سميح غنادري في مقاله:
المطلوب أن تمنح أحزابنا الناخب العربي أفقاَ بانه قادر على التأثير لما فيه صالحه وصالح شعبه والديمقراطية والعدالة والسلام والمساواة عموما
هنالك تطورات وتبدلات وظهور أحزاب وشخصيات جديدة داخل معسكر الوسط ومن على يساره تجعل من إمكانية دحر معسكر نتنياهو أمراَ وارداَ على الأقل
انتصار معسكر اليمين المتطرف يعني التصعيد الخطير لسياسة الاحتلال والاستيطان وقبر أفق حل الدولتين وشن مغامرات عسكرية وحرب ليس فقط ضد إيران
لم تصل نسبة اقتراعنا إلا إلى 52%! فكيف ستكون الحال في الانتخابات القادمة في ظل استشراس الاحزاب الصهيونية على كل صوت في الوسط العربي لحسم المعركة بين معسكريها؟
انتخابات 22.1.2013 القادمة ليست كانتخابات 2009 السابقة لا من ناحية ظروفها والقوى الحزبية الفاعلة فيها على عموم البلاد وما قد تفرزه من نتائج ولا من ناحية وضع الجماهير العربية - سياسياَ واجتماعيا وثقافياَ واستعداداً للإقتراع
المطلوب من أحزابنا ان تدرس الخارطة السياسية والحزبية في البلاد بعمق ومسؤولية بما فيها تجربة الانتخابات الماضية وأن لا تحيل حملة الانتخابات الحالية إلى معركة فيما بينها على تقاسم الصوت العربي وأن تتصدى للاحزاب الصهيونية التي وصلت الوقاحة ببعضها إلى العودة لإحياء جثة حزب عربي مرتبط بها في هذه الانتخابات
أخشى أن قبلية الأحزاب وحزبية القبائل- (اقرأوا السقط الكلامي الذي يكتبه نشطاؤهم في مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل "دعوة"(؟!) قادتهم للوحدة وللعمل المشترك)- وما تركته هذه القبلية الفئوية من ترسبات وتراكمات وعداوات وضغائن ونفور وخراب اجتماعي وثقافي ونفسي، ستكون يدها هي العليا
أقترح على الأحزاب والكتل البرلمانية الفاعلة وطنياَ بين الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل، "الجبهة" و"الموحدة" (الاسلامية والعربية للتغيير) و"التجمع"، أن لا تستكين لاستطلاعات رأي إسرائيلية يهودية "ضمنت" لكل منها كامل تمثيلها الحالي في الكنيست زائد عضوَ. فانتخابات 22.1.2013 القادمة ليست كانتخابات 2009 السابقة، لا من ناحية ظروفها والقوى الحزبية الفاعلة فيها على عموم البلاد وما قد تفرزه من نتائج، ولا من ناحية وضع الجماهير العربية - سياسياَ واجتماعيا وثقافياَ واستعداداً للإقتراع. ومن يعوم على شبر ماء، قد يغرق غداَ في بحر ماء أمواجه عالية. وقد تؤدي الانتخابات بالبعض إلى الصراع على عبور نسبة الحسم أو الحفاظ على قوته بشق النفس، لا زيادة تمثيله.
دحر معسكر نتنياهو
سيتمحور الصراع في الساحة الإسرائيلية عموماَ وبين اليهود خصوصا على ضمان غالبية برلمانية لتشكيل الحكومة القادمة، بين معسكرين: معسكر اليمين المتطرف والأحزاب الدينية الأصولية والاستيطانية الأشد تطرفاَ، ومعسكر قوى وأحزاب الوسط وكل من هو على يسارها. الأمر غير محسوم نهائيا لصالح نتنياهو، وهذا هو السبب الأساسي- حسب رأيي- الذي دفعه ودفع ليبرمان إلى الامتزاج.
ثم هنالك تطورات وتبدلات وظهور أحزاب وشخصيات جديدة داخل معسكر الوسط ومن على يساره تجعل من إمكانية دحر معسكر نتنياهو أمراَ وارداَ على الأقل. وسيقود هذا إلى جعل الاقتتال على كل صوت أشبه بحرب ضروس، بما فيه صراع الاحزاب الصهيونية على الصوت العربي لصالح هذا المعسكر أو ذاك.
الانفصال عن المجتمع
انتصار معسكر اليمين المتطرف يعني التصعيد الخطير لسياسة الاحتلال والاستيطان وقبر أفق حل الدولتين وشن مغامرات عسكرية وحرب ليس فقط ضد إيران. هذا عدا عن تصعيد الهجمة على الديمقراطية والمجتمع المدني وسلطة القضاء والقانون، مع كل ما سيرافق هذا من تعميق وتعميم للتشريع العنصري. أضف إلى هذا تسعير الهجمة على لقمة العيش وحقوق العاملين وخدمات الرفاه الاجتماعي، عداك عن الانفلات العنصري بحق المواطنين العرب وجرّ كل الدولة نحو منحدر دولة ابرتها يد.
لا تقولوا لي إن لا دخل للعرب بهذا. نحن مواطنون في هذه الدولة. هنا نولد ونلد وننشأ ونتعلم ونعمل ونأكل ونشرب ونلبس ونتنفس. ليس بإمكاننا الانفصال عن هذا المجتمع، ولم يأت من وراء الحدود، ولا يظهر أنه سيأتي، الفارس الأسمر على جواده الأبيض لانقاذنا. ما لنا إلا أنفسنا ومقارعة هذه السياسة وقرع جدران الخزان وإلا نموت داخله. سيكون العرب أول وأكثر المتضررين من تداعيات انتصار اليمين المتطرف (ولا أقول بهذا أن الوسط الصهيوني هو المنقذ لنا). وهكذا سيكون شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية جمعاء، ونحن جزء لا يتجزأ منهما وبقية بقاياهم- أقلية في وطنهم.
تقاسم أحزابنا العربية لاوراق اقتراع
ولا تقولوا لي إننا "كنا في هذا العرس" في انتخابات 2009، و"انتصرت" أحزابنا وكتلتنا البرلمانية مع فائض بالاصوات. أولاَ، "العرس" جديد و مليء بالمستجدات. ثانياَ، نتائج الانتخابات الماضية في الوسط العربي ليست معياراَ. تلك انتخابات جرت بعد شهر ونيّف من الحرب الإجرامية على غزة بكل موبقاتها. غابت يومها الأحزاب الصهيونية عن الوسط العربي، و"غاب" العديد من مندوبيها وموظفيها في العديد من بلداتنا حتى عن مراقبة عملية التصويت وفرز الأصوات. فصوّت من صوّت من العرب "وانتخب" من لم يحضر للاقتراع! والعديد ممن حضر للمراقبة سدوا أفواههم وأغمضوا عيونهم وأغلقوا آذانهم، حتى عن تقاسم أحزابنا العربية لاوراق اقتراع أضيفت إلى الصناديق قبل إغلاقها.
التمييز القومي والمدني
رغم هذا لم تصل نسبة اقتراعنا إلا إلى 52%! فكيف ستكون الحال في الانتخابات القادمة في ظل استشراس الاحزاب الصهيونية على كل صوت في الوسط العربي لحسم المعركة بين معسكريها؟ ثم من المتوقع أن ترتفع نسبة التصويت بين اليهود، وأن تنخفض أكثر نسبة تصويت العرب - الأمر الذي يعني المزيد من قضم تعداد الأصوات العربية وترجمتها إلى أعداد من النواب العرب. لذلك كله لا بد من رفع نسبة تصويت العرب للأحزاب والكتل الوطنية الفاعلة بينهم، إذا ما أردنا الحفاظ على مجرد تعداد ما حصلنا عليه من نواب في الانتخابات الماضية. علماَ بأن قوتنا الانتخابية الكامنة، إذا ما اقترعنا بنسبة 70%، تتراوح بين 15-18 عضو برلمان. أما في الكنيست الحالية فعدد نوابنا 11 فقط - أربعة لكل من الجبهة والموحدة وثلاثة للتجمع.
وأخيراَ، تبقى القضية الأساس تصعيد دور وقوة جماهيرنا العربية ونوابها في التأثير على البرلمان الذي تقرر غالبيته أية حكومة ستقوم. هذا يتطلب زيادة تمثيلنا وكنس الأحزاب الصهيونية من وسطنا العربي حتى نكون سدأ مانعاَ امام حصول معسكر اليمين المتطرف على دعم 61 عضو برلمان من أصل الـ 120، وحتى نكون قوة تمثيلية كبيرة لعموم العرب يستصعب ويتعذر على أي معسكر صهيوني أن يتجاهلها. وبهذا نعطي الأمل حتى للناخبين اليهود وأحزابهم أنه بالإمكان دحر معسكر اليمين المتطرف.
لا أقصد بما ذكرته أعلاه، أن نكون قوة احتياط في الشارع الخلفي لأحزاب الوسط ومن هو على يسارها، ولا راقصة بطن على موائدها وتابعا ذليلا لها. بل أقصد أيضاَ منع أحزاب الوسط الصهيوني ومن هو على يسارها من سلب اصواتنا بحجة منع تشكيل حكومة يمين متطرف. وأتحدث عن كوننا ذاتا قومية وفاعلة تجيد التصرف كشعب حتى نحقق حقوقنا كشعب، دون التنازل والتقاعس قيد أنمله عن واجبنا في التأثير على الوسط اليهودي والتعاون مع قواه اليسارية والديمقراطية الليبرالية الحقة، والوقوف سدا في وجه قطعان وسائبة الاحتلال والاستيطان والأبارتهايد والتمييز القومي والمدني.
ما المطلوب من أحزابنا؟
المطلوب من أحزابنا ان تدرس الخارطة السياسية والحزبية في البلاد بعمق ومسؤولية، بما فيها تجربة الانتخابات الماضية، وأن لا تحيل حملة الانتخابات الحالية إلى معركة فيما بينها على تقاسم الصوت العربي. وأن تتصدى للاحزاب الصهيونية التي وصلت الوقاحة ببعضها إلى العودة لإحياء جثة حزب عربي مرتبط بها في هذه الانتخابات، بعد أن كنا قد دفنا هذه "الجثة" قبل عقود. وأن تعطي الأمل للجماهير العربية وللقوى اليهودية الديمقراطية بأنه بالإمكان دحر اليمين المتطرف. والمطلوب أن تمنح أحزابنا الناخب العربي أفقاَ بانه قادر على التأثير لما فيه صالحه وصالح شعبه والديمقراطية والعدالة والسلام والمساواة عموما.
هذا لا يكون بالوعظ الكلامي، وإنما بالبرنامج وبالممارسة وتقديم المثال لإحياء الشارع العربي ورفع نسبة تصويته. يتم هذا عن طريق اتفاق أحزابنا على برنامج كفاحي وعقلاني مشترك يرتكز على حياتنا ومطالبنا هنا كأقلية قومية، دون التخلي أبداً عن الكفاح من أجل السلام العادل. برنامج تقوده قائمة واحدة مشتركة في ما بينها تضم بعد المرشح الحادي عشر مثلاَ (حتى لا يفزع أي حزب من تمثيله الحزبي القائم اليوم) عدة شخصيات وطنية مستقلة اعتبارية وذات تأثير ومكانة اجتماعية. قائمة مشتركة لشعب بأسره، تدفن نهج قبلية الأحزاب وحزبية القبائل التي لاكتنا وشرذمتنا وجعلت العديد منا يعزف عن السياسة والفعل الاجتماعي وحتى عن التصويت.
تتسابق أحزابنا عشية كل انتخابات في الدعوة لتشكيل قائمة "موحدة"، "مشتركة"، "ائتلافية". نحبل "بالوحدة" كلاما وتصريحاَ عشية الانتخابات، ووحدها الوحدة تبقى عاقراَ. الحمل الشفوي، التمثيلي والكلامي، لا يخلّف. لقد آن الأوان ومنذ أوان أن يلد حَملـُنا- حُلمَنا.
قائمة واحدة مشتركة كهذه ستزيد من نسبة تصويتنا وستغلق الأبواب أمام استكلاب الأحزاب الصهيونية علينا، وسترفع من تمثيلنا البرلماني. لكن ما لا يقل أهمية عن هذا، بل ويفوقه، هو الأثر الايجابي السياسي والاجتماعي - حتى لو لم يزدد تمثيلنا البرلماني - على سلوكنا ومؤسساستنا وأطرنا التمثيلية والأهلية وعلى هويتنا الثقافية ونفسيتنا وثقافة ومستقبل أجيالنا الصاعدة.
غني عن البيان أن قائمة برلمانية واحدة مشتركة كهذه، وببرنامج مشترك، لا تلغي استقلالية وتعددية أحزابنا الوطنية ولا أيديولوجياتها وبرامجها الخاصة. لكنها نعم تلغي اعتمادها "الكرسي- لوجيا" الفئوية الضيقة على حساب الهوية القومية الديمقراطية الجامعة، وتساهم في تنقية أجواء الخراب الاجتماعي الحاصل في بلداتنا.
قبلية الأحزاب وحزبية القبائل
أشك بنضوج أحزابنا لهكذا خيار، علماَ بأن شعبنا جاهز له ويطالب به. فهل تنضج أحزابنا لخيار آخر؟ هو تشكيل قائمتين مشتركتين، كل مع الأقرب إليه سياسياَ وأيديولوجياَ، وتتفقان فيما بينهما على اتفاق فائض الأصوات وعلى عدم استحضار داحس والغبراء لحملة الانتخابات؟ قائمة، حسب اقتراحي، تجمع ما بين الجبهة والتجمع والعربية للتغيير، واخرى ما بين الاسلامية والاقرب إلى فلكها من قوى أخرى. قائمتان كهاتين ستتركان أيضاَ أثراَ إيجابيا مثل الذي تتركه القائمة الواحدة المشتركة وتحلان إدعاء بعض القوى الحزبية من مختلف الأحزاب بان التنافس هو الذي يرفع نسبة التصويت ويزيده لا الوحدة. فالقائمتان ستتنافسان معاَ على الصوت العربي. لكن بالمناسبة، هل رفعت الشرذمة والفرقة وحدّة التنافس بيت القوائم الثلاث في ثلاث انتخابات سابقة، بما فيها الانتخابات السهلة لسنة 2009، من نسبة التصويت والتمثيل البرلماني للعرب؟
أخشى أن قبلية الأحزاب وحزبية القبائل- (اقرأوا السقط الكلامي الذي يكتبه نشطاؤهم في مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل "دعوة"(؟!) قادتهم للوحدة وللعمل المشترك)- وما تركته هذه القبلية الفئوية من ترسبات وتراكمات وعداوات وضغائن ونفور وخراب اجتماعي وثقافي ونفسي، ستكون يدها هي العليا. وعندها على نفسها، وعلينا كناخبين وكشعب، ستجني براقش في 22.1.2013. نحلم ألا يحدث هذا، فما أضيق العيش لولا فسحة الحلم-الأمل. بالرغم من هذا، لن أقاطع الانتخابات وسأدلي بصوتي وسأعمل على أن يدلي الآخرون بأصواتهم. لأن المقاطعة.../ هذا هو موضوع المقال القادم.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net