الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 04 / مايو 06:02

المرأة العربية بين الواقع والتطلعات/بقلم:شاكر فريد حسن

كل العرب
نُشر: 16/03/14 08:22,  حُتلن: 09:28

شاكر فريد حسن في مقاله: 

النظرة الذكورية والموقف الدوني السلبي تجاه المرأة لم يتغير وبقي على حاله وهذا إن دل على شيء فيدل على الازدواجية وإنفصام الشخصية لدى أبناء مجتمعنا

مجتمعنا شهد تحولاً وتغيراً في المفاهيم والمنظومة القيمية والسلوك الإجتماعي لكنه للأسف لا يزال يتشبث بالأفكار والمعتقدات والآراء والمواقف التقليدية المحافظة المشككة بقدرات المرأة وطاقاتها الإبداعية

المرأة نفسها تتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية في إستمرارية النظرة الدونية تجاهها إذ أنها راضية بما غسل واقنع عقلها المنسجم مع تفكيرها السطحي وعدم إيمانها بحقوقها ودورها الإجتماعي والسياسي

الاسلام كرّم المرأة بأن جعل لها حقاَ شرعياً في الميراث وهو حق ثابت منذ ان تكونت جنيناً في بطن أمها ويظل هذا الحق لها مهما كانت ظروفها المادية

لا ريب أن المرأة من أكثر الطاقات تهميشاً في عملية التنمية في مجتمعاتنا العربية الشرقية. فهي مستلبة فكرياً، وأسيرة التقاليد والأعراف السائدة والمفاهيم الاستهلاكية البرجوازية والرأسمالية ، التي جعلت منها متاعاً وسلعة في سوق الدعايات التجارية والأفلام الإباحية وصالونات التجميل، وأحياناً في سوق النخاسة . والمرأة العربية تعاني من رجعية في التعامل معها كعنصر فاعل في المجتمع ، وتكابد الظلم والقهر المركب ، وتتعرض للإضطهاد الطبقي والإجتماعي والانساني .

تحرر المرأة إجتماعيا وسياسيا
وبالرغم من أن المرأة خطت خطوات كبيرة على طريق تحررها الإجتماعي والسياسي والإقتصادي ، وتمردت على التقاليد والنظم والقوانين الإجتماعية الجائرة ، وخرجت من وراء الأسوار والاسلاك الشائكة والجدران المغلقة والاغلال الحديدية ، التي تكبلها ، لتتعلم وتعمل وتنتج وتساعد في حمل أعباء البيئة والاسرة والاطفال ،وتقود السيارة، وتجلس في المقاهي والمطاعم، وتدخن النرجيلة ،وتشاهد الأفلام في دور السينما ، لكن مع كل هذ فإن النظرة الذكورية والموقف الدوني السلبي تجاه المرأة لم يتغير وبقي على حاله. وهذا إن دل على شيء فيدل على الازدواجية وإنفصام الشخصية لدى أبناء مجتمعنا ، والمثقفين منهم على وجه الخصوص ، في تعاملهم وإهانتهم للمرأة. فمن جهة يؤمنون بحريتها ومساواتها وحقوقها ، ولكن في التنفيذ والممارسة على ارض الواقع يتعاملون معها كماكنة تفريخ وأداة للمتعة وإشباع شبقهم وغريزتهم الجنسية .

السلوك الإجتماعي
ولا جدال في أن مجتمعنا شهد تحولاً وتغيراً في المفاهيم والمنظومة القيمية والسلوك الإجتماعي ، لكنه للأسف لا يزال يتشبث بالأفكار والمعتقدات والآراء والمواقف التقليدية المحافظة المشككة بقدرات المرأة وطاقاتها الإبداعية ، وهي مفاهيم متغلغلة في عمق هذا المجتمع . فكم من إمرأة قتلت بحجة الحفاظ على "شرف العائلة"- وكأن الشرف متعلق بها دون الرجل - وكم فتاة حرمت من الدراسة الجامعية بسبب الإختلاط بين الجنسين ؟!.
الواقع أن المرأة نفسها تتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية في إستمرارية النظرة الدونية تجاهها ، إذ أنها راضية بما غسل واقنع عقلها المنسجم مع تفكيرها السطحي ، وعدم إيمانها بحقوقها ودورها الإجتماعي والسياسي ، وتعاملها مع نفسها جسداً وفراشاً وديكوراً ومكياجاً ولباساً وعطوراً وشكلا خارجياً وزينة وجمالاً تتباهي به في الأعراس والمناسبات الاجتماعية، وإن همها في الحياة الدنيا الإرتباط بحبيب أوشريك حياة يأتيها على جواد ابيض فضلاً عن انجاب الأطفال ، ولا تسعى الى إثبات مكانتها وتحقيق ذاتها ونيل حريتها وتحصيل حقوقها الإجتماعية ومساواتها مع الرجل.

تكريس الثقافة الذكورية 
وبينما التيارات الظلامية والاصولية السلفية تساهم بقسط وافر بتكريس الثقافة الذكورية والنظرة السلبية تجاه المرأة ، والتمسك بالرواسب الثقافية والاجتماعية ، التي تضع المرأة في موضع القصور ، واشاعة الافكار التقليدية الرجعية التقليدية ، الا ان الاسلام في حقيقته وجذوره وضع الأسس والمرتكزات لتحرر المرأة وصيانة عفتها ، فكرمّها وأنصفها وأعلى من شأنها ومنحها حقوقها، واسترد جزءاً من كرامتها ، وأمر بأن تعامل احسن معاملة ، وهذا الامر يتجلى لنا في نصوص قرآنية كثيرة . لكن للأسف الشديد ان هنالك فرقاً بين النظرية والتطبيق ، فما ورد في النص القرآني لا يطبق في مجتمعاتنا العربية والاسلامية ، التي انحرفت عن مبادئ وقيم واسس الدين المستقيم ، وانما تتحكم في ذلك العادات والتقاليد الجاهلية المتوارثة . وقد وجه الاسلام اهتمامه نحو المرأة منذ طفولتها ووهبها حق الحياة عندما قضى على اكبر جريمة ارتكبت بحق النساء في العصر الجاهلي ، وهي عادة "وأد البنات" . كما ان الاسلام منح المرأة حقها في العلم والعمل والخروج والسفر وتقلد المناصب الادارية العالية واستقبال الضيوف واختيار شريك الحياة وتنظيم النسل وطلب الطلاق في حالات معينة وكفل حقها في المهر والنفقة ، وسنّ القوانين التي تصون كرامتها وتمنع استغلال جسدها واستلاب عقلها وترك لها حرية الخوض في مجالات الحياة ، ولكن المجتمع يصر على سلبها كل هذه الحقوق ، ولا يكتفي بذلك بل يضطهدها ويقمعها ويستلبها .

المرأة 
كذلك فأن الاسلام كرّم المرأة بأن جعل لها حقاَ شرعياً في الميراث، وهو حق ثابت منذ ان تكونت جنيناً في بطن أمها ، ويظل هذا الحق لها مهما كانت ظروفها المادية . لكن هذا الحق ضائع لدى اكثرية القبائل والأسر العائلات العربية ، حيث تحرم المراة من هذا الميراث او التركة ، وغالباً ما يترتب على هذا الحرمان من نصيبها وحصتها التهديد والوعيد والتنازل عن هذا الحق الشرعي والديني والأخلاقي والإنساني الطبيعي ، عدا الشكاوى في المحاكم وإنقطاع صلة الرحم بين الاخوة والاخوات.
غني عن القول ، أن المرأة انسان وحقوقها من حقوق الانسان، وتحريرها مرهون بدرجة تحرر الرجل بالأساس، وأي إعتداء على كرامتها او إضطهادها هو مس بالإنسان ، فالمبدأ لا يتجزأ إنسانياً ، ولذلك فإن التعامل مع المرأة مجرد جسد أو وعاء جنسي وسط نسق من المفاهيم والقيم الثقافية والمجتمعية، فيه إمتهان وإحتقار لها ويسلبها شخصيتها وكينونتها وإنسانيتها.

تحرر المرأة 
خلاصة القول ، إن مجتمعاتنا العربية بحاجة الى تطوير وترسيخ النظرة التقدمية الإنسانية العصرية والحضارية للمراة، ومن الضروري أن تتخلص الأوساط المثقفة الطليعية، الفكرية والسياسية، من ازدواجيتها وعزلتها ومعاييرها ، وتشديد النضال الدوؤوب والمثابر لأجل التغيير ودعم المرأة ومساندتها والوقوف الى جانبها في سبيل تحررها وإعلاء مكانتها، ومحاربة كل الافكار الرجعية الظلامية ، التي ترى فيها ناقصة عقل ودين ، ومجرد أداة للمتعة والجنس وتربية الاطفال ، وتقف حجر عثرة امام تقدمها ونهوضها الاجتماعي الحضاري ، فالمعيار الاساسي لتقدم ونهضة المجتمع يقاس بالموقف من المرأة وحريتها ، ولا تحرر لها الا في اطارالحركة السياسية والاجتماعية النهضوية ، وقضية تحررها جزء لا يتجزأ من قضية التحول الديمقراطي المجتمعي العصري والحضاري والمدني.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة