ديانا مقلد في مقالها:
تحلق النازحون حول «الرئيس» يصرخون «بالروح بالدم»، وتهافتوا للقائه وواصل هو ابتساماته ونظراته الخاوية التي عجزت الكاميرات عن تمويه فراغها
لا شك في أن الثورة السورية نجحت في صناعة صورة لم يسبق لثورة أو حراك آخر بلوغها لكن في المقابل نجح النظام السوري في إضعاف القرائن التي حملتها الصور والتشكيك فيها والقول إنها مفبركة وغير حقيقية
جذبت الجدة يد الطفلة الصغيرة الباكية زائغة النظرات أمام الرئيس السوري بشار الأسد، فسمعنا الفتاة وهي تنتحب تقول إنها لا تعرف شيئا عن أمها وإخوتها. لم نعرف من الصغيرة ومن أهلها أو كيف فقدوا.. كلام قليل غير مفهوم جرى تبادله، لكن انتهى المشهد هنا لتعلو في الخلفية أغنية «خلي إيدك بإيدي، والله ما بتخلى عنك لو يقطعوا وريدي».
أي مفارقة هذه أن تكون كلمات الأغنية التي اختارها التلفزيون الرسمي السوري للتعبير عن الحب للرئيس تقرن ذاك الحب والوفاء بقطع الأوردة.
بقيت تلك الأغنية ترافق الدقائق الطويلة والثقيلة لجولة الأسد على نازحين من «عدرا»، زارهم في ظهور وصف بأنه نادر ويعقب إعلانه الوقح أنه يستحق الترشح لولاية «دموية» جديدة.
من كان يستفظع مشاهد العنف والقتل والدم المصور في سوريا خلال السنوات الأخيرة بوصفها نقلا أمينا وحسيا لمعنى الألم والفظاعة، عليه ربما أن يوسع من نطاق تعريف القسوة وتشعباتها. فبعد ثلاث سنوات من مشاهد الموت السوري، ها نحن أمام ذروة درامية تلك المأساة، وهي لحظة لقاء القاتل ضحاياه..
غلب على مشاهد المقتلة السورية اليومية خصوصا تلك التي جمعت القتلة بضحاياهم إن كانت مشاعر العنف صارخة، الضحية إما تتضرع أو تبكي أو تعاند أو تتلوى من الألم أو تلفظ أنفاسها الأخيرة، والقاتل لا يخبئ وجهه ويمارس عنفه وصراخه وأحيانا ضحكه بإصرار كامل..
لحظة لقاء الأسد بعشرات من النازحين هي لحظة لقاء قاتل بضحاياه.
لكن للحظة هذه تأويل آخر، تأويل لم تستطع الكاميرات الكثيرة التي حرصت على نقل الالتفاتات المدروسة للرئيس «الحنون» وتدوين كل لفتة «حب» - أن تبدده. فثمة مشاعر مخنوقة رافقت واقعة زيارة الرئيس السوري لضحاياه في مخيم النازحين. فحين يسأل الرئيس سيدة دامعة تستجدي أن يجد لها زوجها المفقود، فلنا وحدنا أن نتخيل المعنى المضمر في السؤال، والجواب: «هوني عليكي واشكري الله أنني لم أقتلك معه»، أو حين ربت على كتفي الصبي الجالس في حلقة مع أطفال، لعله كان يعني «كيف نجيتم من براميلي أيها الصغار، في المرة القادمة سأتحقق من أن تكون الإصابات أكثر دقة».
تحلق النازحون حول «الرئيس» يصرخون «بالروح بالدم»، وتهافتوا للقائه، وواصل هو ابتساماته ونظراته الخاوية التي عجزت الكاميرات عن تمويه فراغها.
لا شك في أن الثورة السورية نجحت في صناعة صورة لم يسبق لثورة أو حراك آخر بلوغها، لكن في المقابل نجح النظام السوري في إضعاف القرائن التي حملتها الصور والتشكيك فيها والقول إنها مفبركة وغير حقيقية..
لقاء الأسد بالنازحين هو المقلب الآخر لتلك الصورة.. إنه لقاء رئيس «حنون» بشعب عذبه وشرده «المسلحون»..
هل تصدقون أن الأسد حنون!!
هذا ما يفترض صانعو الشريط أننا سنستنتجه تماما، كما يفترض النظام أننا سنصدق أن من يقتل الشعب السوري هم المسلحون..
نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط"
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net