طارق بصول في مقاله:
مع بدء الثورات شهد العالم العربي نوعين من الهجرة السلبية الاختيارية والإجبارية وكلاهما تميزت بهجرة السكان المحليين من دول المنشأ إلى دول الهدف
دائرة الإحصاء المختصة بشؤون الدول العربية نشرت أن الخسائر الاجتماعية والاقتصادية العربية من جراء ذلك تبلغ ما يقارب 200 مليار دولار كل سنوياً
هذه المرحلة سميتها بالربيع العربي لأنها ازدهرت بإسقاط أنظمة الحكم الطاغية ولكن هذه الزهور سقطت من أشجارها وتحولت إلى خريف ديمغرافي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
منذ نهاية عام 2010م يعيش العالم العربي بمعظمه سلسلة من الثورات المطالبة بإسقاط الأنظمة الديكاتورية التي طغت منذ قرون، والتي سبق أن وصفت بأنها غيمة سوداء فوق سماء الدول العربية يعقبها ربيع أخضر جديد يتميز بالديمقراطية. تنوعت مطالب الثوار لتشمل مجالات مختلفة: اقتصادية – اجتماعية- سياسية وغيرها، وسنتطرق في هذا المقال إلى جميع هذه المجالات من خلال المجال الديمغرافي، وقبل ذي بدء لا بد من التطرق إلى تعريف الديمغرافية، فهي مجال يبحث في التحولات السكانية مثل (الهجرة الإيجابية والسلبية – الإجبارية والاختيارية، نسبة الوفيات والولادة- متوسط العمر- دول المنشأ والهدف). وسنحاول في هذا المقال أن نبين مدى إخفاق الربيع العربي في المعطيات الديمغرافية التي أسقطت زهور الربيع وأبقته خريفا عاريا من الإيجابيات الديمغرافية – من خلال الاطلاع على المعطيات الديمغرافية التي نشرت خلال عام 2014 م.
الأحداث البشعة والثورات النازفة التي شهدها العالم العربي خلال السنوات الأربع الأخيرة أعقبها الكثير من التغيرات الديمغرافية التي هدمت نجاح هذه الثورات، كإسقاط الانظمة الحاكمة – فقد نجد أن عيون الشعوب توجهت نحو إسقاط الأنظمة، وربما نسيت ما يختبئ وراء التغيرات الديمغرافية.
مع بدء الثورات شهد العالم العربي نوعين من الهجرة السلبية ( الاختيارية – والإجبارية ) كلاهما تميزت بهجرة السكان المحليين من دول المنشأ إلى دول الهدف. تميز النوع الأول من أنواع الهجرة بالاختيار الحر من قبل المهاجر وعادة هذه الهجرة ميزت المتعلمين والمثقفين الذين قرروا ترك دولهم والهجرة إلى دول متطورة من أجل العمل في مجالات علمهم والاستثمار هناك. وتدل المعطيات الديمغرافية التي نشرتها الدول العربية المختلفة على هجرة 50% من الأطباء و%23 من المهندسين و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية متوجهين إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا بوجه خاص، والأدهى من ذلك هو أن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم. لقد ترك هؤلاء المهاجرون بلادهم بسبب الوضع الأمني الصعب الذي تمر به دولهم جراء الثورات والانفلات الأمني. أما الهجرات الإجبارية التي تختصر على النازحين الذين طردوا من بيوتهم أو هربوا من الأوضاع الأمنية فيصل عددهم الى 4 ملايين مهاجر على الأقل. تعاني هذه المجموعة من المهاجرين الأمرين لأنهم طردوا من ديارهم وتحولوا إلى لاجئين في دول الهدف التي يعانون فيها من أزمات اقتصادية واجتماعية ومن التمييز ضدهم.
إذن كلا الهجرتين لازمتهما مشاكل ديمغرافية منها للمهاجرين وأخرى لدولة المنشأ:
أ- تعاني هذه الدول اليوم من نقص في الأيدي العاملة، فغالبية المهاجرين هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18- 55 سنة، هذه المجموعة تسمى فئة المعيلين، أي أنها تعمل وتخدم كبار السن والأطفال الصغار الذين لا يستطيعون العمل.
ب- بسبب قلة الأيدي العاملة في جميع المجالات، ولا سيما في التعليم – هنالك نقص في المعلمين، ولهذا فإن هناك مدارس في مصر يصل عدد الطلاب في الصف الواحد فيها إلى 50 طالبا، أضف إلى ذلك أنه يتم تقسيم الطلاب إلى مجموعتين: مجموعة تتعلم في النهار وأخرى في الليل. يعود هذا الأمر بالضرر على تحصيل الطلاب – أي سوف يحصد الجهل جيل آخر.
ج- غالبية المهاجرين من الرجال – مما يزيد من نسبة النساء في الدولة – الأمر الذي يعيق من نمو الجهاز الاقتصادي، فعمل النساء في القطاعات الاقتصادية غير متكامل لكونهن يهتممن بأمور البيت وتربية الأولاد.
انعكست هذه المعطيات على النمو الاقتصادي للدولة، فقد نشرت دائرة الإحصاء المختصة بشؤون الدول العربية أن الخسائر الاجتماعية والاقتصادية العربية من جراء ذلك تبلغ ما يقارب 200 مليار دولار كل سنوياً.
وفي الختام فقد سميت هذه المرحلة بالربيع العربي لأنها ازدهرت بإسقاط أنظمة الحكم الطاغية، ولكن هذه الزهور سقطت من أشجارها بسبب تدهور المعطيات الديمغرافية التي هدمت من الازدهار الاقتصادي للدول العربية وتحولت إلى خريف ديمغرافي. لهذا يجب على الحكومات العربية الأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات بمنتهى الجدية والعمل عليها فوراً من خلال: أ- العمل على جذب عودة المهاجرين المتعلمين من خلال إيجاد أماكن عمل لهم في الدول التي خرجوا منها. ب- متابعة اللاجئين في كل دول الهدف والاهتمام بعودتهم إلى أرض الوطن مهما كانت الظروف صعبة، كحل أولي. ج- جعل الثورات من ورائهم والبدء في العمل من أجل مستقبل زاهر ديمغرافي وحضاري. الحمد لله حمداً يوازي نعمته ويدفع نقمته ويكافئ مزيده.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net