الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 31 / أكتوبر 23:02

الفقر في المجتمع العربي واقع أم سياسة ممنهجة؟ د.سامي ميعاري

كل العرب
نُشر: 11/12/12 13:16,  حُتلن: 08:22

د.سامي ميعاري في مقاله:

الفقر عامل مؤثر في تأجيج العنف لأنه يوجد حالة من الفلتان العصبي والنفسي

لا بد من الحد من التمييز في الأجور ضد المواطنين العرب لأن مقياس عدم المساواة المتبع في إسرائيل بين الأغنياء والفقراء سوف يقود إلى مزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي

لا بد من العمل على استراتيجية للحد من الفقر داخل المجتمع العربي ضمن سياسة تنموية بعيدة المدى تؤدي إلى خلق فرص عمل مستدامة مع الاستمرار في تقديم المخصصات الاجتماعية

حجم الفقر في أي مجتمع هو من أهم المؤشرات على سمة هذا المجتمع والحد منه يجب أن يتصدر الأهداف التنموية لهذا المجتمع فتراجع حدة الفقر تدل على عدالة كبرى في توزيع الثروات وإرساء أفضل للعدالة الاجتماعية


الفقر مشكلة البشرية منذ الأزل، وهو الشغل الشاغل للعالم بأسره، وقديماً قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - : "لو كان الفقر رجلاً لقتلتُه". وقد اهتمت جميع الأديان والكتب السماوية بالفقر، وكذلك الاتفاقات الدولية والنُّظُم الحديثة باعتباره مشكلة الشعوب والأُمم. وقد حدّدت كل دولة في العالم حداً اسمه خط الفقر، وذلك بحسب اقتصادها ومواردها، فمن كان دون مستوى خط الفقر فهو قابع في قفص البؤس والشقاء، ومن هم أعلى من ذلك الحد فأولئك الذين يسمون أغنياء أو متوسطي الحال. من هنا نستنتج بأنه لا يجوز أن تظل النظرة إلى الفقر نظرة شفقة وتعاطف فقط – وإن كان هذا الإحساس مطلوباً – لكن تصحيح النظرة إليه باعتباره مشكلة عامة، نحن كلنا أطراف مساهمون في خلقها، أو مُقصّرون في الحدّ منها والقضاء عليها، هذا التفكير الذي يجب أن يسود ليُشكل حافزاً للمؤسسات والأفراد كي يسعوا نحو حلحلة هذه المشكلة الكبيرة. ونحن نناقش هنا المشكلة في مجتمعنا العربي، داخل إسرائيل نجد بأن الفقر في إسرائيل، فقر عربي اكتسب صفة العروبة وكأنه حِكر على العرب وفيروس لا يصيب إلا العرب أو الأقليات الأخرى... فإذا كانت نسبة الفقر هنا تُقاس بمستوى المعيشة الذي يتحدد بدوره وفقاً لمتوسط الدخل الصافي الحقيقي، فإننا نجد بأن الأسرة العربية تتصدر لائحة الذين هووا تحت مستوى خط الفقر أي: دون 50% من متوسط الدخل الصافي الحقيقي في البلاد.

ارتفاع معدل الفقر
إن حجم الفقر في أي مجتمع هو من أهم المؤشرات على سمة هذا المجتمع، والحد منه يجب أن يتصدر الأهداف التنموية لهذا المجتمع... فتراجع حدة الفقر تدل على عدالة كبرى في توزيع الثروات وإرساء أفضل للعدالة الاجتماعية. فما يزال الوسط العربي يرزح تحت معاناته من الفقر المُدقِع على المستويات كافةً، حيث يشير التقرير الصحافي السنوي، الصادر عن مؤسسة التأمين الوطني إلى تصدّر الوسط العربيّ لائحة الفقر في إسرائيل. ومن أجل مزيد من التوضيح لهذه الظاهرة، فإنني أكتفي بالدليل الكامن في آخر تقرير التأمين الوطني الصادر في هذا العام، 2012 ،فقد أفاد بأنه قد انضمت 8,900 عائلة في إسرائيل هذا العام إلى لائحة الفقراء بينها 8,300 عائلة ،عربية أي ما نسبته 93% من عدد الأسر المستجدة في نادي الفقراء في إسرائيل. إن عدد العائلات الفقيرة في إسرائيل لهذا العام بلغ 442,200 عائلة ،وهو ما يعادل 19.9% من مجمل عدد العائلات في إسرائيل، مقارنة ب 19.8% العام الماضي (2011) وبهذا يكون عدد الأشخاص القابعين تحت مستوى خط الفقر 1,838,600شخص منهم 860,900 طفل، مما يدل على ارتفاع نسبة الأطفال الفقراء من 35.3% في العام 2010 إلى 35.6% في العام 2011 . وعند العودة إلى الوسط العربي ومطالعة معطيات الفقر فيه، نجد بأنها أرقام مخيفة ومقلقة ومحبطة ولافتة للنظر. فقد ارتفع معدل الفقر في هذا الوسط من 53.2% العام 2010 إلى 53.5% في 2011. ونسبة الأطفال العرب الفقراء ارتفعت من 65% في 2010 إلى 66% في 2011.  لعل هذه الأرقام تبعث مجموعة من التساؤلات التي لا بد من إيجاد الأجوبة عليها. هذا عن النسب والأرقام والمعطيات فماذا عما وراءها من دلالات؟
 
أسباب الفقر
لنبحث وراء الأسباب أولاً عن هذا الفقر الرهيب، فوفقاً لمعطيات التأمين الوطني فإن السبب الأول هو أن الأُسر الفقيرة تعرّض أحد المُعيلَيْن لفقدِ عمله، أو تعرّض أحدهما لازدياد السوء في شروط عمله.
والسبب الثاني هو تآكل الأُجور والارتفاع في مقياس عدم المساواة بين الفقراء والأغنياء، فمتوسط الدخل يكون قد ارتفع إلى حدٍّ يعني انضمام عائلات جديدة إلى ما دون خط الفقر.
أما السبب الثالث فيتركز في سوء توزيع الثروة ،لأن رأس المال أصبح حِكراً على شريحة الأغنياء! والسؤال المطروح هنا: كيف يمكن إعادة توزيع مثل هذه الثروة؟؟؟
ثمة سبب رابع لازدياد هذه النسبة يتمثل في وجود شريحة من العاطلين عن العمل، أو وجود شريحة تعمل بعمل ذي مردود غير كافٍ للعائلة، إلى جانب عدم المساواة في الدخل وانخفاض إنتاجية العامل، فكل هذا يلخص أسباب الفقر في الوسط العربي في افتقاد الأُسرة للقدرة على إعالة نفسها ذاتياً ،فضلاً عن البطالة المستشرية والميزانيات الشحيحة، والافتقار إلى تطوير البنية التحتية للمجتمع العربي، مع عدم إتاحة الفرص لأبناء هذا المجتمع للعمل في القطاع العام.

انحصار رأس المال في يد شريحة صغيرة
إزاء مؤشرات كهذه، لا بد من العمل على استراتيجية للحد من الفقر داخل المجتمع العربي، ضمن سياسة تنموية بعيدة المدى، تؤدي إلى خلق فرص عمل مستدامة، مع الاستمرار في تقديم المخصصات الاجتماعية... وكذلك لا بد من الحد من التمييز في الأجور ضد المواطنين العرب، لأن مقياس عدم المساواة المتبع في إسرائيل بين الأغنياء والفقراء، سوف يقود إلى مزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي. إن ازدياد الفجوة أمر مقلق ويدل على أن رأس المال محصور في يد شريحة صغيرة، مما يعقد إعادة توزيع هذه الثروة بشكل عادل. يظل الفقراء في ازدياد فيما تتكدس الثروات بيد الأغنياء لتتلاشى الطبقة الوسطى على هذا الوضع ،وينقسم المجتمع إلى فسطاطين: غنى فاحش وفقر مدقع. لعل هذا المقام يستدعي التساؤل عن العلاقة بين إسرائيل ومنظمة التعاون الاقتصادي OECD التي انضمت إليها إسرائيل أخيراً وبشكل نهائي، والعضوية في هذه المنظمة تستوجب الالتزام بميثاقها الذي حدد لها أهدافاً منذ نشأتها بعد الحرب العالمية الثانية، منها: السعي نحو تحقيق نمو اقتصادي ثابت، ورفع مستوى المعيشة للمساهمة في تطوير الاقتصاد العالمي، والإسهام في تطوير التجارة العالمية على أساس عدم التمييز. وقد نص تقرير هذه المنظمة الصادر في أيلول 2008 تحت اسم: "نهاية التمييز في العمل"، على أن الأقليات العِرقية والنساء في الدول غير الأعضاء في المنظمة ما زالوا يواجهون صعوبة في إيجاد عمل، فيما يحصلون على رواتب أقل، مما حدا بهذه المنظمة العالمية إلى إقرار ما يُسمَّى قانون عدم التمييز بقصد تحسين المساواة والتماسك الاجتماعي لجعل الاقتصاد أكثر نجاعة.

تسجيل أعلى نسبة فقر
والسؤال هنا: كيف يمكن لدولة عضو في هكذا منظمة مثل إسرائيل أن تتمتع بالعضوية الكاملة، مع أنها تسجل أعلى نسبة فقر مقارنة ببقية الأعضاء؟ كيف تشارك في المنظمة دولة ما ،فيما لا تلتزم ولا تتبنى قوانينها، وعلى رأسها قانون عدم التمييز تجاه الأقليات العرقية. وأختم مقالي هذا بالتذكير بما تبنيناه في المقالات السابقة، عن العلاقة بين تدني الحالة الاقتصادية من جهة و العنف من جهة أخرى؟ إذ إن الفقر عامل مؤثر في تأجيج العنف، لأنه يوجد حالة من الفلتان العصبي والنفسي. وقد كانت الولايات الأمريكية المتحدة أول من تبنى هذه النظرية، وبناء على ذلك نقول: إذا كان في المجتمع العربي داخل إسرائيل 53% من العائلات الفقيرة فإن هذا يفسر لنا وجود قتيل يوميا في البلدات العربية، لأن رداءة الحالة الاقتصادية تنتج الأمراض والتوتر وسوء التغذية وسوء التعليم وفقدان السكن المناسب وغير ذلك. مما يهدد الأمن البشري.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير علي العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة