تعيش الأمة الإسلامية في هذه الأيام ذكرى هجرة سيد الخلق والأنام محمد عليه الصلاة والسلام . هذه الهجرة النبوية المباركة من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة كانت من أعظم الأحداث التي غيرت مجرى التاريخ ، فقد أدت إلى إقامة الدولة الإسلامية ، التي رفعت من مكانة العرب وحولتهم من رعاة للغنم إلى سادة وقادة للشعوب والأمم . وأدت كذلك إلى بناء الحضارة الإسلامية التي أشعت بنورها على العالم كله . ولأهمية الهجرة النبوية فقد أرخ بها المسلمون عندما وضعوا التاريخ الهجري في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ومن خلال قصة الهجرة النبوية يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم ويعلم الناس جميعا أبلغ الدروس في حب الوطن ، فعندما خرج من مكة بعد تآمر أكابر مجرميها على قتله وقف على تلة من تلال مكة وخاطبها - ومشاعره تفيض حبا وألما على فراق وطنه - قائلا : " وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلىَّ ، وأكرمه على الله ، ولولا أن أهلك أخرجوني منكِ مَا خرجت " . ويأمر الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالبقاء في مكة المكرمة كي يؤدي الأمانات لأصحابها ، رغم هذه الظروف الشديدة التي كان من المفروض أن يكتنفها الاضطراب ، بحيث لا يتجه التفكير إلا إلى إنجاح خطة هجرته فقط،وهذه إشارة عظيمة منه صلى الله عليه وسلم لأهمية تأدية الأمانات وردها إلى أصحابها .
ويختار عليه الصلاة والسلام صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه رفيقا له يعينه على السفر ، ليعلمنا أهمية اختيار الأصدقاء والرفاق الذين يعينون على الحق ، ويساعدون على تخطي الصعوبات . ويدخل الرسول صلى الله عليه وسلم "غار ثور" بصحبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فينسج العنكبوت خيوطه على باب الغار ، وتبيض الحمامة على باب الغار ويصعد فريق من ملاحقيه من كفار قريش الجبل ويقفون على الباب فلا يطأطيء أحدهم رأسه لينظر في الغار . قال أبو بكر: يا رسولَ الله ، لو نظرَ أحدُهم إلى أسفلِ قدميه لرآنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟!
إنها المعجزات الإلهية والكرامات التي تكون مع الأنبياء وأصحاب الدعوات كي تؤكد صدق دعوتهم !
وما حوى الغـــارُ مِن خيرٍ ومِن كَرَمِ * * * وكُــلُّ طَرْفٍ مِنَ الكفارِ عنه عَمِي
فالصدقُ في الغــارِ والصدِّيقُ لم يَرِمَـا* * * وهُم يقولون مـا بالغــارِ مِن أَرِمِ
ظنُّوا الحمــامَةَ وظنُّوا العنكبوتَ على* * * خــيرِ البَرِّيَّـةِ لم تَنسُـجْ ولم تَحُمِ
وِقَـــايَةُ اللهِ أغنَتْ عَن مُضَــاعَفَةٍ* * * مِنَ الدُّرُوعِ وعن عــالٍ مِنَ الأُطُمِ
ويتجلى دور المرأة المسلمة في الهجرة الشريفة من خلال الدور الذي قامت به عائشة وأختها أسماء ذات "النطاقين" رضي الله عنهما حيث حافظتا على سر الهجرة الذي لم يعلم به سوى عدد قليل من الناس ، وانشغلتا بتحضير الطعام وسائر لوازم الرحلة الطويلة إلى المدينة المنورة ،وتصعد أسماء الجبل العالي وتحضر الطعام إلى أبيها الصديق والنبي صلى الله عليه وسلم . هذا الدور العظيم للمرأة في الهجرة النبوية جاء ليؤكد اعتناء الإسلام بالمرأة وتكريمه لها حيث أنها الركيزة الأساسية في بناء الأسرة والمجتمع الصالح ، في زمن نسمع بعض الناس يتهم الإسلام والمسلمين بظلم المرأة وحرمانها من حقوقها مع أن الإسلام الحنيف كرم المرأة أعظم تكريم بعد أن كانت في الجاهلية مهضومة الحقوق تعد من سقط المتاع لا يقام لها وزن .
نرجو أن نكون قد وفقنا في هذه العجالة في إلقاء الضوء على بعض معاني الهجرة النبوية المباركة .
موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع علي العنوان: alarab@alarab.net