نضال عثمان في مقاله:
الوثائق جاءت لتضع الأساس لنقاش وتطوير رؤية جماعية تصبو إلى تمثيل توجهات وطموحات ورؤى الغالبية من أبناء الأقلية الفلسطينية في البلاد رغم اختلاف مشاربهم الفكرية وانتماءاتهم
مؤتمر المكانة القانونية الذي ينظمه مركز مساواة نهاية شهر أيلول هذا العام يتناول محور "يهودية الدولة ومدى إسقاطاتها على المكانة القانونية للجماهير الفلسطينية في البلاد"
إننا كجماهير عربية نسعى لتمكين مكانتنا القانونية الدستورية في البلاد كمجموعة أقلية أصلانية لكننا لن نتمكن من ذلك دون طرح محاور وثيقة التصور المستقبلي ووثيقة مساواة وعدالة ومدى للتداول الجماهيري
نجحت الأقلية الفلسطينية في البلاد، في السنوات الأخيرة إلى حد معين وإن كان غير كاف، في بلورة تصورات مستقبلية ترتكز على اجتهادات تاريخية لمجموعات سياسية قائمة وعلى جهود ومساهمات فردية لمفكرين وأكاديميين وناشطين في المجالات المختلفة. وقد جاء بعضها كرد فعل على حالة وتحدٍ، إما لسياسة ونهج ضدنا كأقلية فلسطينية أو كرد فعل على مبادرات مدنية وأكاديمية يهودية للخوض في مكانتنا ومستقبلنا في هذه البلاد. ومنها ما كان من منطلق واع لأهمية بلورة تصور لمكانتنا كمجموعة أقلية أصلانية لها حقوقها التاريخية على هذه الأرض وفيها، ولها الحق في الحاضر والمستقبل وفي التطور على أرضها وفي مناخها وبرها وبحرها.
نتاج فكري واقعي
من هذه المساهمات وثيقة مركز مساواة من العام 2006 " الدستور والحقوق الجماعية للمواطنين العرب"، و"الدستور الديمقراطي"، الوثيقة التي أعدها مركز عدالة في العام 2006، ووثيقة التصور المستقبلي الصادرة في بداية ال 2007 عن لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية في إسرائيل، ووثيقة حيفا لمركز مدى الصادرة في أواسط العام 2007. ساهم في وضع مضامين هذه الوثائق الكثيرون من أصحاب الباع الطويلة في المجالات التي تطرقت إليها، وهي نتاج فكري واقعي يتعامل مع المراحل والتطورات التاريخية بواقعية إلى حد ما وبنظرة إلى المستقبل، محاولين بلورة رؤية وتصور لمستقبلنا في هذه البلاد والذي لا بد من حمايته بقواعد ومباديء دستورية قانونية تُؤمن حقوقنا الجماعية وكذلك حقوقنا الفردية كمواطنين متساوين في الدولة. وقد تطرقت الوثائق لمحاور أساسية لا بد أن يحويها أي دستور مستقبلي في هذه البلاد.
أقلية أصلانية
تكمن أهمية هذه الوثائق الباحثة في المكانة القانونية للجماهير العربية في البلاد بالأساس بالمنطلقات التي من ورائها، وهي بدء التوضيح لأنفسنا؛ "أولا"، ما الذي نريده في هذه البلاد كمواطنين وكأقلية قومية أصلانية صاحبة الأرض، وكل هذا في ظل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي يخيم ويؤثر ويتأثر على ما يبدو على بقائنا وتطورنا في أرضنا ووطننا. ولا بد من الإشارة إلى أن هناك تفاوتا بسيطا في المواقف والرؤية المستقبلية، إلا انه يتضح ومن قراءة هذه الوثائق أننا نُجمع على بقائنا وتطورنا في هذه البلاد وذلك في ظل وضمن أي حل سياسي للقضية الفلسطينية، أي أننا بصمودنا التاريخي وبواقعية معينة قبلنا وعبرنا عن قبول الغالبية فينا كمجموعة أقلية بوجود الدولة وما علينا إلا العمل والتأثير على مضمونها وتعريفها وممارساتها وقراراتها وذلك كمجموعة أقلية أصلانية لها ما يميزها وبأن على أي نظام في هذه الدولة أن يضمن حقوقا يحميها الدستور وغير قابلة للانتهاك اليومي الممنهج والفظ.
من الصياغة الى المبادرة
إن وثيقة مركز مساواة من العام 2006 : " الدستور والحقوق الجماعية للمواطنين العرب" والتي أعدها الحقوقي الدكتور يوسف جبارين والتي يطالب فيها مركز مساواة بإدارة ذاتية ثقافية، تربوية ودينية إلى جانب الشراكة الفعلية في توزيع موارد الدولة، وكذلك تنص الوثيقة على المشاركة في صنع القرار السياسي في البلاد وإعادة توزيع الموارد المالية والأراضي والاعتراف بالحقوق التاريخية للأقلية العربية الفلسطينية، الى جانب الاعتراف بحق التواصل مع الشعب الفلسطيني والعالم العربي. إنما طرحت في النقاط العشر التي تضمنتها رؤية ومباديْ واضحة تشكل الأساس لوضع آليات واستراتيجيات عمل ونضال للتأثير ولصد المنحى الخطير الذي تنحدر إليه الدولة بكل مؤسساتها وقياداتها وهو منحى العنصرية الفاشية، التي تخطط وتنفذ أبشع السياسات اتجاهنا كأفراد وكمجموعة أقلية. وقد نشط مركز مساواة في السنوات الأخيرة ومن خلال برامجه المختلفة بالمبادرة الى تعميم المبادئ الأساسية للوثيقة في داخل المجتمع الفلسطيني وبنفس الوقت كان المبادر إلى الشراكة مع أجسام عديدة لبلورة مجموعات عمل عربية يهودية لصياغة مساحات التوافق والاتفاق حول النقاط الأساسية التي شملتها وثيقة مساواة وذلك في إطار مبادرة "المستقبل المشترك"، التي شارك ويشارك فيها المئات من العرب واليهود وهي صيرورة مستمرة تسعى لتحديد الأجندة واستراتيجيات التأثر والتغيير في المرحلة القادمة.
مكانة الجماهير ومستقبل الوثائق
جاءت الوثائق لتضع الأساس لنقاش وتطوير رؤية جماعية تصبو إلى تمثيل توجهات وطموحات ورؤى الغالبية من أبناء الأقلية الفلسطينية في البلاد وذلك رغم اختلاف مشاربهم الفكرية وانتماءاتهم الحزبية. طبعا شبه التوافق في بعض القضايا الأساسية لا ينم عن قوة أو ضعف أي من التيارات الفكرية والسياسية في مجتمعنا الفلسطيني في البلاد وإنما هو مؤشر إلى النقلة النوعية التي نجحنا كأقلية في الوصول اليها. وهنا يطرح السؤال: هل نحن قادرون على الانتقال من مرحلة الصياغة الجماعية التي تجلت بشكل أو بأخر في صيرورة العمل على وثيقة التصور الجماعي التي بادرت إليها لجنة المتابعة إلى مرحلة تحديد الاستراتيجيات والآليات لترجمة هذه الوثائق إلى برامج عمل؟ أكاد اجزم أنه ورغم الاختلافات في الاجتهادات الفكرية، إلا أن الاختلافات على هذا المستقبل الذي نريده لأنفسنا في هذه البلاد "بلادنا" ما هي إلا خلافات شكلية وهي حالة من التناحر على جلب التأييد الجماهيري لهذه المجموعة أو الأخرى أكثر من كونها اختلافات جوهرية وصميمية.
أنصاف المراحل وتحديات المرحلة
باعتراف الكثيرين ممن ساهموا في صياغة وثيقة التصور المستقبلي ورغم أهميتها كنقطة انطلاق هامة في صيرورة تطورنا وبقائنا في البلاد، إلا أن هذه الوثيقة لم تتعد كونها نصا مكتوبا ونتاجا نظريا هاما، لم يتفاعل مع الناس لا بالصيرورة ولا بالنتاج النهائي بما يشمل اولئك المتحزبين والفعالين والمنتمين إلى المجموعات السياسية المختلفة. وبتقديري فإن هذه الوثيقة التاريخية الهامة قد نوقشت في الأوساط السياسية والأكاديمية اليهودية والمؤسسات الأمنية الإسرائيلية أكثر بكثير مما حظيت به في الأوساط السياسية وحتى الأكاديمية الفلسطينية في البلاد. وقد كنا بوثائقنا في مركز مساواة وكذلك المؤسسات الأخرى "عدالة " و"مدى" موضوع دراسة لأكثر من بحث أكاديمي في مستوى الدراسات العليا في الأكاديمية الإسرائيلية.
الحوار الجماهيري الداخلي
إننا كجماهير عربية نسعى لتمكين مكانتنا القانونية الدستورية في البلاد كمجموعة أقلية أصلانية، لكننا لن نتمكن من ذلك دون طرح محاور وثيقة التصور المستقبلي ووثيقة مساواة وعدالة ومدى للتداول الجماهيري من خلال المنتديات في الحركات والأحزاب السياسية المختلفة والمنصات الأخرى. وكوننا في مركز مساواة نحاول المساهمة بالمبادرة لصيرورة عربية يهودية تسعى لبلورة مساحات التوافق في البلاد بين العرب واليهود وبين المجموعات المختلفة في البلاد، فإن هذا لا يعفينا بأي شكل من الأشكال من المساهمة في هذا الحوار الجماهيري الداخلي، بل ويحتم علينا الاستثمار قدر الإمكان في صيرورة التداول الجماهيري العربي العربي للمحاور المفصلية في التصور المستقبلي والوثائق الأخرى.
يهودية الدولة
يتداول مؤتمر المكانة القانونية الذي ينظمه مركز مساواة في نهاية شهر أيلول هذا العام محور "يهودية الدولة ومدى إسقاطاتها على المكانة القانونية للجماهير الفلسطينية في البلاد"، واختيار هذا المحور في هذا الوقت بالذات ليس صدفة وإنما وليد حاجة ماسة لإدارة هذا الحوار بين أنفسنا أولا أو على الأقل بالتوازي لتداوله ونقاشه في المجتمع اليهودي في البلاد، وذلك في ظل استفحال العنصرية والفاشية التي لا تنفك تنقض على مكانتنا ولغتنا وتاريخنا وبقائنا في هذه البلاد. وكوننا نواجه خطر الأكثرية اليمينية المتطرفة والتي لا تأبه لا بالقيم الديمقراطية ولا بالحقوق الأساسية، ولذا فإن المساهمة في أعمال المؤتمر وأبحاثه ومتابعة توصياته وترجمتها إلى استراتيجيات واليات وبرامج عمل هو واجب الساعة ومدماك في الانتقال من مرحلة صياغة الوثائق الى مرحلة بناء الشراكات الاوسع وصياغة الاستراتيجيات والبرامج والمبادرات الجماعية.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net