د. أحمد كامل ناصر في مقاله:
المناهج النقدية الحالية كالبنيوية والأسلوبية والتركيبية والتفكيكية وغيرها رغم إسهامها النوعي في تطوير مسيرة الأدب العربي كثيرًا ما تعيق انطلاق المنجز الإبداعي العربي
إنّ ضرورة استحداث مناهج نقدية عربية تنبع من الافتراض بأنّ النقاد العرب على الأغلب ما زالوا يلهثون وراء النظريات النقدية الغربية دون وعي لمرجعيتها الفلسفية والمعرفية
دعا مختصون في علوم اللغة العربية واللسانيات في مؤتمر اللغة العربية وآدابها الذي انعقد في العاصمة العمانية "مسقط" يوم الإثنين الموافق 3.12.2012 إلى ضرورة استحداث منهج نقدي عربي معاصر يتيح الفرصة لآليات نقدية أصيلة لمعالجة النص الإبداعي العربي دون أن نسقط عليه مناهج أخرى لا علاقة لها بالذائقة العربية. وأكد المشاركون أن المناهج النقدية الحالية كالبنيوية والأسلوبية والتركيبية والتفكيكية وغيرها، رغم إسهامها النوعي في تطوير مسيرة الأدب العربي، كثيرًا ما تعيق انطلاق المنجز الإبداعي العربي.
المناهج النقدية المعاصرة
وقد ذكر محمد حماسة عبد اللطيف وهو أحد دعاة تأصيل النقد العربي، أنّ المناهج النقدية المعاصرة منقولة إلينا من الغرب، وأكد عدم وجود منهج نقدي عربي واحد نابع عن الثقافة العربية، وأن هناك احساسًا عامًا بين المشتغلين بالنقد العربي بأنّ ما يقوم به الكثير منهم، إنما هو مجرد محاولة لهيمنة مناهج أدبية غربية على نصوص الأدب العربي. وأضاف محمد حماسة قائلاً: إنّ الممارسة النقدية الحالية يعتريها كثير من الجمود وأنّ بعض النقاد العرب أكثروا من استخدام الجداول والمعادلات الرياضية والرسومات في نقد الشعر والقصة والرواية لدرجة يتصور فيها المتابع وكأنه يقرأ خريطة أو مساحة جغرافية وليس نصًا أدبيًا بسيطًا يتحدث عن المعرفة والجمال.
النقد الأدبي العربي
بات في حكم المؤكد أنّ النقد الأدبي العربي اكتسب مع مرور الزمن خصائص كتابية وتكنيكات جديدة اعتمدت في أساسها على نظريات ومناهج نقدية غربية سبقتها وسعت إلى تعزيز عناصر جديدة وفق منهاج جديد. والسؤال الذي نود أن نطرحه للمناقشة في هذا المقام هو التالي: هل هناك حاجة لاستحداث مناهج نقدية عربية خالصة؟ ونحن هنا لا ننوي التعرض لمناهج النقد الأدبي المختلفة؛ فهي كثيرة وربما يحتاج كل منهج منها إلى دراسة بحثية مستقلة، لكن سنحاول الإشارة إلى بعض الاتجاهات التي يمكن أن تخدمنا في طرح موضوع "استحداث مناهج نقدية عربية " ومناقشته بصورة جدية.
الاِتجاه الأيديولوجي
وحقيقة الأمر أنّ النقد الأدبي العربي لا يأخذ في اتجاهاته بهذا المنهج أو ذاك، بل يستفيد من معطيات وعناصر اتجاه أو أكثر من اتجاه، لذلك يصعب علينا أن نقرن أي اتجاه نقدي عربي بمنهج أو مذهب غربي بعينه. فالاِتجاه الأيديولوجي لدى الناقد العربي، على سبيل المثال، لا يطبق النقد الماركسي تمامًا، كما أنّ الاتجاه النفسي لا يلتزم بالمنهج التحليلي النفسي، والاتجاه البنيوي التكويني لا يتطابق مع هذا المنهج كليًّا. وهنا لا بد لنا من تنويه، أنّ النقد الأدبي لا يقاس دائمًا بمقياس الصحة أو الملاءمة للتطبيق أو عدمه، وإنّما يقاس بمدى التكامل في منهج الناقد نفسه، فمنهج مثل الذي وضعه حسين المرصفي أو طه حسين أو العقاد أو محمد مندور، قد يكون مؤسسًا على الخطأ من وجهة نظرنا اليوم، مع ذلك يبقى جديرًا بالتقدير والاحترام لأنّه رسم أبعادًا ومواقف فكرية منهجية مميزة.
النظريات النقدية
إنّ ضرورة استحداث مناهج نقدية عربية تنبع من الافتراض بأنّ النقاد العرب، على الأغلب، ما زالوا يلهثون وراء النظريات النقدية الغربية دون وعي لمرجعيتها الفلسفية والمعرفية. وعليه نرى أنّ هناك ضرورة ملحة لمراجعة القديم من النظريات النقدية الأدبية ومن ثم السعي لاستحداث نظريات نقدية جديدة تشكل أساسًا متينًا لمنهاهج عربية خالصة. ولعل قراءة التراث العربي قراءة جادة تساعدنا على الخروج بآليات نقدية عربية جديدة تتوافق مع الموروث برؤية معاصرة وجدية، وقد تخدمنا قراءة كتابات الجرجاني، وابن رشد وابن حيان على فهم أفضل للنصوص الأدبية وتأويلها تأويلا ًمرتبطًا بالثقافة العربية. دونما اعتماد النقاد المعاصرين على أدوات قدامى النقاد الذين تعاطوا مع النصوص بأدوات عصرهم.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net