الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 03:02

ما بين اليهودية والصهيونية في السينما المصرية/ بقلم: صالح ذباح

كل العرب
نُشر: 06/10/12 10:34,  حُتلن: 12:30

صالح ذباح في مقاله:

قضية اليهودي في السينما المصرية هي خير تعبير حي وموثق لتنوع وتجانس مجتمع عربي احتضن اليهودي كجزء منه

في هذا الشرق كان اليهودي فنانا ومبدعا ومشاركا في صناعة السينما في ايام كان اليهودي في اوروبا يعاني من ويلات العنصرية والملاحقة والقتل

توجو مزراحي كان من اهم وابرز الشخصيات المصرية التي اسهمت في الانتاج السينمائي وأسس شركة انتاج تحمل اسمه في عشرينيات القرن الماضي

قد يختلف المؤرخون في تحديد تاريخ دقيق لانطلاق السينما المصرية لكنه تزامن مع انطلاق السينما في العالم في اواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ،وليس غريبا على مصر في تلك الحقبة التاريخية أن تتولى مقاليد صناعة فنية هامة وحديثة لما لمصر من اهمية جغرافية وتاريخية حتمت عليها ان تكون مركزا وملتقى لحضارات مختلفة وموقعا منفتحا بطبيعته على العالم، خصوصا في مرحلة كانت الدولة المصرية امتدادا لدولة حديثة اسسها محمد علي باشا تطمح ان تكون عالمية وفي جوهرها هي دولة مدنية عصرية احتوت شرائح مجتمعية مختلفة واصحاب جنسيات وديانات عدة، كان اليهود جزءا فيها من النسيج المجتمعي المصري، سواء كانوا مصريين او وافدين تمصروا او اجانب آثروا أن يبقوا "خواجات"، ولعل البحث في الجانب السينمائي قد يرصد مشاركة ومكانة اليهودي في المجتمع المصري آنذاك.


كان توجو مزراحي من اهم وابرز الشخصيات المصرية التي اسهمت في الانتاج السينمائي وأسس شركة انتاج تحمل اسمه في عشرينيات القرن الماضي، كان مخرجا وكاتبا للسيناريو وممثلا، وادخل دور اليهودي في افلام عدة واستعان كثيرا بالممثل شالوم في تلك الاعمال ،منها: "خمسة الاف وواحد" (1932)،"الرياضي" (1937)،"شالوم الترجمان" (1935) وكان جليا في افلامه مدى الاندماج الذي عاشه اليهود في المجتمع المصري. ونلمس وجود اليهودي حتى في بعض عناوين الافلام المصرية مثل :"فاطمة وماريكا وراشيل"(1949)و"حسن ومرقس وكوهين"(1954).
قد يشعر المشاهد العربي اليوم بدهشة وغرابة مطلقة لو شاهد شريطا سينمائيا مصريا شخصياته هما شالوم واستر كفيلم "العز بهدلة"(1937) لتوجو مزراحي ويدور الحوار باللهجة المصرية الصميمة و"تردح" الممثلة اليهودية فيتوريا فرح فيه: ده شالوم نسيبك اللي بتحبو قوي! آه يا عيني عليكي يا بنتي يا استر!

قيام الدولة العبرية
وظهر ممثلون يهود كثر على الشاشة بعضهم بأسمائهم اليهودية والبعض بأسمائهم الممصرة كراقية ابراهيم(راشيل ليفي)،نجمة ابراهيم، شالوم، احمد المشرقي(توجو مزراحي)، منير مراد ومن أهمهم وأشهرهم الفنانة ليلى مراد. استمر هذا التجانس والتآلف حتى قيام الدولة العبرية الذي مهد لبداية انسحاب اليهود من مصر بالذات بعد ثورة يوليو وتأكد ذلك بعد حرب 1956،وكثيرا ما مست قضايا الجاسوسية والتبرعات لصالح الدولة العبرية بعض الفنانين اليهود وشككت في انتمائهم لهويتهم المصرية، اذ اثيرت شائعات كالسالف ذكرها نالت من ليلى مراد رغم اعتناقها الاسلام عام 1946،مما ادى الى منع عرض افلامها في سوريا ،ما اضطرها الى نفي تلك الشائعات في الصحف القومية المصرية وتأكيد انتمائها المصري العربي. ولم تسلم الفنانة راقية ابراهيم التي هاجرت الى الولايات المتحدة الامريكية عام 1954 من شائعات تجنيدها لصالح قيام الدولة العبرية ووجهت اليها كذلك لاحقا اصابع اتهام تدينها بضلوعها في مقتل عالمة الذرة المصرية سميرة موسى.


في فترة ما بعد الثورة وما قبل حرب 1967 لم يكن ذكر اليهودي او الاسرائيلي واردا بشكل ملحوظ في السينما المصرية، ولم تكن هناك حالة عداء كما وضحت بعد النكسة، فبعدها كان واضحا ان مصر تعرضت لعدوان حتى وان لم يذكر اسم الدولة العبرية وآثر المخرجون انتقاد الاوضاع الداخلية التي ادت الى الهزيمة،واظهار اثار اضرار الحرب على اهالي السويس في بعض الافلام كفيلم "الخوف"(1972) لسعيد مرزوق،وفيلم "ثرثرة فوق النيل"(1971) لحسين كمال. بعد حرب اكتوبر 1973 باتت الرغبة جامحة وقوية في توثيق العبور،من مجتمع مهزوم الى متعاف، فكان فيلم "الرصاصة لا تزال في جيبي" (1974) لحسام الدين مصطفى و"الكرنك" (1976) لعلي بدرخان،وبدأنا نشهد افلام الجاسوسية ومن اهمها على الاطلاق فيلم "الصعود الى الهاوية"(1976) لكمال الشيخ المستوحاة قصته من وقائع حقيقية تتناول تجنيد طالبة مصرية في باريس من قبل عملاء الموساد ونشهد تطورات ملحوظة سينمائية تناولت الشخصية الاسرائيلية كشخصية مكارة وخبيثة تغري البطلة بالجنس والمال والرفاهية، لكن يتغلب رجال المخابرات المصرية على عملاء الموساد ويوقعا بالبطلة (مديحة كامل)ويتم اعدامها. تم ادخال الاحرف العبرية على الشاشة اثناء المراسلات السرية لاول مرة في احداث فيلم مصري. ورسخ هذا التوجه لإنتاج افلام الجاسوسية على غرار فيلم "اعدام ميت" 1985 وفيلم "48 ساعة في اسرائيل"(1998)وفيلم "مهمة في تل ابيب"(1992) لنادر جلال، الذي يتم فيه تسطيح مسألة الاختراق لأجهزة الامن الاسرائيلية ويتم اظهار الجانب المصري اقدر واقوى رغم ذكاء وخبث الجانب الاسرائيلي، مستخفا بعقول الكثير من المشاهدين اذا ان جملة "خالتي بتسلم عليك" تفتح جميع الابواب الموصدة وتحل كافة المشاكل الأمنية!

افساد الشباب المصري
ولا يفوتني أن فيلم "حب في طابا"(1992) لأحمد فؤاد يطرح قضية افساد الشباب المصري في المناطق السياحية المصرية، من قبل الاسرائيليين عبر ترويج الدعارة ونشر مرض الايدز، وكذلك فيلم "فتاة من اسرائيل"(1999) لإيهاب راضي الذي تناول قصة حب تتطور بين شاب مصري وفتاة اسرائيلية يرفض في نهاية الفيلم الشاب المصري كل عروض الاغراء االتي يقدمها والد الفتاة- الذي يظهر بصورة شيطانية تسير في نفس نسق الصورة النمطية للإسرائيلي- وكأن شغل اسرائيل الشاغل هو استيعاب الشباب المصري الى داخلها. أرى ان اوجه المحاولات التي طرحت قضية معاهدة السلام بين مصر واسرائيل من جهة والرفض الشعبي من جهة اخرى هو فيلم "السفارة في العمارة"(2005) للكاتب يوسف معاطي الذي طرح القضية بشكل اقرب للواقع من غيره عندما يفاجأ البطل شريف خيري (عادل امام) العائد الى مصر بعد غياب دام عشرين عاما ان جاره هو السفير الاسرائيلي الذي يحاول بكافة الطرق ان "يتواصل" معه اشارة الى اهمية التطبيع للجانب الاسرائيلي لكن يبقى نبض شريف خيري معبرا عن نبض الجماهير رافضا للتطبيع متعاطفا مع القضية الفلسطينية، وتهتف الجموع في احد مشاهد الفيلم :مش هنسلم مش هنبيع مش هنوافق عالتطبيع!

تقديم الشخصية الاسرائيلية
اما آخر الافلام المصرية التي تناولت شخصية اليهودي والاسرائيلي كان فيلم "ولاد العم" (2009) لشريف عرفة والذي اعاد تقديم الشخصية الاسرائيلية النمطية حيث ركز على ابراز ملامح الشر والمكر والعنف في عدة شخصيات في الفيلم اهمها شخصية البطل المصري اليهودي الذي عمل كرجل مخابرات يصل به الامر الى التخلي عن زوجته ولم يتوان عن محاولة قتلها رغم انها أم اطفاله، والجارة اليهودية التي ينقلب حالها من امرأة طيبة الى متآمرة تحمل السلاح في وجه جارتها المصرية الموجودة عنوة في اسرائيل، لكن في نهاية المطاف ينتصر جهاز المخابرات المصري وينقذ البطلة. لا ينفي ذلك وجود رؤى سينمائية محتضنة لليهودي مستذكرة ماضيه كجزء من الاجماع المصري العربي حتى وان لم يكون المحور الرئيسي الاحداث ،نرى ذلك في فيلم "اسكندرية ليه"(1979) ليوسف شاهين الذي يعرض قصة حب في الأربعينيات من القرن الماضي بين شاب مصري وفتاه يهودية لم تتكلل بالنجاح لقرار والدها بالهجرة من مصر دلالة على بداية هجرة اليهود من مصر وفيلم "هليوبوليس"(2009)لأحمد عبد الله الذي يعرض بين قصصه قصة عجوز يهودية تتكلم عن ذكرياتها الجميلة في مصر مقارنة بحالها اليوم ،اذ تفضل ان يعرّفها الناس "خواجاية" مخفية يهوديتها امام المجتمع.

الصهيونية واحتكار اليهودية
قضية اليهودي في السينما المصرية هي خير تعبير حي وموثق لتنوع وتجانس مجتمع عربي احتضن اليهودي كجزء منه وفي هذا الشرق كان اليهودي فنانا ومبدعا ومشاركا في صناعة السينما، في ايام كان اليهودي في اوروبا يعاني من ويلات العنصرية والملاحقة والقتل. انقلبت احوال هذه الألفة والقبول مع قيام الصهيونية باحتكار اليهودية وايجاد المبررات الدينية لإقامة الدولة العبرية- على انقاض مجتمع فلسطيني عربي-المحتكرة للديمقراطية في الشرق الاوسط! قد يكون للتصور السينمائي المصري اخفاقات احيانا وبعد عن رصد واقع المجتمع الاسرائيلي بدقة ،امر من الممكن تطويره لإعطاء مصداقية اكبر من خلال الاستعانة بخبراء وعمل بحث جدي في هذا المضمار، لكن بالمجمل يمكن القول ان التعبير السينمائي المصري فصل بين اليهودية والصهيونية ولم يقع في فخ الكراهية العمياء لكل ما هو يهودي ويعود ذلك للإرث المشترك، ويبقى مستقبلا ان نرى هل من تغيرات سياسية مفصلية لها ان تؤثر على التصورات السينمائية المقبلة؟

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

التعبير السينمائي المصري فصل بين اليهودية والصهيونية ولم يقع في فخ الكراهية العمياء لكل ما هو يهودي ويعود ذلك للإرث المشترك

نلمس وجود اليهودي حتى في بعض عناوين الافلام المصرية مثل :"فاطمة وماريكا وراشيل"(1949) و"حسن ومرقس وكوهين"(1954)

مقالات متعلقة