الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 20 / سبتمبر 16:02

التطرف الديني في الشرق/ بقلم: أشرف هاني الياس

كل العرب
نُشر: 08/09/13 14:18,  حُتلن: 21:25

أشرف هاني الياس في مقاله:
 المظاهرات التي أقامتها قبل اسابيع الحركة الاسلامية في مدينة البشارة وفي بعض المدن والقرى العربية في الجليل من مظاهرات مؤيدة لجبهة النصرة والجيش الحر في سوريا والمؤيدة لشرعية الرئيس مرسي ولحزب الاخوان المسلمين في مصر تزامناً مع تهجير المسيحيين ومع حرق اكثر من اربعين كنيسة مصرية قبطية دليل تام على عدم احترام ذلك الرابط الاخوي 

الشمس المتوهجة في الشرق تنسحب، تنسحب من حدود النهار ويتلاعب القمر بالارض السكرى بالعتمة الشاحبة، ويبدأ الليل يرسل انغامة الكئيبة ويطوي البشر بظلامة الحالك والناس يتجهزون لسلسة جديدة من الكوابيس في ظل الليل الطويل الرهيب، ما بطرس، القاطن بجانب دير صغير في بلدته معلولا المسيحية السورية قرر ان لا ينام هذة الليلة بل خرج للدفاع عن ارضه ومقدساته وتلك الاديرة التاريخية القديمة في ظل غياب الامن والامان. العصافير تموت في الشرق حتى-  صاح بطرس، شاب صغير، عرف ان العصافير تموت في هذا الشرق، دخل لدير مار تقلا البطريركي القريب من بيته الساعة الرابعة صباحاً وركع امام صليب المجد ليصلي وكانت الدموع تسح على ماقيها بهدوء. واذ بعصفور صغير يقول له اخاف الليل يا بطرس، فالقانون المفروض علينا من الارهابيين هنا صارم واذا تاخرت فيما بعد الرابعة صباحاً عن عشي سيكون قصاصي الموت. رفع بطرس عينيه نحو تمثال السيدة العذراء متضرعاً: ايتها العذراء مريم احمي هذا الشرق، واقلعي اليد الاثمة عنه، ودعي العصافير تعيش بأمان والاطفال والنساء يحيون بسلام... ولان زقزقة العصافير تثير الارهابيين، قطعت همسات بطرس صوت رصاصة, وراح العصفور يصرخ صرخة عنيفة, يلفظ انفاسه الاخيرة "العصافير تموت في هذا الشرق", انها الرابعة وعشر دقائق.

جبهة النصرة وعملية "فتح الصليب" في معلولا
هي معلولا.. معلولا الدمشقية، معلولا غادرها معظم اهلها المسيحيين خوفاً ويرقد بعضهم في الأقبية والمغاور، هي معلولا الآرامية التي تحاول لغة الرصاص خنق لغة المسيح في نواصيها هي معلولا الباكية والحزينة هي تلك البلدة النازفة منذ أيام والمحاصرة بصمتٍ منذ أشهر والتي يعيش ناسها بعد كسر صلبانهم وخواطرهم على رجاء القيامة لم تسلم أقدم المدن والقرى الآرامية في ريف دمشق وأقدس مدينة تاريخية مسيحية بعد القدس من هجمات المسلحين وممارساتهم الوحشية بإرهاب منقطع النظير السحر فى معلولا يتجاوز الحجر ليصل إلى البشر إذ أن السكان لا يزالون يتكلمون لغة من أقدم لغات العالم حيث ان الوحيدة معلولا هي التي حافظت حتى الآن على لغة سيدنا يسوع المسيح, فحملت رمزية تاريخية كبيرة على مر العصور هذه البلدة الوادعة حلت عليها غيمة جبهة النصرة السوداء بخفافيشها وحلفائها في ما يسمى احرار الشام والجيش الحر فقاموا بمهاجمة المدينة واقتحامها فجراً قبل ايام وعملوا على إرهاب مواطنيها الآمنين عبر إطلاق النار على المنازل وخطف الابناء وكسر صلبان الكنائس وافتعال اشتباكات على وقع إطلاق الشعارات والتكبيرات التي توحي بأنهم قد قاموا بتحرير القدس أو فتح روما أو اقتحام عاصمة الصليبيين كما أعلنوا في تسجيلاتهم المنشورة على موقع اليوتيوب والمواقع الاخرى معلولا واحدة كغيرها من البلدات المسيحية السورية التي تعرض اهلها للقتل والنهب والسلب والتشريد حيث هَجَرت الكثير من العائلات المسيحية مدنها وقراها من دون الامل في العودة باحثة عن اعشاش دافئة تحمي ابنائها من لهيب حرب سرعان ما تحولت لصراع طائفي لا تبدو له نهاية، وذلك بعدما طاولتهم عمليات الخطف والابتزاز المالي والقتل والجزية التي أستهدفتهم بشكل دائم, حيث ما زالت العديد من القرى والمدن المسيحية السورية تتعرض يومياً لموجة افراغ من سكانها المسيحيين الاصليين, الذين لطالما عاشوا في هذا الشرق مع اخوتهم المسلميين في سلام ومحبة ووئام على مدار مئات السنين. كثيرةٌ هي الروايات المتسللة من معلولا أما حقيقة الحقائق فواحدة حيث أكد بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحّام في حديث خاص لاحدى وسائل الاعلام العربية : "من أصل مليوني مهجر سوري داخل وخارج وطنهم هناك 450 ألف مسيحي أي ما يقارب ربع المهجرين، وبمقارنة النسب السكانية,يتضح جليا حجم الإرهاب المتعدد الأشكال الذي يقع على كاهل المسيحيين تحديدا في سوريا الجريحة". ولعل اجتياح معلولا، تلك البلدة الوادعة بما تحمله هذه البلدة المقدسة من أبعاد رمزية مسيحية أن يضاعف هجرة المسيحيين السوريين، اما ندائي الأساسي اليوم هو لاخوتي المسيحيين أنفسهم في كل مكان يتعرّضون فيه للتهديد والذبح ولتدنيس المقدسات : ليس الرد على التكفيريين بالهجرة بل بالصلاة والصمود والثبوت واذا لزم الامر بامتشاق السلاح.

الشرق يبكي هجرتنا
كان هناك ومازال مسيحيون في الشرق الأوسط منذ ميلاد المسيح أما الآن فان هذا التاريخ الذي يمتد على 2013 سنة بات مهددا بالانقراض حيث ظل المسيحيون لعقود طويلة في الشرق الأوسط بمثابة الضحايا غير المرئيين أو المهملين في عموم المنطقة عاشوا في الشرق لقرون مديدة وهم يعانون من تهديدات تجبرهم في كثير من الأحيان على حزم حقائبهم ومغادرة أوطانهم فمع تصاعد حدة التطرف الديني في الشرق يجد المسيحيون أنفسهم بين شقي الرحى في صراع وأشد ما أخشاه مع تصاعد هذا المد المتطرف في شرقنا هو تزايد الشعور عند المسيحيين بأنهم يتحولون من جسر حضاري وثقافي بين الشرق والغرب الى رهائن في مجتمعاتهم أن هذا الارهاب والتكفير والقتل التي يُقابل بها المسيحيون في معظم الشرق يرجع في الحقيقة إلى سبب أساسي يتمثل في جهل هؤلاء الارهابيين وقادتهم لما قدمة المسيحيين من ارث وحضارة وثقافة لهذا الشرق ودورهم الرائد وإسهامهم التاريخي الجامع في تطور مجتعاتهم فإن ما يحصل في هذا الشرق في العقود الأخيرة لم يكن سرقة آثار المنطقة بل حدث أكثر إيلاماً ورعباً,إنها سرقة إنسانية آثارنا وأهم شاهد على استمرارنا من البعيد، إنها هجرة ثقافات المنطقة بكل ما تحمله في طياتها من تاريخ وتراث ولغة وعادات وتقاليد.


رسالتي للاحزاب العربية بشكل عام وللحركة الاسلامية بشكل خاص 
ان صمت وعدم وضوح قادة الاحزاب العربية على ما يحصل في محيطنا العربي لا ينبع فقط من عجز في التعبير عن الموقف واتخاذ القرار بل من التناقضات الشديدة القائمة داخل الاحزاب العربية حيث لم تتجرأ قيادات الاحزاب العربية حتى الان من قول موقفها بوضوح من الاحداث في سوريا ومصر والشرق,والاكثر غرابة الصمت المقفر للاحزاب العربية المتشردقة بالوطنية والقومية عن اعمال القتل وهدم الكنائس والمساجد التي يمارسها الارهابيون والمسلحون في سوريا ومصر ضد المسيحيين والمسلمين. أما بالنسبة للحركة الاسلامية فإن مجرد التحالف الحاصل في الانتخابات النيابية بين الحركة العربية للتغيير والقائمة الموحدة والتي تشمل الحركة الإسلامية والحزب الديمقراطي العربي والحزب القومي العربي يؤكد بشكل قاطع لا يقبل التأويل على ان الحركة الاسلامية تؤمن بالعيش المشترك بين جميع اطياف وطوائف المجتمع العربي ولكن المظاهرات التي أقامتها قبل اسابيع الحركة الاسلامية في مدينة البشارة وفي بعض المدن والقرى العربية في الجليل من مظاهرات مؤيدة لجبهة النصرة والجيش الحر في سوريا والمؤيدة لشرعية الرئيس مرسي ولحزب الاخوان المسلمين في مصر تزامناً مع تهجير المسيحيين ومع حرق اكثر من اربعين كنيسة مصرية قبطية دليل تام على عدم احترام ذلك الرابط الاخوي الذي نفتخر به منذ الاف السنين وصمتكم عن هذه الجرائم بحق اخوتكم في الشرق يضع كثيراً من علامات الاستفهام بالنسبة للكثيرين حيث ان المشكلة بالنسبة لي لا تكمن في المسيرات والمظاهرات المؤيدة للاخوان المسلميين او غيرهم، حيث يحق لكل الاطر، سياسية كانت او دينية ان تتضامن وتؤيد كما تشاء، وان تعبر عن رأيها بشكل حر وفقاً لمبدأ حرية التعبيرعن الرأي و ولكن كان بالحري من قائمة موحدة تتشبث بالعروبة وبقيم الوحدة والروابط الاخوية وتمثل كل اطياف المجتمع العربي، ان تندد أو ترفض كل الاعمال التي تمس المقدسات الدينية المسيحية والاسلامية في مصر والشرق تحديداً و ان تتعاطف من خلال هذة المظاهرات من زاوية البعد الانساني مع الاخوة المسيحيين ابناء الوطن الاصليين في مصر من خلال الحث على تقارب القلوب بين كل الطوائف وابناء البلد الواحدة والدعاء لرحمة شهداء مصر والشرق والعالم...

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة