1
قهقه البيت ضاحكا بسعادة عندما كانت ياسمين تفرك جدرانه بالماء البارد في أيام الصيف الحار، عندما أتت العطلة الصيفية.
2
وكان البيت حزينا جدا قبل ذلك، خاصة عندما أغلق أخوها خالد الباب بقوة. فاهتزت جدران البيت من شدة الضربة، ومن شدة الخوف. ثم رآه وهو يطل برأسه من النافذة العليا في الطابق الثاني فخاف أكثر.
والبيت يرتجف خوفا عندما يصعد خالد إلى سطح البيت ليلعب كرة القدم مع أخيه باسل. يخاف عليهما من السقوط عن سطحه.
3
وما زاد حزنه أن مريم لم تطفئ المروحة قبل مغادرة البيت وتركت الماء في الحمام مثل بركة كبيرة بعد أن استحمت الليلة الماضية، ولم ترجع معجون الأسنان إلى مكانه وتركت ملابسها على أرض الحمام. وكانت مريم في الشتاء تنسى المدفأة فيخاف البيت من أن يحترق. ولا يطمئن البيت إلا عندما تأتي الماما أو ياسمين وتطفئ المدفأة أو المروحة.
4
والبابا أحزنه أكثر من الجميع، لأنه بنى البيت ولم يضع حماية على النوافذ ولا على الدرج العالي المخيف بين الطابقين الأول والثاني ولا على الشرفة. ووديع أيضا يسبب الحزن للبيت لأنه يسخن الخبز المدهون باللبنة على الغاز، وأحيانا ينسى أن يطفئه.
5
وتبدل حزن البيت الى فرح بسرعة عندما رأى ياسمين ترتب سريرها وتضع حذاءها في خزانة الأحذية، ثم تجمع ألعابها وتضعها في صندوق الدمى وتعيد فرشاة الأسنان إلى مكانها، وترتب الكتب والدفاتر في المكتبة.
6
وفي أحد الأيام شعر البيت بضيق شديد عندما كان أهل البيت يتناولون الغداء، وسمع الماما تقول لياسمين إنها ستأخذها لزيارة جديها. وأن هذه الزيارة ستتم غدا وستبقى ياسمين هناك عدة ايام. والبيت يعلم جيدا أن ياسمين تحب دار جدها وجدتها كثيرًا.
7
وبدأ البيت يفكر. وفي تلك الليلة بقي سهرانا. لم يستطع النوم، وبقي يتساءل: كيف سأتعامل مع إخوة ياسمين المشاغبين عندما ستذهب هي مع أمها لزيارة جديها؟ كم يوما ستبقى هناك؟ كيف سيضمن سلامة إخوتها عندما يكون والدها في العمل؟ وبدأ يفكر ويفكر ويفكر... إلى أن وجد الحل...
8
في الصباح الباكر، كان البيت أوّل من استيقظ. ولبس حذاءه الرياضي. وانتظر حتى غادرت ياسمين البيت مع أمها وودعته من بعيد ولم تعرف ماذا سيفعل.
مشى البيت وراءهما. إلى أن لاحظ بأن الباص أتى وركبت فيه ياسمين وأمها...
9
ركض البيت إلى الباص وحاول الركوب، لكنه كان ضخما ولم يستطع الدخول من باب الباص، لأن الباب ضيق جدا. ثم مر ياسين، صديق خالد على دراجته، فطلب منه أن يركب وراءه. لكن المقعد كان ضيقا ولم يتسع للبيت الكبير.
10
فكر البيت قليلا وهو واقف على الرصيف. ثم قرر أن يمشي وراء الباص. وعرف أن خطواته كبيرة وواسعة وقد يلحق به. وبالفعل، صار البيت يمشي بسرعة، لكن الباص كان أسرع منه بقليل.
11
وصل البيت إلى دار الجدين متعبا يلهث ويتصبب عرقا. تردد قليلا ثم قرع الباب. طلبت الجدة من ياسمين أن تفتح الباب... وتفاجأت عندما رأت بيتها يمد يده ليصافحها. كان البيت يلهث ويقول: عودي إليَّ يا ياسمين بسرعة. فلا أعرف كيف أعيش بدونك. ضحكت ياسمين. ضحكت أمها وضحك جداها.
ولما رآهم البيت يضحكون بفرح، ضحك هو أيضا وعادت إليه سعادته.