الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 15 / نوفمبر 02:01

كانَتْ مَلاكي (في رِثاءِ ابْنَتي عائِشَة)/ بقلم: الشاعر محمود مرعي

كل العرب
نُشر: 30/10/13 15:31,  حُتلن: 21:49

لَيْسَ الرِّثاءُ بُنَيَّتي مِنْ شاني = أَوْ نَبْشُ مَجْرى الدَّمْعِ وَالأَشْجانِ
لٰكِنْ مُصابي فيكِ فاقَ تَحَمُّلي = لَوْلا التَّصَبُّرُ نِعْمَةُ الرَّحْمٰنِ
كُلُّ الكَلامِ مَضى وَفارَقَ مُعْجَمي = إِلَّا "اَعِنْ يا رَبُّ" فَوْقَ لِساني
أَوْ حَمْدُ رَبِّي وَهْوَ أَرْحَمُ راحِمٍ = ضَعْفَ العِبادِ وَمَلْجَأُ الحَيْرانِ
ضاقَتْ عَلَيَّ مَسالِكي في ساعَةٍ = حُمَّ القَضا وَأَنا بَعيدُ مَكانِ
وَاللهُ كانَ العَوْنَ في ما نابَني = طولَ الطَّريقِ وَصانَ مِنْ زَيَغانِ
في غُرْفَةِ الإِنْعاشِ أَفْصَحَ عَجْزُهُمْ = وَهُمُ الأُساةُ وَيَشْهَدُ الثَّقَلانِ
لٰكِنْ أَمامَ بَيانِ رَبِّي اسْتَعْجَموا = وَاسْتَسْلَموا لِـمَشيئَةِ الدَّيَّانِ
فَالطِّبُّ وَالتَّطْبيبُ أَسْبابٌ وَلا = أَقْدامَ لِلْأَسْبابِ لِلْجَرَيانِ
لٰكِنَّها بِيَدِ الـمُسَبِّبِ واقِعٌ = كَالشَّمْسِ في وَضَحٍ بِلا بُهْتانِ
وَمَشيئَةُ الباري قَضَتْ بِرَحيلِنا = عَنْ ظَهْرِها لِلْجَوْفِ لِلدِّيدانِ
هَبَطَ الذُّهولُ عَلَيَّ دونَ تَرَيُّثٍ = وَعَلا الوُجومُ مَلامِحي، غَشَّاني
وَاسْتَعْجَمَتْ لُغَتي وَعَجْزٌ لَفَّني = وَوَقَفْتُ مُفْتَقِرًا لأَيِّ بَيانِ
وَرَأَيْتُ وَجْهَكِ أَشْرَقَتْ أَنْوارُهُ = كَالبَدْرِ مُكْتَمِلًا بِلا نُقْصانِ
وَسَرى هُدوءٌ في العِظامِ وَأَعْيُنٌ = شَخَصَتْ وَحَلَّ الـمَوْتُ دونَ تَوانِ
وَالرُّوحُ لَبَّتْ إِذْ دَعاها رَبُّها = وَطَغى السُّكونُ وَغارَتْ العَيْنانِ
وَهَتَفْتُ يا "عَيُّوشَ" قومي وَانْهَضي = إِذْ كُنْتِ نائِمَةً أَمامَ عِياني
وَعَلى الجَبينِ سُخونَةٌ وَحَرارَةٌ = تَنْفي انْقِضاءَ العُمْرِ في الرَّيْعانِ
وَنَسيتُ أَنَّ الـمَوْتَ حَلَّ بِغَيْبَتي = قَبْلَ الْتِقاءِ حَبيبَتي بِثَواني
لَوْ كُنْتُ يا "عَيُّوشَ" أَعْلَمُ وَقْتَهُ = عَجِلَتْ خُطايَ كَرَفَّةِ الأَجْفانِ
وَوَصَلْتُ قَبْلَ حُلولِهِ وَرَحيلِهِ = وَبَذَلْتُ روحي راضِيًا كَحَناني
لٰكِنَّهُ السِّرُّ الـمُغَيَّبُ يا ابْنَتي = وَالكَشْفُ مُمْتَنِعٌ عَلى الإِنْسانِ
وَعَنْ الخَلائِقِ رَبُّنا قَدْ صانَهُ = أَبْقاهُ طَيَّ الغَيْبِ وَالكِتْمانِ
أَوَ ما دَعَوْتِ الكُلَّ قَصْدَ نَظافَةٍ = في بَيْتِ جَدَّتِكِ اسْتِباقَ أَذانِ؟
قَدْ خِفْتِ أَنْ تَقْضي وَتُقْبَضَ روحُها = فَغَسَلْتِ لِلْحيطانِ غَسْلَ أَواني
لٰكِنْ قَضَيْتِ وَشَيَّعَتْكِ بُنَيَّتي = فَالـمَوْتُ في تَوْقيتِهِ رَبَّاني
وَاسْتَرْجَعَتْ نَفْسي وَفاضَتْ مَنْطِقًا = يُرْضي الإِلٰهَ مُكَوِّنَ الأَكْوانِ
سُبْحانَ مَنْ خَلَقَ الخَلائِقَ وَالحَيا = وَقَضى الفَناءِ لِإِنْسِها وَالجانِ
سالَتْ عَلى الجَسَدِ الـمُسَجَّى أَدْمُعٌ = وَعَلا النَّشيجُ وَعَمَّ في الأَرْكانِ
اَلْكُلُّ يَبْكي زَهْرَةً قُطِفَتْ وَما = يُرْجى الرُّجوعُ لِسابِقِ الأَزْمانِ
وَغَدا رَحيلُكِ واقِعًا وَحَقيقَةً = يا وَرْدَةً سُقِيَتْ دَمَ الشِّرْيانِ
وَتَواتَرَتْ بَعْدَ الرَّحيلِ بَشائِرٌ = تَفْسيرُها اسْتَعْصى عَلى التِّبْيانِ
قالوا حَمامٌ أَبْيَضٌ غَطَّى السَّما = في اللَّيْلِ فَوْقَ البَيْتِ في طَوَفانِ
في لَيْلَةِ البَرَكاتِ لَيْلَةِ جُمْعَةٍ = مَنْ يَقْضِ فيها يَنْتَقِلْ لِأَمانِ
وَالدَّمُّ، رَغْمَ البَرْدِ في ثَلَّاجَةٍ = حَتَّى الصَّباحِ، يَنِزُّ في فَوَرانِ
وَالـمِسْكُ فاحَ مِنْ الجَبينِ كَما رَوُوا = وَسُهولَةُ التَّقْليبِ لِلْجُثْمانِ
لَمْ يَشْتَكوا ثِقَلًا لِوَزْنٍ أَوْ عَنًا = بَلْ كُنْتِ وَزْنَ الرِّيشِ في الحُمْلانِ
وَبِساعَةِ التَّشْييعِ قالوا قَدْ رَأَوْا = سِرْبَ الحَمامِ يَرِفُّ في هَيَجانِ
وَيَطيرُ صَوْبَ مَجَنَّةٍ كَمُشَيِّعٍ = وَالنَّعْشُ في الإِسْراعِ كَالطَّيَرانِ
وَلَقَدْ تَواتَرَ عَنْ نَبينا أَحْمَدٍ = أَنَّ الشَّهادَةَ سَبْعُ في الحُسْبانِ
مَنْ قَدْ قَضى بِالبَطْنِ نالَ شَهادَةً = أَوَ لَيْسَ هٰذا الوَصْفُ في السَّرَطانِ؟
وَيَقينُ قَلْبي حُزْتِها يا طِفْلَتي = وَمَضَيْتِ راضِيَةً إِلى الرِّضْوانِ
وَرَضيتُ عَنْكِ بُنَيَّتي وَحَبيبَتي = وَالكُلُّ راضٍ يا ابْنَتي وَيُعاني
غُصَصَ الفِراقِ بِحَرِّها وَلَهيبِها = مَنْ ذا لَهُ بِلَظى الفِراقِ يَدانِ؟
حَتَّى الطُّيورُ تَكَدَّرَتْ أَلْحانُها = وَالحُزْنُ وَشَّحَ خُضْرَةَ الأَغْصانِ
وَالقَلْبُ مَفْطورٌ وَلَسْتُ مُحَصَّنًا = مِنْ فَتْكَةِ الزَّفَراتِ في الأَحْزانِ
مَرَّتْ عَلَيَّ خَواطِرٌ وَهَواجِسٌ = كادَتْ تُزَلْزِلُ راسِخَ الإِيمانِ
أَسْتَغْفِرُ الرَّحْمٰنَ جَلَّ جَلالُهُ = كادَ اليَقينُ يُصابُ بِالخِذْلانِ
ما جازَ يَمْتَزِجُ اليَقينُ بِشُبْهَةٍ = كَلَّا وَلا بَرِحَ الرِّضى وُجْداني
ثِقَتي بِرَبِّي لَمْ تُزَعْزَعْ لَحْظَةً = فَالشَّكُّ أَصْلُ تِجارَةِ الخُسْرانِ
اَفْرِغْ عَلَيَّ الصَّبْرَ يا رَبَّ الوَرى = وَالْطُفْ بِنا مِنْ سَطْوَةِ الهَذَيانِ
فَالضَّعْفُ أَصْلٌ في الأَنامِ وَنَصُّهُ = آيٌ أَتى في مُحْكَمِ القُرْآنِ
وَالقَلْبُ تَغْمُرُهُ الشُّجونُ مَرارَةً = بَعْضي إِلٰهي لُفَّ بِالأَكْفانِ
أَدْرَجْتُها بَطْنَ اللُّحودِ وَعَتْمَها = وَأَهَلْتُ تُرْبًا فَوْقَها في آنِ
وَتَرَكْتُها وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّها = أَغْلى عَلَيَّ مِنْ العَريضِ الفاني
كانَتْ عَروسَ الدَّارِ أَجْمَلَ وَرْدَةٍ = تُهْدي الشَّذا لِلْبَيْتِ وَالسُّكَّانِ
وَتُوَزِّعُ البَسَماتِ في جَلَساتِها = وَيَفيضُ مِنْها البِشْرُ لِلْجيرانِ
اَلْكُلُّ عَنْ أَخْلاقِها قَدْ حَدَّثوا = أَوْ طيبِها وَالعَقْلِ وَالرَّجَحانِ
كانَتْ مَلاكي في الحَياةِ وَحارِسي = إِنْ قُلْتُ "عُشْعُشَ" صَوْتُها لَبَّاني
رَكَضَتْ تُسابِقُ ضَحْكَها نَحْوي وَكَمْ = ساقَتْ طَرائِفَها إِلى آذاني
وَإِذا صَرَخْتُ مُغاضِبًا وَمُعاتِبًا = هَبَّتْ تُراضيني "أَنا هِيَّاني!"
وَتَلُفُّني بِذِراعِها وَحَنانِها = وَبِبَسْمَةٍ تَسْتَلُّ ما أَعْياني
وَتُقَرِّبُ الخَدَّ الطَّهورَ لِقُبْلَةٍ = وَتَغيبُ وَالأَفْراحُ مِلْءَ جَناني
يا رَبُّ فَارْحَمْها وَطَهِّرْها فَما = يُرْجى سِواكَ لِـمِنْحَةِ الإِحْسانِ
وَاجْعَلْ إِلٰهي في الجِنانِ خُلودَها = وَبِلا حِسابٍ يا عَظيمَ الشَّانِ
وَاسْبِغْ عَلَيها يا كَريمُ تَحَنُّنًا = وَاغْفِرْ لَها يا واسِعَ الغُفْرانِ
وَاشْمَلْ بِعَفْوِكَ رَبَّنا لِضَعيفَةٍ = وَبِذا دَعاكَ وَأَلْحَفَ الأَبَوانِ

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net


مقالات متعلقة