الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 23:02

د. هيثم طه باحث في عسر التعلم:اعطاء فرصة لطالب بحاجة الى الملاءمات لتعزيز الثقة

خاص بمجلة ليدي
نُشر: 15/05/13 07:59,  حُتلن: 15:55

د. هيثم طه رئيس قسم التربية الخاصة في كلية سخنين لتأهيل المعلمين والباحث في العسر التعلمي:

التشخيص يهدف لتحديد الاسباب المعيقة لاكتساب المهارات التعلمية من اجل تحديد العلاج الملائم ومحور التدخل العلاجي من جهة ومن جهة اخرى لكي نحدد ما هي الملاءمات المناسبة للطالب

التشخيص الخاص للعسر التعلمي هو عملية فحص عميقة لنجاعة المهارات التعلمية الاساسية (طلاقة القراءة، نجاعة الكتابة بمركباتها نجاعة التفكير والمهارات الحسابية والادراك الرقمي)

الملاءمات هي عملية تغيير في ظرف الامتحان و/او طريقة عرض الامتحان للطالب و/او طريقة استقبال الاجابة من الطالب عن الوضع الذي يمتحن به طلاب بدون عسر تعلمي ليسوا بحاجة لهذه الملاءمات

في الآونة الاخيرة، كثيرًا ما نسمع عن موضوع الملاءمات في الامتحانات والتشخيصات المطلوبة، من اجل المصادقة على مثل هذه الملاءمات. عادة، وفي حال توجه الاهل الى المدرسة للاستفسار حول وضع ابنهم التعليمي، يطرح عليهم اجراء تشخيص مهني لكي يتم التعرف على اسباب الصعوبة التعلمية لدى ابنهم، ولكي تتم التوصية على ملاءمات تناسب وضعه، مما يمكنه من اعطاء افضل ما عنده في الامتحانات. ولكن الكثير من الاهل يشكون من عدم الوضوح في ما تعنيه الملاءمات، وما هو التشخيص المناسب لفحص الوضع التعليمي لدى ابنهم، وخاصة انهم يسمعون لأول مرة بأنواع هذه التشخيصات، فقط في حال ذهابهم للمدرسة للاستفسار عن وضع ابنهم التعليمي. للإجابة عن كل هذه التساؤلات كان لنا اللقاء التالي مع د. هيثم طه رئيس قسم التربية الخاصة في كلية سخنين لتأهيل المعلمين والباحث في العسر التعلمي.

ليدي: ماذا نعني بالتشخيص وهل هناك نوع واحد من التشخيصات، لأننا نسمع باسماء عديدة ولا ندري متى يجب اجراء كل منها؟
د. هيثم طه: بالمجمل العلمي العام، التشخيص الخاص للعسر التعلمي (في هذه الحالة) هو عملية فحص عميقة لنجاعة المهارات التعلمية الاساسية (طلاقة القراءة، نجاعة الكتابة بمركباتها، نجاعة التفكير والمهارات الحسابية والادراك الرقمي)، بالإضافة لذلك يتم التعمق بفحص الوظائف الادراكية الأساسية للاكتساب التعلّمي، للمهارات التي ذكرت سابقًا من اجل تحديد نجاعة هذه الوظائف، للتمكن من تحديد نجاعتها لأنها تشكل القاعدة الادراكية لاكتساب المهارات التعلمية الاكاديمية. مثلاً مهارات القراءة تكتسب بالاعتماد على وجود مهارات ادراكية، تسمح بتعلم العلاقة ما بين الصور المكتوبة للأحرف وما بين الاصوات لهذه الاحرف (العلاقة الصوتية- الحرفية) فهذه المهارة تعتمد على المعالجة البصرية والذاكرة اللفظية، التي يتم فحص كل واحدة منها على حدة، في عملية التشخيص لتحديد نجاعتهم. كذلك فإن عملية قراءة الكلمة وخاصة في المراحل الاولى لاكتساب المهارة، تتطلب الاعتماد على وظيفة ذاكرة تعرف بالذاكرة الفعالة، ونحن نعلم اليوم، ان عدم نجاعة هذا الجهاز من الذاكرة يسبب فشلاً في اتقان المهارة واكتسابها بالشكل الصحيح. لذلك فإن التشخيص يهدف لتحديد الاسباب المعيقة لاكتساب المهارات التعلمية، من اجل تحديد العلاج الملائم ومحور التدخل العلاجي من جهة، ومن جهة اخرى لكي نحدد ما هي الملاءمات المناسبة للطالب، لكي تعطى له في المدرسة من اجل تمكينه من تخطي العقبات التي تنتج عن العسر الادراكي الذي يسبب الصعوبات التعلمية، وبهذه الطريقة نمنحه الفرصة لإظهار افضل ما عنده مع تقليل تأثير العسر على ادائه التعليمي.


ليدي: ما نقصد بالملاءمات؟
د. هيثم طه: الملاءمات هي عملية تغيير في ظرف الامتحان، و/او طريقة عرض الامتحان للطالب، و/او طريقة استقبال الاجابة من الطالب، عن الوضع الذي يمتحن به طلاب بدون عسر تعلمي ليسوا بحاجة لهذه الملاءمات. يجب التأكيد هنا ان الملاءمات تعطى للطالب بحسب نوع الصعوبة ودرجة حدتها لديه، وان الملاءمات ليست تسهيلاً، فهي تلائم ظرف الامتحان لوضع الطالب. مثلاً عندما يظهر لنا التشخيص ان الطالب يعاني من أخطاء املائية غير مسيطر عليها، بسبب وجود عسر قرائي تطوري، عندها يوصى بعدم احتساب الاخطاء الاملائية في الامتحان، والتمعن أكثر في نوعية الاجابة. طبعًا هنا يجب ان نحدد وبشكل مهني أن الأخطاء الإملائية ناتجة عن عسر قرائي وكتابي تطوري، وليست نتيجة إهمال او عدم بذل الجهد التعليمي المطلوب، وهذا هو دور التشخيص المهني.


ليدي: لماذا اكدت ان الملاءمات ليست تسهيلات؟
د. هيثم طه: عندما نقول تسهيل، فإنه يسهل على كل شخص يحظى به، ولكن الملاءمة هي ملاءمة الظرف للصعوبة. بما معناه إذا عدنا للمثال السابق حول الاخطاء الاملائية، فلنفرض ان طالبًا لا يعاني من عسر قرائي قد حصل عليها، فإنها لن تساهم لديه بشيء، بينما مساهمتها في التنفيذ الخاص بالطالب ذي العسر القرائي ستكون واضحة، لأنها تعمل على منع تدخل الاخطاء الإملائية في تحديد علامة الطالب في موضوع معين (مثلاً، العلوم) في حال ان فحوى الاجابة صحيح ودقيق علميًّا. أي ما نريده في هذه الحالة هو صحة الاجابة، للتعرف على مدى معرفة الطالب بمادة التعلمية وليس عدد الاخطاء الاملائية لديه.

ليدي: ما هي انواع الملاءمات، وهل يمكن الحصول على كل الملاءمات؟
د. هيثم طه:هنالك انواع مختلفة من الملاءمات، وطبعًا الملاءمات التي يوصى بها في حال التشخيص يجب ان تتلاءم مع مميزات الطالب، من حيث البعد الادراكي والاكاديمي (Cognitive and academic Profile). هذه المميزات وهذا البروفيل يتحدد وفقًا للتشخيص المهني المعمق. يجب ان نعي هنا أن في منشور المدير العام لوزارة التربية، والذي يعني بموضوع الملاءمات في المرحلة فوق الابتدائية، والذي نشر بتاريخ ديسمبر 2003، تم تقسيم الملاءمات لثلاثة مستويات: المستوى الاول حيث لا تعمل الملاءمات على التغيير في مبنى المتحان (كإطالة الوقت)، المستوى الثاني حيث هنالك تغيير بسيط في ظرف الامتحان، والمستوى الثالث حيث يمكن ان يكون هنالك تغيير جذري، مثل الامتحان بصورة شفهية. عادة الملاءمات من المستوى الاول والثاني، يصادق عليها بعد التشخيص وتصديق التشخيص من قبل المجلس التربوي في المدرسة، بينما الملاءمات من المستوى الثالث فإن المصادقة عليها تتم من قبل لجنة لوائية في وزارة التربية.

ليدي: ماذا تقول لمن يدعي ان الملاءمات تعمل على اعطاء الطالب افضلية من الممكن ان لا يستحقها فعلاً؟
د. هيثم طه: انا ضد هذه المقولة. انا اؤمن ان المشخص المهني والذي يحترم الموضوع يعطي الملاءمات اللازمة حسب وضع الطالب. ثم ان اعطاء فرصة النجاح لطالب بحاجة الى الملاءمات، تعزز ثقته بنفسه وتجعله مثابرًا على المحافظة على هذا النجاح. الملاءمات وحدها لا تضمن النجاح بدون بذل الجهد التعليمي من قبل الطالب، والدراسة دائمًا من خلال تعلم استراتيجيات للتغلب على الصعوبات، وهذا يجب ان يوضح للطالب وللأهل. الملاءمات هي وسيلة للتغلب على العائق الناتج عن العسر التعلمي، وليست وسيلة للتهرب من الاجتهاد الشخصي لدى الطالب. ثم يجب ان نعلم انه في حال تحقيق النجاح عند الحصول على الملاءمات، فالنتيجة ليست فورية فقط، اعني ان نجاح الطالب الذي كان من الممكن ان يفشل بدون هذه الملاءمات، يعني بقاءه في الدراسة وعدم التسرب وضمان تعليمه المستقبلي في مؤسسات اكاديمية عليا، واذا نظرنا بمنظار اوسع فهذا يمكن ان يخفف من ظواهر اخرى في المجتمع على المدى الطويل، مثل تفشي العنف. كلما منحنا فرص النجاح اكثر في الناحية التعليمية، كلما خففنا ظاهرة التسرب وكل ما هو سلبي يمكن ان ينتج عن هذه الظاهرة.

ليدي: الاهل يسمعون من المدرسة عن انواع تشخيص مختلفة والكثير منهم لا يعرف ما هو التشخيص المناسب، ما تقول في هذا الامر؟
د. هيثم طه: الاجابة على هذا السؤال طويلة، ولكن برأيي اذا كان الهدف هو التدخل العلاجي، وبرأيي هذا هو الهدف الأساسي الذي يجب ان نؤكده من وراء اجراء التشخيص، فبرأيي يجب اجراء تشخيص مهني موسع، يجرى من قبل من اختص اكاديميًّا وعلميًّا، وبشكل معمق في تشخيص وعلاج العسر التعلمي، وهنا انصح الاهل بالتأكد من مدى تعمق المشخص في هذا المجال، لكي تتم عملية التعرف على مميزات الطالب وصعوباته بشكل موسع ودقيق. أيضًا وبالنسبة للملاءمات فإن وزارة التربية قد قامت بتحديد اي تشخيصات يجب الحصول عليها، للمصادقة على الملاءمات في كل مستوى. فمثلاً للمستوى الاول والثاني، وبحسب الوزارة، يكفي ما يسمى التشخيص التعليمي (او ما يعرف بالـ דידקטי) او تشخيص نفسي. بينما لكي يتم البت بطلب المصادقة على الملائمات من المستوى الثالث، فحسب تعليمات الوزارة، يجب ان يكون التشخيص مشتركًا، أي تعليمي ونفسي، او ما يعرف في اوساط المدارس بـפסיכו-דדיקטי وهو عبارة عن تشخيص نفسي وتعلمي معًا. التشخيص التعلمي يتعمق بفحص الوظائف التعلمية الاكاديمية والادراكية المرتبطة فيها، بينما يقوم التشخيص النفسي بالتعمق بالمجالات الشعورية والقدرة الذهنية العامة، اضافة الى وظائف ادراكية. يجب ان نعلم انه دائمًا هنالك تعليمات جديدة حول المصادقة على الملاءمات، حيث ترسل هذه التعليمات للمستشارين في المدراس، فمثلاً يمكن لملاءمة معينة والتي اعتبرت في الماضي من الدرجة الثانية، ان ترفق الى الدرجة الثالثة في حال تقرر اعطاؤها للامتحان في مواضيع معينه (مثلاً اذا كان المتحان في مستوى الوحدة الخامسة في اللغات). لذلك يجب على المشخصين انفسهم الاطلاع على هذه التعليمات بشكل دائم. اليوم يمكن الحصول على الملاءمات ايضًا في امتحان الدخول للجامعات والمؤسسات الاكاديمية "البسيخومتري" وهنا على المشخص الاطلاع مسبقًا على تعليمات المركز القطري المسؤول عن اجراء هذا الامتحان، من أجل معرفة أي مجالات يجب التطرق اليها في التشخيص وكيفية كتابة التقرير الملائم، بالإضافة الى كيفية تعبئة الاستمارات المرفقة، وذلك بسبب وجود تعليمات خاصة يضعها المركز القطري للامتحانات في هذا السياق. يمكن الحصول على كل هذه التعليمات من خلال موقع المركز القطري على شبكة الإنترنت، وهنا انصح الاهل ايضًا بالاطلاع على هذه التعليمات قبل الشروع في التشخيص.

ليدي: كيف سيعرف الاهل الى أي تشخيص سيتوجهون؟
د. هيثم طه: هنا يجب الاستعانة بالطاقم الاستشاري في المدرسة (المستشار التربوي والاخصائي النفسي). بشكل عام، يتحدد الامر وفقًا للمستوى التعليمي للطالب ولمميزاته الشعورية. يجب استشارة الطاقم الاستشاري للمدرسة لتحديد مدى الصعوبة لدى الطالب، وهل هنالك حاجة لملاءمات من الدرجة الثالثة، عندها يمكن ان تطلب تشخيصًا مشتركًا، انا شخصيًّا افضل اجراء تشخيص مهني معمق وليس التشخيص المشترك من البداية، لان الهدف هو التعرف على صعوبات الطالب وتحديد العلاج. في ما إذا ظهر في التشخيص التعلمي المعمق ان هنالك حاجة للتشخيص المشترك، عندها يتم اتمام القسم النفسي. بهذه الطريقة نضمن عدم اجهاد الطالب بتشخيصات يمكن ان تكون اضافية، ونضمن التعرف على نجاعة وظائفه التعلمية للبدء في العلاج. عدا عن التكلفة المادية المضاعفة تقريبًا في التشخيص المشترك (لأننا نتحدث عن تشخيصين).

ليدي: ذكرت التشخيص المعمق عدة مرات، ماذا تعني بذلك؟
د. هيثم طه: منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، تطور هذا المجال بشكل كبير نتيجة للأبحاث العلمية المتزايدة، والمبنية على تقنيات علمية حديثة، مما ادى الى تعمق اكبر في فهم العسر التعلمي، انواعه وطرق التشخيص والعلاج. اليوم وبسبب هذا التطور الكبير في المجال، يتحتم دراسته بشكل مكثف وعميق اكاديميًّا، وقد نوهت لهذا الشيء في مقابلات صحفية سابقة. في السابق كانت تكفي دورة تأهيلية لتأهيل مشخصين تعليميين، اليوم الأمر لم يعد كذلك، وهنالك حاجة للاختصاص من خلال لقب اكاديمي متقدم في المجال، وتقريبًا كل الجامعات في الدولة لديها مساقات لقب ثاني في الموضوع. في تقريرها حول موضوع العسر التعلمي، قامت لجنة مرغليت 1997 والتي عينت آنذاك من قبل وزارة التربية، لفحص وضع ذوي عسر التعلم في البلد، بالتوصية بأن من يريد ان يدرس هذا المجال عليه التعمق بالدراسة المتقدمة فيه. في سنة 2008 تمت المصادقة على قانون حقوق الطالب ذي العسر التعلمي في المؤسسات فوق الثانوية (كالمعاهد، الكليات والجامعات)، ووفقا لهذا القانون تم التأكيد على ان إحدى الطرق للتخصص في تشخيص العسر التعلميي، الحصول على لقب متقدم في اختصاص العسر التعلمي. لذلك من أجل الالمام في الموضوع واكتساب خبرات ملائة في التشخيص، لا بد من التعمق العلمي في هذا المجال. من الجدير ذكره ان النقاش العلمي حول نوعية التشخيص الملائم لا تزل تشغل بال الباحثين عالميًّا في هذا المجال، ففي السنة الاخيرة وبسبب التحضير لإصدار النشرة الخامسة من المرشد الاحصائي للاضطرابات النفسية والعقلية DSM V ، والذي من المفروض ان يصدر قريبًا، بدأ نقاش علمي ما بين الباحثين حول ماهية التشخيص الملائم، ونشرت العديد من المقالات العلمية في اطار هذا النقاش. المهم ان الجميع يجمع على ضرورة الدراسة المعمقة لماهية اكتساب وتطور المهارات الاكاديمية، من اجل معرفة كيفية تشخيص الاضطراب في اكتسابها.

مقالات متعلقة