الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 20 / سبتمبر 06:02

شالوم عليخم والخنجر المسموم/ بقلم: ظاهر الشمالي

كل العرب
نُشر: 19/02/14 07:58,  حُتلن: 07:59

ظاهر الشمالي في مقاله:

حضور المستوطنين من جامعات الاحتلال الى مقر المقاطعة كان احد اكبر عروض التطبيع حين أفلس المفاوض وابتعد قليلا عن طاولة التنازلات

في صباح رمادي مغلف بالروتين الباعث على الاحباط واليأس والضياع الى المجهول والاحساس بالنقص والعزلة والشعور المزيف بالوحدة الذي يكاد ان يصل مرحلة الانحطاط من ورطة الضغط والكبت النفسي الذي يعاني منه الناس في مدن الضفة الغربية المحتلة والساكنون خارج النافذة من لاجئين يقتلون في مخيمات الشتات. في هذا الصباح المغاير والخارج عن النص كان رئيس السلطة ابو مازن والذي افتتح في ذاك الصباح المشؤوم مرحلة جديدة لاعادة صياغة قصص ألف ليلة وليلة" وهي العمل الأول في أدب الهولوكست"،كما يقول البروفيسور دان ميرون، حين كانت تلك القصة " هي المحاولة الأولى لوصف الإبادة التي وقعت بحق اليهود. بهذا المفهوم وصفها ، "فشالوم عليخم" كان الأديب الأكبر للضعف كما يقول ادباء اسرائيل وقد سبق جميع الأدباء، وهو يصف مدنا تم تدميرها وعائلات تنهار، وبشكل ساخر. القصة المكتوبة عام 1915 هي آخر قصة كبيرة كتبها. بطله، يوفنر، يسلم بالواقع ولكنه لا يعيش به. هو يتحدث كأنه لا يزال سيدا ذا مكانة وليس لاجئا يسافر لأمريكا وهو غير متيقن أبدا من نجاته في الرحلة. بل وتنتظره في أمريكا حياة مأزومة في جيتو المهاجرين اليهودي بنيويورك. مثل الأدباء الروس الكبار، فشالوم عليخم ينشغل باستراتيجيات النجاة في عالم غير محتمل."

فالبطل هذه المرة لم يكن يوفنر ولا احد من اتباعه المهاجرين الى نيويوك بقدر ما كان بطل الرواية هو ابو مازن الذي استقبل الشباب في بيت الطاعة حيث يعيش ويأخذ راحته في تقسم الكعكة بعيدا عن الشهوات المفتوحة للوطن وبعيدا عن اعين تشتهي العودة الى ديارها. هناك تطبخ المكائد وتبنى اعشاش الدبابير حتى لا تقرص محتل يتربص بنا بقدر ما هي دبابير تصيبنا في مكان هو الاكثر وجع. فالمشكلة في واقع الرواية لم تكن تحية الخواجات بلغة الخواجات بقدر ما هي تحويل لربما يكون بقصد لمقر المقاطعة من حصن وقلعة شيدها ياسر عرفات حين شد انظار العالم في ايام الحصار اليها الى قاعة استقبال تحوي كل اصناف الخيانة وكل اجناس التطبيع العلني مع الاحتلال.

وفي الرواية القصيرة التي بدأها بالتحية والترحاب بضيوفة وليس ضيوف فلسطين هم كانوا ضيوفا لمحمد شتيه وصائب عريقات وقيس ابو ليلى ولم يكونوا ضيوفا لاهل مخيم اليرموك ولا لاهل مخيمات الضفة ولا حتى لاهل رام الله التي تعيش واقع المغلوب على امرها فالرواية القصيرة التي تحطم القلب "قصص ألف ليلة وليلة"، كان يحكي فيها " يعنكيل يوفنر" الذكي وحاد الذهن قصته على آذان الأديب شالوم عليخم، الاثنان متواجدان على متن سفينة مشحونة باللاجئين اليهود، وتشق طريقها في مياه البحر الشمالي والمحيط الأطلنطي إلى أمريكا. "هذه الدولة التي خلقها الرب من أجل اليهود، حتى يصبح لهم مكان يهربون إليه، في ساعة الضيق"، كما يقول يوفنر. فمان كان هذا الملجأ والمقصد الا المقاطعة برام الله التي احيت فيهم الوجع والضياع وكيفية جعل العالم يشفق على هاولاء الهاربين من وحي الموت.

تلك كانت رواية شالوم عليخم التي اعاد ابو مازن الروح فيها من جديد وقام بترميم احرفها البالية والمختفية منذ الهولوكست المزعوم. حين تعامل مع ضيوفه الاسرائيليين الذين سيكونون غدا جنودا ينكلون في ابناء الضفة ويقصفون ابناء غزة ويضايقون على ابناء الداخل. هم نفس الشباب سيكونون غدا على المعابر والحواجز حين حصلوا على براءة الذمة من شخص نصب نفسة على الشعب قال عنه من ينتمون الى حركته حين عاش زعيمهم فترته العصيبة اثناء الحصار الشهير للمقاطعة " انه كرازي فلسطين ".

واليوم خرجوا ليقولوا انه رب الحكمة والحنكة السياسية وكيفية التعامل وسرقة المواقف. ان كل ما تعرض له مخيم اليرموك من موت جراء الجوع ومن قتل جراء القصف ومن اغتصاب وفتك للاعراض وانتهاك للحرمات كان اهون عند المذبوحين مئة مرة من خنجر ابو مازن المسموم الذي وضعه في خاصرتهم وهم تحت حد السيف حين شبه وجعهم بالفيضان الذي سيغرق اولاد الفلاشا الذين اعطاهم الامن والطمانينه على حساب عذابات شعبة الذي يموت من حجم التخاذل..

ان حضور المستوطنين من جامعات الاحتلال الى مقر المقاطعة كان احد اكبر عروض التطبيع حين أفلس المفاوض وابتعد قليلا عن طاولة التنازلات. حتى كاد ان ينسى اللغة العبرية التي يتعامل بها مع جيرانه في القدس الغربية ما دعاه للتعامل مع الجيل الشاب حتى لا ينسى اللغة. من خلال التطمينات والوعود. التي اطلقها ابو مازن للجنود والضباط الذي كانوا يوزعون الابتسامة في داخل قاعة الحضور عدا عن قراءة التوراه والدعاء للسلام الذي اضاع وطن وها هو في طريقه لكي يضيع ويذيب شعب بأكمله، تحت راية حسن النوايا والصلح والسلام الذي يعتبر احد اكبر مشاريع الفشل وما هو الا ولادة فأر من قبل ثورة كان من الممكن ان تكون جبل في يوم من الايام.

ان الشباب الفلسطيني الضائع والحائر كان هو الاحوج لذلك اللقاء مع ان الكثيرين لا يرغبون فيه ولا حتى يشرفهم الدخول للمقاطعة الا فقط اطراف الاصابع حتى يزوروا ضريح الشهيد عرفات، الذي حوصر وقتل مسموما على يد شركاء السلام الذين وصل الحد بالمفاوض الفلسطيني ان يتخذهم كمعبود لا يغير قبلته ولا نهجة ما دام هو الحياة وهو الطريق وهو المسلك الذي لم يجلب الا الضياع ولا غيره.

شالوم عليخم كانت الكلمة التي تتنكر للوطن وتهدي صفد الى هؤلاء الذي اتوا على ظهر البخارة كما في الرواية من هولندا وشيكوسلافيا وروسيا حتى يعيشوا بيننا كالطحالب والهواء السام. الذي يربك حالنا ويخلط اوراق راحتنا. تلك الكلمة لم تكن بداية لمسلسل المزاد العلني ولا حتى بيت الهدايا وتوزيع الجنسيات لتعبة فراغ قيادي موجود، ويتحسسه من هم فيه لانهم ادرى الناس على انهم ليسوا اهل لقيادة انفسهم واللصوص لا تؤمن على اوطان.. اللصوص بالاصل لا تحويها الاوطان ولا تعترف بنذلاتها..

فمن جاءوا بالباصات من القدس وتل ابيب الى رام الله. جاءوا وفي يدهم بالون اختبار ورسالة من حكومتهم اليمينية المتطرفة لكي يتحسسوا ردة فعل الناس وماهية مزاجاتهم العامة وكيف ستستقبلهم السلطة حتى بوصلوا رسالة التطمين من بيت ابي سفيان الى نتنياهو الذي سيزور رام الله ومجلسها التشريعي عاجلا ام اجلا وسيبادله حاكم المقاطعة نفس الخطوة لزيارة الكنيست في العاصمة المنيسة والمحتلة، على غرار سلام السادات لتكون تلك الخطوة هي الأخيرة حتى تنضج الطبخة وبقدم الطبق الى من يتلذذ شيء تبقى من فلسطين ان تبقى شي نجا من توقيعاتهم التي ستكون ايضا خاتمتها شالوم عليخم.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة