الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 05:02

نكسة..ونكسات...! د.صلاح عودة الله


نُشر: 05/06/08 07:16

تمر في هذه الايام وبالتحديد في الخامس من حزيران عام 2008 الذكرى الحادية والاربعون لحادثة حزينة ومؤلمة على الشعب العربي عامة وشعبنا الفلسطيني بصفة خاصة وهي ذكرى حرب الايام الستة أو ما تعرف بالنكسة الثانية, تلك النكسة الذي أدت إلى احتلال ما تبقى من ارض فلسطين التاريخية وضياع كافة اراضي فلسطين تحت الاستعمار والاحتلال الاسرائيلي. ان هذه المناسبة تعيد فتح الذاكرة على مرحلة من مراحل المعاناة العربية ـ الفلسطينية لاتزال آثارها المدمرة تعشش في داخل كل مواطن عربي وتلقي بثقلها على واقعنا الراهن.
بين العام 1967 والعام 2008 جرى ماء عربي وإقليمي ودولي كثير. فـ"لاءات الخرطوم" العربية الشهيرة عقب النكسة: "لا للسلام، ولا للمفاوضات، ولا للاعتراف بإسرائيل"، صارت "نعم بالثلاثة"، إذ انتهى العرب جميعاً -ولا يكاد يخرج عن إجماعهم فريق يعتد به- إلى أن يكونوا أصحاب مبادرة سلام تطالب بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلها العام 1967 مقابل اعتراف عربي كامل بها، وسلام حقيقي معها.
واحد واربعون عاما والنكسة الشاهد المتجذر في الذاكرة العربية , يحرك مواجع الأمة , ويعيد ترتيب أولويات الآلام فيها , وفي أغلب الأحيان يجدد أو يضيف المزيد منها , حيث الجراح القديمة تتحول دائما إلى مواطن لنزف جديد يرهق الوجدان , ويوسع مساحة القهر.  في النكسة التي تطل هذا العام والجراح قد اتسعت , والشواهد قد تعمقت إلى الحد الذي أضحت فيه جزءا من التاريخ والحاضر على حد سواء , لا يستطيع أحد أن يتجاهل أحكام العقود التي مضت , ولا أن ينسى دروسا امتدت على مدى تلك السنوات , وهي تحرض في كل الاتجاهات  وقد ازدادت لغة التحريض فيها , كما اتسعت لهجة الاستنهاض .  مشاهد الانكسار الممتدة على مساحة الوطن لم تترك الكثير من الخيارات , ولم تتح الكثير من الحرية في الانتقاء , حيث الحياد الوحيد المتاح ان تكون خارج التاريخ , أو كما أراد لها الكثير من المنظرين من خارج الحلبة تتفاعل معها كمشاهد أيقن عجزه عن الدخول .‏  هكذا أرادوا أن تكون الهزيمة في الذاكرة , وأن تترسخ النكسة في الوجدان كحالة تعبير عن العجز الكامن , لتضاف إليها آلاف أخرى من أشكال الهزيمة في التاريخ والجغرافيا , في الفكر والممارسة , وأحيانا كثيرة في الوجود .‏  من يبحث في أسباب الهزيمة , وتداعيات النكسة لا تعييه الحيلة في تلمس أوجهها المختلفة , ولا يعجز عن التعرف وبوضوح إلى العوامل التي أدت إليها , ومن يريد أن يقرأ أكثر ثمة الآلاف من الشواهد التي تدفع باتجاه الإدراك الفعلي لدلالة الاستمرار في مناخها , رغم جملة من التطورات التي أعقبتها , وكانت تتوافر لها عوامل النجاح لتجاوزذلك المناخ وتلك التداعيات. وبقي السؤال المعلق إلى متى تبقى تلك النكسة قائمة , ولماذا تستمر بأشكال ونماذج تختلف باختلاف الظروف , وتتلون بتلون المتغيرات , وتتحرك بتحرك الغايات والاهداف ?!‏
 إن من السخرية والوقاحة إن يحتفل بوش مع اليهود على ارض فلسطين فيرقص فرحا معهم على أنين شعبنا الفلسطيني الذي يعاني من ظلم الحصار القاتل والإبادة الجماعية يوميا ومن حمام الدم الذي لم يستثني حتى الطفل الرضيع وفي الوقت الذي يطالب الشعب الامريكي بمحاكمة هذا القاتل على جرائمه في العراق الذي استباحت حرمات شعبه وانتهكت أعراض ماجداته واصبحت دبابته وطائراته تدك المنازل العرقية على رؤوس ساكنيها من الشيوخ والأطفال والنساء كما يعاني التراب العربي في الخليج العربي والجزيرة العربية من تدنيس مغول العصر ووحوش الارض له , فرغم كل ذلك فان بوش بعد إن ينهي احتفاله بعذاب شعبنا العربي ينوي زيارة أصدقائه الحكام العرب فهل بعد هذا الهوان العربي سيكون هوان .
 
إن شبابنا العربي اليوم بحاجة اكثر من أي وقت الى التمسك بالمبادئ الوطنية القومية والثورة التي بدأت ملامحها تلوح في الأفق على واقع التجزئة والإذلال الذي تكرسه حكوماتنا من خلال انصياعها للمحتل الأجنبي لتعود لأطفالنا ابتسامتهم ولتطمأن أرواح شهدائنا في عليين وليفتح شيوخنا منازلهم بما يحتفظون في جيوبهم من مفاتيح الكرامة فان ساعة الثورة قد حان موعدها ولا يصنع النصر إلا الأبطال .
هل يعيش العرب فعلاً في عالم "القرية الصغيرة"، أم أنهم مصرون على مخاطبة أنفسهم بعد أن استمرأوا دور الضحية الذي يؤدونه باقتدار منذ عقود وعقود؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي، كما يجب أن تكون، فإن عليهم –ضمن أشياء أخرى- أن يغيروا الصور النمطية التي يحملونها عن الآخرين كي يغير هؤلاء الصور النمطية التي يحملونها عن العرب.
وهنا استذكر قصيدة شاعرنا العظيم الراحل نزار قباني"هوامش على دفتر النكسة" والتي كتبها في أعقاب نكسة حزيران (يونيو) 1967:
أنعي لكم، يا أصدقائي، اللغةَ القديمه..والكتبَ القديمه..أنعي لكم..كلامَنا المثقوبَ، كالأحذيةِ القديمه..ومفرداتِ العهرِ، والهجاءِ، والشتيمه ..أنعي لكم.. أنعي لكم ..نهايةَ الفكرِ الذي قادَ إلى الهزيمه.. يا وطني الحزين..حوّلتَني بلحظةٍ ,من شاعرٍ يكتبُ الحبَّ والحنين..لشاعرٍ يكتبُ بالسكين..اذا خسرنا الحربَ لا غرابهْ ,لأننا ندخُلها.. بكلِّ ما يملكُ الشرقيُّ من مواهبِ الخطابهْ
بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابهْ..لأننا ندخلها.. بمنطقِ الطبلةِ والربابهْ......السرُّ في مأساتنا,,صراخنا أضخمُ من أصواتنا..وسيفُنا أطولُ من قاماتنا .....يا سيّدي السلطانْ ,لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ..لأنَّ نصفَ شعبنا.. ليسَ لهُ لسانْ..ما قيمةُ الشعبِ الذي ليسَ لهُ لسانْ؟
لأنَّ نصفَ شعبنا..محاصرٌ كالنملِ والجرذانْ..في داخلِ الجدرانْ..لو أحدٌ يمنحُني ,من عسكرِ السلطانْ..قُلتُ لهُ: لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ.. لأنكَ انفصلتَ عن قضيةِ الإنسانْ.. !!
ثم يخاطب الأطفال:  يا أيُّها الأطفالْ..من المحيطِ للخليجِ، أنتمُ سنابلُ الآمالْ..وأنتمُ الجيلُ الذي سيكسرُ الأغلالْ
ويقتلُ الأفيونَ في رؤوسنا..ويقتلُ الخيالْ..يا أيُها الأطفالُ أنتمْ –بعدُ- طيّبونْ ..وطاهرونَ، كالندى والثلجِ، طاهرونْ..لا تقرؤوا عن جيلنا المهزومِ يا أطفالْ,فنحنُ خائبونْ..ونحنُ، مثلَ قشرةِ البطيخِ، تافهونْ..ونحنُ منخورونَ.. منخورونَ.. كالنعالْ ..لا تقرؤوا أخبارَنا..لا تقتفوا آثارنا..لا تقبلوا أفكارنا..فنحنُ جيلُ القيءِ، والزُّهريِّ، والسعالْ ..ونحنُ جيلُ الدجْلِ، والرقصِ على الحبالْ ..يا أيها الأطفالْ: يا مطرَ الربيعِ.. يا سنابلَ الآمالْ..أنتمْ بذورُ الخصبِ في حياتنا العقيمهْ..وأنتمُ الجيلُ الذي سيهزمُ الهزيمهْ...!!
وفي الختام اقول"للاشاوس" في حركتي حماس وفتح ان ما تحقق من مصالحة لبنانية داخلية نصراً لكل اللبنانيين، وحافزاً لتحقيق مصالحات عربية أخرى وتحديداً على الساحة الفلسطينية،التي ترزح تحت الاحتلال ويخنقها الحصار ويضعفها الانقسام الداخلي بل ويقتلها.وكلمة اخيرة اوجهها الى قادة حركتي حماس وفتح: عودوا الى رشدكم والى طاولة الحوار والمفاوضات, فأنتم ومهما كبرتم ستبقون اقزاما امام من هو اكبر واعظم منكم..وطننا فلسطين كل فلسطين...!

مقالات متعلقة

º - º
%
km/h
3.75
USD
4.02
EUR
4.84
GBP
296639.17
BTC
0.52
CNY