عادَ مُحمَّدٌ منَ المَدْرسَةِ وفكرُهُ مشْغُولٌ بمَا ذكَرهُ المعلِّمُ عنْ جَارِهِ الفقيرِ الذي مكثَ سنينَ طويلَةً وهُوَ في حَالَةِ فقرٍ شديدٍ دونَ أنْ يُخبِرَ جيرانَهُ بذلكَ، رغْمَ مَرضِهِ وحاجَتِهِ الشّديدَة للمَال ..
ولمْ يعرفْ المعلِّمُ عنْ حَالَتِهِ إلا بعْدَ أنْ رأى ولَدَهُ يبحثُ في القُمَامَةِ عنْ شيءٍ يأكلُهُ لعَدمِ وجودِ طعامٍ في بيْتِهِمْ بسببِ مرضِ أبيهِ وعدم قدرتِهِ على العَمَل ..
أسْرعَ محمّدٌ نحْوَ والدِهِ وطَلبَ منهُ أنْ يسْمحَ لهُ بأنْ يعْطيَ كلّ ما جمعَهُ مِنْ مالٍ في حصّالتِهِ لهَذا الفقيرِ ..
إبتسَمَ الوَالدُ ثمّ قال : حسناً يا بُنيّ .. وإنّ عملكَ هَذَا منَ البَذْلِ والتضْحية .. وهيَ من القيمِ العظيمةِ التي حثّنَا عليْهَا الإسْلامُ .. وسأذْكرُ لكَ هذهِ القصّة
في قَديمِ الزّمان جلسَ الوزيرُ العادل ظهيرُ الدين أبُو شجاع على أريكته ذاتَ يومٍ ينظُرُ في بعْضِ الرّسائلِ التي جَاءتْهُ مِنَ الرعيَّة .. فقالَ وهُوَ ينظرُ فيهَا ويُقلِّبُهَا: أعنّا يا ربِّ على حَلّ مشاكلِ هؤلاءِ الناس .. لا بُدّ مِنَ مُسَاعَدةِ صَديقي أبو عليٍّ .. ثمّ طلبَ من الشُرطيّ أنْ يأتيهِ بصديقهِ الشّيخ أبو عليّ ..
وبعْدَ وصولِ أبو عليٍّ وترحيبِ الوزيرِ بهِ ، سألهُ أبو عليٍّ :
- مَاذَا جرَى أيُّهَا الوزيرُ .. ؟! هَلْ ألمّ بكَ شَيءٌ ؟!
أجابَ الوزيرُ : تعالَ وانْظرْ يَا أبَا عليّ .. إنّهَا مُصِيبَة ..
وعرضَ عليْهِ الرّسائلَ الكثِيرة .. ثمّ قال : هذهِ المظالمُ والمَآسي لا نِهَايَةَ لَهَا .. أنظرْ في هَذهِ الرّسِالة !!
نظرَ إليْهَا أبو عليّ وقال: مَاذَا ؟! أرْمَلةٌ فقيرةٌ مَعَهَا أربعةُ أيْتامٍ صغارٍ لا تجدُ طَعَاماً ولا شَرَاباً ...وهُمْ عُرَاةٌ جِيَاعٌ .. لا حَولَ ولا قوّةَ إلا بالله ..
ثُمّ التفتَ إلى الوَزِيرِ وقَالَ له : وماذا يُمكنُكَ أنْ تفعلَ لهَا ؟!!
تنهّدَ الوزيرُ وقال : يا أبَا عليّ .. نشدتُكَ الله أنْ تمضي لنَجْدتِها الآن .. وسيصحَبُكَ هَذا الشّرطيَ ليدلّكَ على بَيْتهَا ..
ثُمّ ناوَلَهُ بدرةَ نُقودٍ منْ مَالِه وقال: خُذْ هذهِ النّقودَ واشترِ لهَا ولأولادِهَا طعَاماً وشَراباً وثِياباً ، وأطعمْهُمْ واكسُهم ثُمّ عُدْ إليّ بخبرِهَا ...
وقبلَ أنْ يخرجَ الشّيخُ أبو عليّ لتنفيذِ مَا طلبَهُ منهُ الوزيرُ رأى الوزيرَ يخلعُ بعْضَ أثوابِهِ ويضعُهَا على الأرْضِ ... فقالَ له : مَاذَا تفعلٌ يَا أبَا شُجَاع .. إنّ الجَوّ باردٌ جِداً .. وهَذَا سَيُؤذِيكَ ..
ردَّ الوزيرُ عليهِ قائلاً : لنْ أرْتَدِيَ ملابسِي هذهِ حتَّى أطمئنَّ على حَالِ هذهِ المَرْأةِ المسكينةِ وأطفالِها الأيْتَام ... اذْهَبْ يَا أبَا عليٍّ ثُمَّ عُدْ إليَّ وأخبِرْنِي خَبَرَهَا ؟
ومضَى الشَّيخُ وقامَ بإصْلاحِ حالِ المرأة المسْكينَة ..
سمعَ مُحمَّدٌ ذلكَ فأسْرعَ نحْوَ حصَّالتِهِ ثُمّ أسْرعَ ليَخرجَ منَ المَنْزلِ فصاحَ بهِ والدُه : إلى أيْنَ يا مُحمّد ؟
فأجاب : سوفَ أذهبُ لأعطيَ مالي هَذَا للرجلِ الفقيرِ وأسْرتِهِ ..
فقال أبو محمَّد : ولكنَّكَ لمْ تتنَاولْ طعامَ الغَدَاءِ ؟!
نظرَ إليْهِ مُحمَّدُ وعلى وجهِهِ ابْتِسامة بريئةٌ وقال: لنْ أذوقَ الطّعامَ حتّى يشبعَ ذلكَ الرجلُ الفقيرُ وعيالُه .
موقع العرب يتيح لكم الفرصة بنشر صور أولادكم.. ما عليكم سوى ارسال صور بجودة عالية وحجم كبير مع تفاصيل الطفل ورقم هاتف الأهل للتأكد من صحة الأمور وارسال المواد على الميل التالي: alarab@alarab.net