّد المسيح من الموت مهنّئين بعضهم بعضاً بعبارة: "المسيح قام! حقّاً قام".. وهم يتوجّهون منذ الصباح الباكر إلى الكنائس لإحياء القداديس والاحتفال بهذا الحدث المبارَك، منهين بذلك صومهم الكبير. ويكون القدّاس الاحتفاليّ الكبير صباح الأحد في الكنائس الكُبرى (الكاتدرائيّات) ويترأّسه أسقف الكنيسة وراعيها. ويركّز رعاة الكنائس في عظاتهم على مفهوم العيد موجّهين إلى معانيه السامية ومدلولاته وعبره الحياتيَّة وداعين بالخير والبركات للوطن وأبنائه جميعاً... وفي الختام يمنحون المؤمنين البَرَكة والغفرانات بموجب الإنعام المُعطى لهم.
وتبدأ، بعد الصلوات وتقديم واجب التهاني، الزيارات العائليَّة إلى الأهل والأقارب، وكذلك تقبُّل التهنئة من الأصدقاء والجوار، مسيحيّين ومسلمين... ولعلّه من المناسب هنا أن نذكر أنّ ما قاله الشاعر محمّد وفاء الدِين احد شعراء حلب في قصيدة بعنوان "تحيَّة للفصح المجيد":

هو "عيسى" عليه ألف سلام
معجزات في كلّ ركن عطاء
كان يدعو محبّة وإخاءً
نحن قوم آياتنا ساطعات
وحّدتنا مشاعر من وئام
سوف نمضي إلى العلاء بعزم
وحدة الصف قوّة وشموخ
كلّ قلب في الحبّ ينبض عشقاً   كان نُوراً مكارماً وخصالا
نُور بدر في الدجى يتلالا
يجعل الحبّ في القلوب وصالا
من عناق نرى الصليب هلالا
يا حياة سوف تبقى مثالا
كلّ نجم من روحنا يتلالا
سوف نبقى أعزّة ورجالا
كلّ نُور في العين يبدو جَمالا

مقالات متعلقة

º - º
%
km/h
3.77
USD
4.05
EUR
4.77
GBP
238786.64
BTC
0.52
CNY