الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 05:02

أن تكوني امرأة خارج السرب/ بقلم:نجمة علي

كل العرب
نُشر: 09/06/14 08:10,  حُتلن: 07:23

نجمة علي في مقالها:

أن تكوني امرأة خارج السرب- يعني ان لا ترضي بأن تكوني "باربي" لأي احد ولا حتى لنفسك

في كل موقف وفي كل تجربة تعلمت بأن عدم السكوت والانكفاء على الذات هي الاستراتيجية الوحيدة الكفيلة بوضعك على الخارطة وعدم الاستهتار بك

لا انتقص بتاتا من وظيفة التدريس وبالعكس أراها واحدة من اهم المهن والتي يجب الاستثمار بها وتدعيم قيمتها المعنوية داخل مجتمعنا الا ان التدخل المجتمعي في رسم مسار حياتك الذي يجب ان يكون مثل "الجميع"

الكثير من المواقف تنخرط في ذاكرتنا وترافقنا خلال مراحل حياتنا. هذه المواقف نفسها هي التي تصوغ تصرفاتنا وتنعكس في ردود فعلنا تجاه اي حدث. وربما قصصنا الحقيقية هي اصدق ما يكون، لأنها شاهدة على مسيرتنا وعلى نجاحنا وفشلنا وكل ما يمكن ان يكون. لذلك قررت مشاركتكمن بعضا من تلك المواقف التي جعلتني على ما انا اليوم. اقوى اكثر. وصادقة مع نفسي والاخرين اكثر واكثر.

عندما قررت دراسة موضوع العلوم السياسية في الجامعة، حطمت حلم والداي اللذان اراداني ان اكون "محامية". في الحقيقة لم يقفا امام رغبتي كثيرا، ربما بسبب ثقتهم بي. لكني ما زلت اتذكر ردود فعل كثير ممن هم حولي "بنت وعلوم سياسية؟ شو يعني بدك تصيري؟ سفيرة".

"احسن اشي معلمة- بتخلصي شغل بتكوني مع ولادك وبيتك وجوزك"

عملية الاختيار الأساسية لعملك المستقبلي كإمرأة يجب ان يتلائم دائما مع حقيقة كونك "أنثى" وليس مع حقيقة كونك انسان تملكين طموحا او حلم تسعين لتحقيقه. مع العلم بأني لا انتقص بتاتا، من وظيفة التدريس وبالعكس أراها واحدة من اهم المهن والتي يجب الاستثمار بها وتدعيم قيمتها المعنوية داخل مجتمعنا، الا ان التدخل المجتمعي في رسم مسار حياتك الذي يجب ان يكون مثل "الجميع"- لأن السرب لا يحتمل الخروج عن مساره .

بعدها كانت نبرة السخرية تأتي من الطالبات الجامعيات انفسهن "شو بتشتغلي يعني؟"

وكن يصبن بالدهشة عندما اقول لهن "في الحقيقة انا اعمل في الجامعة في قسم العلوم السياسية نفسه".

وللأمانة كانت تتحول النبرة في بعض الأحيان، الى نبرة احترام ونظرات فخر.

اذكر حين انتخبت اول مرة لأكون رئيسة ادارة احدى الجمعيات، لم استطع البدء بالحديث خلال الاجتماع الاول، الا عندما ضريت بيدي على الطاولة عدة مرات. والجملة الاولى التي كانت بعدها : "في المرة القادمة لن اخبط على الطاولة لأنكم ستعتادون على ابتداء الاجتماع بحديثي"

خلال نشاطي السياسي الجامعي، احد التهديدات التي وصلتني من احد "ذكورة" الاحزاب المنافسة، "نبهوها، يكفي ان اطلق عليها بعض الشائعات كي احرقها"، في محاولة منه لاستعمال "البعبع" الاخلاقي، والتي اوصلت الرسالة كانت "طالبة" تخاف على سمعتي.

وكان ردي من ثلاث كلمات: " انا اللي بحرقك"

طبعا لم يتوقع الرد- وما زال في كل مرة يراني يشيح بنظره عني محاولا الاختفاء من نظراتي الثاقبة.

ولأنني صادقة مع نفسي او على الاقل، احاول. لم يقتصر الاقصاء والتهديد ومحاولات التهميش كمحاولة ردع وثني عن اسماع صوتي وابداء رأيي داخل الدوائر البعيدة.

في احدى المرات خلال اجتماع كادر للحزب الذي انتمي اليه، وقف رفيقا عزيزا قائلا لي بصوت قوي "اقعدي". في محاولة منه لاسكاتي. لاحقا عندما سألته لماذا- قال : " واجبي ان امنعك من التأثير على الاخرين، بتعرفي انو لما بتحكي ممكن تأثري".

في واقعة اخرى اقتربت مني امرأة اسرائيلية بعد انتهائي من القاء خطابي لتقول لي دون خجل " كيف هذا؟ ان تكوني امرأة جميلة وذكية وعربية؟"

اجبتها بتهكم: " انها الجينات يا سيدتي".

في كل موقف وفي كل تجربة، تعلمت، بأن عدم السكوت والانكفاء على الذات، هي الاستراتيجية الوحيدة الكفيلة بوضعك على الخارطة وعدم الاستهتار بك.

تعلمت ان الخط الاحمر هو ذلك الذي احدده انا وليس من حولي او قبالتي. في البيت والجامعة والعمل والنشاط المجتمعي والسياسي- كلها ساحات ميدانية تخضع لمنظومة القمع المحيطة بنا، ونحن النساء جزءا من هذه المنظومة، نعيشها، نمقتها ونتفاوض معها- محاولات بكل ما اوتينا من قوة تثبيت اقدامنا ونفسنا.

الشعور بالحرية ، هو ليس مفهوما ضمنا، هو شعور يبدأ من كوني امرأة تختار ما تريد على جميع المستويات، بدءا من التعليم والعمل وشريك الحياة، وصولا الى نهج الحياة التي تريد ان تتبناه.

ان تكوني امرأة خارج السرب، يعني ان تكوني انت، تلك المحاربة العنيدة التي تناضل قبل كل شيء من اجل النهوض بنفسها وتحقيق طموحها.

ان تكوني امرأة خارج السرب- يعني ان لا ترضي بأن تكوني "باربي" لأي احد. ولا حتى لنفسك.


ينشر هذا المقال ضمن سلسلة من المقالات الهادفة لرفع الوعي حول منظومة القمع التي تعاني منها النساء في شتى مناحي حياتهن، وتكتب على يد نشيطات نسويات فلسطينيات، تمهيدا لمؤتمر " نحن نتهم" الذي سيعقد في 11/06/2014 في الطيرة بدعوة من لجنة مناهضة قتل النساء 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net


مقالات متعلقة