الطفل يعشق أن يؤدي دور المهرج في محيطه ربّما نتيجة لرغبته في جذب الإنتباه وأن يكون محور اهتمام الآخرين
من خلال الروح الفكاهية والفرحة والمَقالب اللطيفة يتمكن الطفل من إغناء مكتبته الفكرية والمعرفية وصقل المهارات التي اكتسبها ويصبح بارعاً في استخدام المفردات والعبارات
يعشق طفلك المزاح والقيام بالمقالب، لكن حبه للمرح لا يكون دائماً موضع قبول، وقد يتحول أحياناً إلى مصدر إزعاج للمحيطين به الذين يعمدون إلى التهرُّب منه أو تجنب دعوته إلى بعض اللقاءات تفادياً لنشوب المشكلات. فهل يجب تشجيعه على الاستمرار في أداء دور المهرج؟ أم يجب إفهامه أن للمرح والمقالب حد معين؟
صورة توضيحية - تصوير: Thinkstock
يتمتع بعض الأطفال بروح الفكاهة، فيشيعون من حولهم الفرح والضحكات، وهذا في حد ذاته يدعو إلى الإطمئنان على وضع الطفل، لأنّ المرح وحب الفكاهة ليسا سوى مؤشرين إلى الصحة الجيِّدة للطفل على الصعيدين الجسدي والنفسي. من هنا تأتي ضرورة حث الطفل أكثر على المرح والفرح وعدم الممانعة، من أن يكون "مهرِّج الصف" حتى لو شكّل إزعاجاً للآخرين، لأن الضحك والمزاح هما أفضل وسيلة لتعلم كيفية تخطي العوائق ومواجهة صعوبات الحياة، إضافة إلى ذلك يشير الخبراء إلى أنّ المرح والحس الفكاهي يُسهمان بشكل كبير في نمو الطفل وتطوره.
التقرُّب من عالم الراشدين
عندما نتحدث عن المرح والفرح نعني أيضاً اللعب والتسلية، ومثلما هو معروف يعشق الطفل أن يؤدي دور المهرج في محيطه، ربّما نتيجة لرغبته في جذب الإنتباه وأن يكون محور اهتمام الآخرين، إذ غالباً ما نراه يقوم بحركات تافهة ولا معنى لها فقط من أجل أضحاك الآخرين. من الممكن أن نتفهم تصرفه هذا إذا وضعنا أنفسنا مكانه، فهذا الطفل البريء الذي لم يختبر بعدُ صعوبات الحياة وتجاربها، لا بدّ أنّه يرى الكثير من الجدية في التفاصيل اليومية التي يعيشها الإنسان، وهذا ما يبعث في نفسه الملل حتى اليأس، إلا أن أسلوبه في مواجهة هذا الوضع الحزين يكمن في تقليده بعض مشاهد الحياة اليومية، بأسلوب كوميدي يدفع الآخرين إلى التوقف لحظة والإمعان قليلا في حقيقة المشهد والتفكير، ربما في أنّ الأمور لا تتساهل كل هذه الجدية والحزن. إنها طريقته في التقرُّب من قيم العالم الحقيقي الذي سوف يخوض غماره بعد فترة زمنية معينة من دون أن يصطدم معها. فالتهريج وروح الفكاهة يحتّمان عليه أيضاً أن يكون مُطّلعاً على القوانين المفروضة والممنوعات التي ترتبط بنمط الحياة اليومية لمزجها بقوانينه الخاصة. في الواقع، إنّ الطفل المهرِّج والمحب للمرح يعي تماماً ما الممنوع والمسموح في العالم الحقيقي، كما يعرف تماماً المخاطر التي قد تنجم عن عملية انتهاك القوانين.
وسيلة إيجابية لمواجهة الحياة
يُعتبر المرح بمثابة انتهاك "صحي" وغير خطير للضغوط والهموم الحياتية، كما أنّه وسيلة مفيدة في التعلم، إذ يستخدمه الأساتذة أحياناً لتلقين الأطفال المعلومات بشكل سلس، فلا شيء يضاهي المرح والضحك في حفز الطفل إلى التعلم. إذن، من خلال الروح الفكاهية والفرحة والمَقالب اللطيفة يتمكن الطفل من إغناء مكتبته الفكرية والمعرفية وصقل المهارات التي اكتسبها ويصبح بارعاً في استخدام المفردات والعبارات والتلاعب بها وتطويعها وتحويرها لتصيب الهدف الذي يريده، ما يدل على تمكنه التام من لغته. مثلا، كثيراً ما نسمع الأطفال يدمجون بين الكُنية والاسم، أو أنهم يسخرون من أحد الأسماء التي توحي لهم بشيء ما. فإذا كانت جارتك تُلقّب بـ"أم غازي"، توقعي أن يناديها طفلك بـ"أم كهربائي". صحيح أن جارتك سوف تنزعج من هذا الأمر وسوف تشعرين بالإحراج أمامها، إلا أنك في قرارة نفسك ستضحكين وتفرحين من قدرة طفلك على تخيُّل الأشياء وربط الأمور ببعضها بعضاً.
جذب الناس
من الصعب أن يضحك الإنسان وحده، لأنّ الضحك والمرح وحس النكتة تتغذى من وجود الآخرين، وهذا ما يتيح للطفل الإنفتاح على العالم من حوله وتكوين الصداقات. هذه هي وسيلته للإنخراط في المجتمع.
السيطرة على المخاوف ومشاعر القلق
غالباً ما يتصرف الطفل أمام حادثة ما مزعجة بأسلوب ساخر، فترينه مثلا يقهقه من الضحك إذا تعثر والده ووقع على الأرض رافعاً يديه ورجليه في الهواء، ولا يكتفي بذلك، بل يقوم بتقليد المشهد، مع علمه تماماً أنّه كان في الإمكان أن يتعرض والده للأذى جرّاء سقطته تلك، غير أن أسلوبه في تحويل المشهد إلى فعل كوميدي يساعده في التغلب على مشاعر القلق والخوف التي ربّما تملكته في تلك اللحظة.
المعارضة أو المجابهة
بدلا من السكوت عن موقف ما مثير للإزعاج يختار الطفل مواجهة الموضوع، فهو يُعبِّر عن عدم رضاه أو رفضه شيئاً ما بأسلوب مرح وساخر مُثير للضحك. مثلا، عندما يرى شقيقه المولود حديثاً ويلاحظ مدى طراوة بشرته وكثرة ثنياتها، لا تُفاجئي من قوله: "أُمي إن طفلك الجديد يحتاج إليك"، هذه هي طريقته في التعبير عن الصراع الداخلي الذي يُعانيه والذي يزعجه، وهو ناتج عن مشاعر الغيرة من هذا المخلوق الجديد الذي سوف يزاحمه على حبك واهتمامك.
المرح جيِّد للصحة
لا تقلقي من الحس الفكاهي الذي يتمتع به طفلك، إذ لا توجد أي آثار جانبية للمرح والضحك بل على العكس، فقد أثبتت الدراسات أنّ الضحك يُرخي العضلات ويُحسن من كمية دخول الأوكسجين الجسم. وقد لاحظ الخبراء أنّه بعد جلسة من الضحك يهدأ نبض القلب ويتراجع الضغط الشراييني، ويزيد نشاط نظام المناعة. مثلا، تزيد كمية إفرازات هرمون "الأندروفين" المسؤول عن تبديد مشاعر الألم. كذلك يسهم الضحك والمرح في علاج مشكلة الأرق الليلي ومشاعر الغضب.
موقع العرب يتيح لكم الفرصة بنشر صور أولادكم.. ما عليكم سوى ارسال صور بجودة عالية وحجم كبير مع تفاصيل الطفل ورقم هاتف الأهل للتأكد من صحة الأمور وارسال المواد على الميل التالي: alarab@alarab.net