الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 04:02

فسيفساء دمشقية ورؤية تصورية/ بقلم:عودة بشارات

كل العرب
نُشر: 27/08/12 11:05,  حُتلن: 08:12

عودة بشارات في مقاله:

أحيانًا أتساءل ما هو سر هذا الصمود الأسطوري للشعب السوري والجواب كما يظهر بالإضافة لبطولتهم هو أنه لا يوجد لديهم بديل آخر سوى النصر؟

إسرائيل حظيت بهذا الموقع "المشرّف" بسبب قمعها لشعب آخر الشعب الفلسطيني في حين أن سوريا تقمع شعبها نفسه

مؤيدو النظام السوري يقولون إنهم كانوا مؤيدين للمعارضة ولكنهم أصبحوا الآن ضدها بعد أن رفعت السلاح في وجه النظام ولكن السؤال الأساسي هل نظام الأسد "خلّاها" سلمية عندما قمع المظاهرات منذ اليوم الأول بالحديد والنار والقناصة!

الإدعاء بأن هذه الثورة الباسلة مكونة من عصابات القاعدة هو إدعاء يناقض المنطق فبموجب جميع التحليلات فالقاعدة الآن في أفول ولكن الأهم من ذلك كيف يمكن لهذه "الفلول" أن تهزم جيش عريق مثل الجيش السوري المسلح وأن تصمد

في زحمة الانشقاقات عن النظام السورين فمن الأسهل السؤال من بقي في دمشق لا من انشق على كل حال الغريب في هذا النظام الذي يتباهى مؤيدوه لدينا بانه آخذ في التحول نحو الديموقراطية لا يستقيل الكبار أو يُقالون أو ينتحرون أو ينشقون

السلاح القطري والتركي والسعودي هو سلاح أمريكي وبمراقبة أمريكية لئلا يستعمل في غير مكانه وأمريكا لا تريد تسليح المعارضة بل تصر على عدم تسليحها وبتقديري أنها معنية ببقاء بشار الأسد ومعنية بتفتت سوريا وتريد أن يبقى الوضع متوازنًا بين المعارضة وبين نظام يابس الرأس حتى تقطيع اوصال سوريا

نددت الجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤخرًا وبأصوات 133 دولة، بالحكومة السورية بسبب القمع الدموي الذي تنتهجه ضد شعبها. تبين أن القيادة السورية، وبدل أن تبحث جذور هذا الاجماع العالمي ضدها، تستخف بهذا التنديد. وهكذا على هذا النهج أصبح النظام السوري في نفس الموقع الإسرائيلي، موقع المستهتر بالرأي العام العالمي، والجملة التي تم استعمالها في إسرائيل، مع بعض التغيير تصبح نافعة للسوريين وهي: "لا يهم ماذا يقول الأغيار، المهم ما يفعل الشبيحة". الفارق هنا أن إسرائيل حظيت بهذا الموقع "المشرّف" بسبب قمعها لشعب آخر، الشعب الفلسطيني. في حين أن سوريا تقمع شعبها نفسه. لقد استفاد النظام السوري كثيرًا من التجربة الإسرائيلية الرائدة، فما دام النظام يحظى بدعم قوة عظمى، فبإمكانه أن يفعل ما يشاء كما حدث في غزة وجنوب لبنان. هكذا كان الأمر في الشيشان والتبت وأفغانستان والعراق. آن الأوان لتأسيس نظام عالمي جديد ينصف الدول الضعيفة في مواجهة محور الاستهتار.

بشار لا يؤمن الا بالحل الأمني
يقول مؤيدو النظام السوري، أنهم كانوا مؤيدين للمعارضة ولكنهم أصبحوا الآن ضدها بعد أن رفعت السلاح في وجه النظام. ولكن السؤال الأساسي هل نظام الأسد "خلّاها" سلمية، عندما قمع المظاهرات منذ اليوم الأول بالحديد والنار والقناصة. خلال أربعة الأشهر الأولى من المظاهرات السلمية، لم تنطلق من المعارضة رصاصة واحدة. وبعد أن استشهد الآلاف وتم وجرح واعتقال أضعافهم من المدنيين بدأت مظاهر التسلح للمعارضة. والمهم في الأمر هنا أن مصادر السلاح كانت من مخازن الجيش السوري النظامي نفسه، فقد انشق آلاف الجنود من وحداتهم العسكرية، رافضين المشاركة في "الحل الأمني" الذي اختاره النظام السوري ردًا على المظاهرات السلمية. في هذا الاطار يقولون أن السلاح الذي بيد المعارضة هو من السعودية وقطر وتركيا. لو كان هذا السلاح موجودًا لكانت مجريات الأمور مختلفة تمامًا، فلم تظهر حتى الآن مدرعات أو أسلحة ثقيلة بيد الثوار.
ومن جهة أخرى فالسلاح القطري والتركي والسعودي هو سلاح أمريكي وبمراقبة أمريكية، لئلا يستعمل في غير مكانه، وأمريكا لا تريد تسليح المعارضة، بل تصر على عدم تسليحها، وبتقديري أنها معنية ببقاء بشار الأسد، ومعنية بتفتت سوريا، وتريد أن يبقى الوضع متوازنًا بين المعارضة وبين نظام يابس الرأس حتى تقطيع اوصال سوريا.

شعب من العملاء!
الإدعاء بأن هذه الثورة الباسلة مكونة من عصابات القاعدة، هو إدعاء يناقض المنطق فبموجب جميع التحليلات فالقاعدة الآن في أفول. ولكن الأهم من ذلك كيف يمكن لهذه "الفلول" أن تهزم جيشا عريقا مثل الجيش السوري المسلح وأن تصمد. لو لم يكن لهذه "الفلول" سند من الشعب السوري نفسه ولو لم تكن هذه "الفلول" اصلاً هي الشعب السوري نفسهن لما صمدت دقيقة واحدة. هذا هو الحال في كل مكان وزمان. يحاول النظام إتهام معارضيه بأنهم عملاء لجهة خارجية. حتى حركة "السلام الآن"، اتهمها اليمين الإسرائيلي في حينه بأنها عميلة لجهاز ال "سي آي ايه".

أين هي معارضة دمشق؟
في بداية انتفاضة الشعب السوري، كانت، كما يظهر، أوساط في النظام مؤيدة للحوار مع المعارضة، وفي حينه، ولأول مرة في تاريخ نظام الأسد، جرى اجتماع للمعارضة الوطنية في فندق "سميرا ميس" في دمشق، ضم معارضين بارزين منهم ميشيل كيلو وحنان لحام وفايز سارة وميشال شماس ومازن درويش وجودت سعيد ولؤي الحسين وريما فليحان وسليمان يوسف وخليل معتوق ومنذر خدام وفيصل يوسف وعباس النوري ومستقلين. وقد استبشر كثيرون، وكنت من بينهم، أن يكون النظام قد قرر تغيير "الديسك" بأن يتحاور مع تلك الكوكبة الرائعة من المناضلين السوريين الذين قضى معظمهم سنين طويلة في السجون. ولكن لمن يذكر، فقد حضر إلى هذا الاجتماع عناصر من الشبيحة، التي كما يظهر كانت تابعة لأوساط متطرفة في النظام، وقاموا بشتم المجتمعين وتهديدهم. فيما بعد جرى اجتماع أو اجتماعين واسدل الستار عن هذه المحاولة، والأمر الأهم اننا لم نعد نسمع أخبارًا عن المجتمعين، ويمكن التقدير أنهم لو اختاروا تأييد النظام لسمعنا عنهم، وكما يظهر أنهم لم يفعلوا ذلك. ومؤخرًا استمعت للمناضل البارز ميشيل كيلو وهو يتحدث على شاشة التلفزيون من مقر إقامته في باريس، مؤكدًا الن النظام يعيش ساعاته الأخيرة.

مع النظام أو المعارضة
معضلة النظام، وبالتالي معضلة المعارضة، أن النظام لم يسمح بوجود حل آخر، سوى أن تكون مع النظام أو المعارضة. النظام السوري يقول للمعارضة: "حتى لو استسلمتم فمصيركم الموت" فكيف يستسلمون؟؟ أحيانًا أتساءل ما هو سر هذا الصمود الأسطوري للشعب السوري، والجواب كما يظهر، بالإضافة لبطولتهم، هو أنه لا يوجد لديهم بديل آخر سوى النصر. ماذا قال طارق ابن زياد، لدى نزوله شواطئ الاندلس: "البحر من ورائكم والعدو من امامكم". اليوم تقول المعارضة: "الشبيحة من امامكم والصين وروسيا من ورائكم، وحتى لو اختبأتم على ظهر السّدة فبشار سيطولكم فأين المفر."

أين فاروق الشرع؟
في زحمة الانشقاقات عن النظام السورين فمن الأسهل السؤال من بقي في دمشق لا من انشق. على كل حال الغريب في هذا النظام، الذي يتباهى مؤيدوه لدينا بانه آخذ في التحول نحو الديموقراطية، لا يستقيل الكبار. أو يُقالون أو ينتحرون أو ينشقون. ولكن لا داعي للقلق فحتى لو انشق بشار الأسد من السفينة الغارقة فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيكون هناك لتصريف الأمور. ولكن اللغز الذي قض مضاجعنا لفترة طويلة بسبب اختفاء نائب الرئيس السوري، فاروق الشارع، وجد حله أمس عندما ظهر الشرع، صامتًا وشاحبًا على شاشة التلفزيون السوري. كلنا أمل الآن أنهم لم يقودوا الشرع، بعد هذا الظهور الباهت، إلى مكتبه الجديد في زنزانة الشخصيات المهمة في سجن المزة الواقع على مشارف دمشق.

حياة خارج الأسوار
يقول مؤيدو النظام السوري حاليًا، أو قسم منهم، أنهم ليسوا مع النظام فهم يعرفون أنه نظام دكتاتوري، ولكن في المعادلة الناشئة حاليًا، فإن الخطر الداهم يأتي من قبل الأصوليين الاسلاميين. غريب أمر هذا التحليل، فهل حلفاء سوريا الحاليين، إيران وحزب الله والجهاد الإسلامي وحماس (حتى قبل فترة وجيزة)، هم أقطاب العلمانية في العالم العربي. الاكثر غرابة الآن هو وضع القوى القومية واليسارية بين الجماهير العربية في إسرائيل. الجانب القومي طلب من رفاقه الامتناع عن خوض أي نقاش في الموضوع السوري لأنه موضوع خلافي، وكأن النقاش يتم فقط في المواضيع المتفق عليها. بينما التيار الماركسي اللينيني، فقد منع نشر مقالات مناوئة للنظام السوري في جريدته. مرحى للستالينية تظللنا وتخنقنا.

التصريحات والتصرفات
وفيما بعد يتساءلون لماذا تتسم بعض التصريحات والتصرفات من قبل المعارضة السورية، بسبب المندسين عليها، بالعنصرية وأحيانًا الفاشية؟ لأنه حين يتم وقوف قادة العلمانيين والقوميين واليساريين تلقائيًا مع النظام الدموي، فسيتم إخلاء الميدان لكل المتلونين والرجعيين والاستعماريين لاحتضان المعارضة وملاطفتها. ولكن هذه المعارضة بأغلبيتها هي صورة مشرفة لشعب سوريا البطل، الرافض للعنصرية والانغلاق. على كل حال جيد ان هنالك حياة خارج أطر هذه القيادات؛ جيد ان لدينا صحف ومواقع عربية مستقلة؛ جيدة أن هنالك اجيال شابة واعية؛ جيد أن الناس وُلدت أحرار وتستطيع ان تعبر عن رأيها، حتى ولو كان ذلك خارج الأسوار المتداعية.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة