الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 02:02

الدكتور شبلي تلحمي/ بقلم: سعد الدين ابراهيم

كل العرب
نُشر: 26/03/13 11:54,  حُتلن: 11:56

سعد الدين ابراهيم في مقاله:

مثلما كان إدوارد سعيد غزير الإنتاج قوي الحجة، فكذلك شبلي تلحمي مع فارق كبير في طريقة التأثير

دراسات الدكتور شبلي تلحمي عموماً وكتابه الأخير خصوصاً جديرة بالقراءة المُتأنية والفحص الدقيق، فهو الأكثر موضوعية في قراءة العقل العربي

منذ رحل عن عالمنا المُفكر الفلسطيني، والناقد الأدبي العالمي، إدوارد سعيد، قبل عِدة سنوات، لم تعرف الساحة الأمريكية مُفكراً عربياً آخر ذا تأثير على الرأي العام ودوائر صُنع القرار، مثل الدكتور شبلي تلحمي ، الذي يشغل كُرسي أنور السادات للسلام والتنمية بجامعة ميريلاند. ومثل إدوارد سعيد، فإن شبلي تلحمي هو بدوره من أصول فلسطينية (الفلسطيني ابن قرية عسفيا المغترب في أمريكا).

ومثلما كان إدوارد سعيد غزير الإنتاج قوي الحجة، فكذلك شبلي تلحمي. مع فارق كبير في طريقة التأثير. فقد كان إدوارد سعيد يعتمد على أسلوبه الأدبي الناقد والقاطع. أما شبلي تلحمي فهو يعتمد على لُغة الأرقام والحقائق الميدانية، التي يجمعها من مُقابلات واستبيانات آلاف المواطنين العرب، الذين يختارهم بعناية فائقة، ومنهجية عِلمية صارمة. ومن ثم تأتي نتائج دراساته غاية في الأهمية، من حيث إنها تُقدم مادة عِلمية مُنضبطة، يمكن التعويل على دقتها ومصداقيتها، ويترك للقارئ حُرية استيعابها وتفسيرها.

المعرفة العِلمية
وقد دأب شبلي تلحمي على تقديم هذا النوع من المعرفة العِلمية منذ قيامه بأول استطلاعاته للرأي العام العربي عام 2002م، إلى آخر هذه الاستطلاعات عام 2012م. وربما يذكر المُخضرمون ممن يُتابعون الشأن العام أن 2002 كانت سنة حاسمة في إعادة صياغة النظام العالمي. وفي تلك الحقبة، كان العالم العربي أحد ساحات الصِراع بالوكالة بين الحُلفاء المحليين لكل من القوتين العظميين. وقد وثّق هذه الحالة أستاذ العلوم السياسية الأمريكي، الراحل مالكوم كير في كتابه الأشهر «الحرب الباردة العربية». ولكن مع شبلي تلحمي فإننا ننتقل من المُبارزات الاستشراقية، والمُساجلات الكلامية إلى العكس تماماً. فبدلاً من الانشغال بالكيفية التي ينظر بها الغربيون إلى العرب، فإننا مع آخر كُتب تلحمي، نُطلّ على الكيفية التي ينظر بها العرب إلى العالم. من ذلك:
1- أن معظم العرب ما زالوا يعتبرون إسرائيل هى الخطر الأعظم عليهم. وتلى إسرائيل في هذا الصدد الولايات المتحدة الأمريكية، حليفها الرئيسي الذي يدعمها دبلوماسياً، كما بالمال والسلاح. فقد كانت نسبة من اعتبروا إسرائيل هي الأخطر على العرب 70 في المائة، تليها الولايات المتحدة 63%، ثم بريطانيا 11%. ومن اللافت للنظر هنا أن بُلداناً كُبرى أخرى مثل روسيا والصين واليابان، أو حتى ألمانيا وفرنسا لم تمثل في نظر معظم العرب الذين شملهم هذا الاستطلاع خطراً يُذكر.

2- ولكن من الطريف أنه حينما سأل شبلي تلحمي أفراد العينة العربية عن القُطر الذي يرغبون أن يروه قُطباً دولياً مُنافساً للولايات المتحدة في الساحة الدولية، جاءت الصين في المقدمة (22%)، تليها ألمانيا (15%)، ثم روسيا (12%) وفرنسا (10%).
3- وحينما سأل شبلي تلحمي المبحوثين العرب عن رأيهم في الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وجد أن رأى الأغلبية فيه لا يزال سلبياً، وإن تناقصت هذه السلبية من 45 في المائة إلى 24 في المائة بين سنتي 2009 و2012. أو بتعبير آخر تضاعفت شعبية باراك أوباما. ومع مُقارنتها بالرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، فإن أوباما، بعد مرور نفس العدد من السنوات، في البيت الأبيض، تجاوزت شعبيته ما يصل إلى الضعف بالنسبة لسلفه.
4- ويُلاحظ د.شبلي تلحمي أن هذا التفاوت الملحوظ في شعبية الرئيسين لا يعنى أن الرأي العام العربي يرجو خيراً من السياسة الخارجية الأمريكية تجاه قضايا المنطقة، ففي خارج العلاقة بأمريكا والغرب، فإن الرأي العام العربي كان أكثر إيجابية نحو الجارة التركية، منه نحو الجارة الإيرانية. وبلُغة الأرقام فإن نصف الرأي العام العربي يعتقد أن تركيا لعبت دوراً إيجابياً في دعم العرب عموماً، خصوصاً بُلدان الربيع العربي «تونس ـ مصرـ ليبياـ اليمن ـ البحرين ـ سوريا». بينما لم يذكر إيران بالخير بأي نسبة يُعتد بها إحصائياً.
وبعيداً عن د.شبلي تلحمي، لا يمكن تفسير هذه الشعبية التي تحظى بها تركيا إلا في ضوء الموقف الحاسم للحزب الحاكم في تركيا، وهو العدالة والتنمية، ولزعيمه رجب طيب أردوجان، في تأييده للقضية الفلسطينية ونقده اللاذع للسياسة الإسرائيلية، خاصة منذ حادث سفينة الحُرية، التي كانت في طريقها إلى غزة، والتي هاجمتها قوة إنزال إسرائيلية في المياه الدولية، وقتلت عدداً من رُكابها وطاقمها، وبينهم أتراك. كما لا يمكن أن نتجاهل القوة الناعمة للمُسلسلات التليفزيونية والدراما التركية، والتي يتم تعريبها. وقد لاقت رواجاً كبيراً في السنوات العشر الأخيرة.

الانتفاضة السورية
وفي السياق نفسه، حينما سأل شبلي تلحمي عن رأى المبحوثين العرب في التدخل العسكري الدولي للإطاحة بنظام بشّار الأسد بعد أكثر من سنة على الانتفاضة السورية، رفض ذلك تماماً أكثر من 43 في المائة. ولكن من بين الذين وافقوا، حظي البديل التركي بثاني أعلى نسبة، وهي 15 في المائة، وهي أكثر قليلاً من البديل العربي الخالص (14%).
5- وأخيراً، كان تقييم العرب لانتفاضات بُلدانهم جديراً بالتأمل، فقد ذهب أكثر من نصفهم (57%) إلى أن تلك الانتفاضات هي تعبير أمين عن شوق الناس العاديين إلى الكرامة، والحُرية، وإلى حياة أفضل. ويقترب هذا كثيراً من الشعارات التي رفعها ثوّار ميدان التحرير، في الخامس والعشرين من يناير 2011 ـ وهى عيش، حُرية، كرامة إنسانية، عدالة اجتماعية. وذهب حوالي 20 في المائة إلا أن الذي فجّر هذه الانتفاضات أحزاب المُعارضة الطامعة في السُلطة، وكانت هناك نسبة مُساوية (20%) ما زالت تعتقد في «نظرية المؤامرة»، لذلك ذهبت إلى أن قوى خارجية هى التي فجّرت ثورات الربيع العربي.
إن دراسات الدكتور شبلي تلحمي عموماً، وكتابه الأخير خصوصاً، جديرة بالقراءة المُتأنية والفحص الدقيق، فهو الأكثر موضوعية في قراءة العقل العربي، في مطلع القرن الحادي والعشرين. فله الشُكر والعرفان.

* الكاتب عالم اجتماعي مصري وناشط في الحقوق الاجتماعية

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة