فايز سارة في مقاله:
الوقوف ضد القتل لا يحدد فقط موقفا حازما من هذه الجرائم إنما هو سعي من أجل عدم تكرارها مجددا أو الحد منها على الأقل عندما يلوح للمجرمين أن ثمة من يحاسبهم على جرائمهم ويوقع العقوبات بهم دون تمييز بين مرتكب وآخر
لا بد من الانتباه إلى أن السفارة الروسية في دمشق لم تعد بمثابة سفارة بالنسبة للسوريين الذين خرجوا على النظام وسياساته وعلاقاته، وهو ما جعل عشرات دول العالم تغلق سفاراتها لدى النظام، وتسحب ممثليها تأكيدا لعدم شرعية النظام وتمثيله للسوريين
تمخضت الحرب في سوريا، في أحد تفاصيلها الأخيرة، عن سقوط عدة قذائف هاون على السفارة الروسية بدمشق، مما تسبب بسقوط قتيل وتسعة جرحى من عناصر أمن السفارة. وحدث كهذا أحد تفاصيل «بسيطة» في أحداث دموية تشهدها سوريا منذ مارس (آذار) 2011 سقط فيها مئات آلاف الأشخاص، معظمهم من الأبرياء. بل إن الحدث نفسه ترافق مع سقوط عشرات الأشخاص في منطقة القلمون، قتلت أغلبهم الآلة العسكرية للنظام، أو جرى ذبحهم على أيدي «جيش الدفاع الوطني» الذي شكلته السلطات من الشبيحة على نحو ما حدث في بساتين دير عطية في القلمون السوري.
وعمليات القتل، وبخاصة قتل المدنيين وذبحهم، أعمال وحشية وجرائم موصوفة تستحق الإدانة، ويفترض الوقوف ضد مرتكبيها، وإيقاع أقصى العقوبات بهم، خاصة إذا كان القتلة اختطوا وكرسوا نهج القتل العشوائي، وأمعنوا فيه على طريق تحقيق أهداف سياسية.
موقف حازم
والوقوف ضد القتل لا يحدد فقط موقفا حازما من هذه الجرائم، إنما هو سعي من أجل عدم تكرارها مجددا أو الحد منها على الأقل، عندما يلوح للمجرمين أن ثمة من يحاسبهم على جرائمهم، ويوقع العقوبات بهم دون تمييز بين مرتكب وآخر.
غير أن هذه القواعد العامة في تطبيقاتها السورية وأحداثها، جرى التعامل معها بطريقة مزدوجة من جانب مجلس الأمن الدولي قبل أيام؛ إذ استحقت حادثة السفارة الروسية توقفا غاضبا عندها من جانب المجلس المنوط به الحفاظ على السلم والأمن الدوليين في وقت تجاهل فيه قول كلمة واحدة بصدد ما حدث في القلمون، رغم ما يحيط بالحدثين من التباسات تستحق الوقوف عندها، إن لم نقل إنه ينبغي أخذها بعين الاعتبار من قبل مؤسسة من هذا المستوى.
وقائع اجرامية
أول النقاط التي ينبغي الانتباه إليها، أنه لم يجرِ إجراء تحقيق فيمن قام بإطلاق القذائف على السفارة الروسية، والأمر في هذا ليس بديهيا على نحو ما ظهر في بيان مجلس الأمن، وثمة كثير من وقائع إجرامية ارتكبها النظام للإيحاء بأن الآخرين من «الإرهابيين» قاموا بها، وهي اتهامات سياسية هدفها تحريض العالم ومجلس الأمن على خصوم النظام بوصفهم «إرهابيين».
وثاني النقاط أن مجلس الأمن الذي أصدر حكما تقديريا في موضوع السفارة الروسية، هو نفسه الذي لم يفعل شيئا في مجزرة الكيماوي بغوطة دمشق، التي حقق فيها فريق دولي، وأكد أن النظام هو الذي ارتكب المجزرة، وقتل فيها نحو ألف وخمسمائة من المدنيين أغلبهم من الأطفال والنساء.
والنقطة الثالثة أن مجلس الأمن الدولي من خلال تقصيره وتخاذله في القيام بمهمته ومعالجة القضية السورية بصورة قوية وفعالة طوال نحو ثلاث سنوات، لم يدعم تواصل حرب النظام الدموية والتدميرية فحسب، بل فتح أفقا أسود لتدخلات دولية، واحتلالات أجنبية لسوريا، وباباً لدخول كل متطرفي العالم لارتكاب الجرائم ضد السوريين.
ورغم أهمية النقاط السابقة، فإنه لا بد من الانتباه إلى أن السفارة الروسية في دمشق لم تعد بمثابة سفارة بالنسبة للسوريين الذين خرجوا على النظام وسياساته وعلاقاته، وهو ما جعل عشرات دول العالم تغلق سفاراتها لدى النظام، وتسحب ممثليها تأكيدا لعدم شرعية النظام وتمثيله للسوريين، فيما تحولت السفارة الروسية إلى غرفة عمليات سياسية - عسكرية وأمنية تتجاوز مهمتها الأساسية في رعاية مصالح البلدين والشعبين، وصارت مصدر دعم النظام وآلته العسكرية والأمنية ومركز تواصل لتمرير صفقات الأسلحة والخبراء العسكريين والأمنيين العاملين ضد الشعب السوري وقتل أبنائه وتدمير مقدراته والحفاظ على نظام فات أوانه سياسيا وأخلاقيا.
إن التدقيق في مجريات صدور بيان مجلس الأمن الأخير حول حادثة السفارة الروسية ومحتوياته، تحمل مخاوف من نزعة عنصرية كامنة في القرار، جوهرها أن قذائف على هدف أجنبي ومقتل شخص وإصابة تسعة من أفراد أمن السفارة، هو محط اهتمام مجلس الأمن أكثر بكثير من اهتمامه بتدمير الإرث الثقافي والحضاري والإنساني ومقدرات الشعب السوري، وقتل وجرح وتهجير ملايين منه على أيدي النظام وحلفائه الروس والإيرانيين وأدواتهم من حزب الله ولواء أبو الفضل العباس وبأسلحة وذخائر روسية الصنع وبمعونة خبراء روس.
ولعل الغريب فيما أحاط ببيان مجلس الأمن الدولي الأخير، هو موقف بعض أصدقاء الشعب السوري الذين مرروا تنديدا وإدانة لما حدث في السفارة الروسية من عمل «إرهابي» لأفراد أو جماعات لا نعرف من هي، دون أن يشيروا ولو مرورا إلى إرهاب واسع ومنظم ومستمر يقوم به النظام ضد الشعب بمن فيه من مدنيين عزل، وبالتأكيد فإن من غير المقبول على هيئة دولية فيها هذا المستوى من التمثيل، وتدعي الحيادية ومهمتها الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، أن تتعامل بازدواجية المعايير مع القضية السورية وبالجانب المتصل فيها بالإرهاب.
*نقلاً عن "الشرق الأوسط"
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net