الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 25 / نوفمبر 21:02

لا تذعن لتفكيرك أنه خدعة افتراضية من خلق الآخرين /بقلم: كميل فياض

كل العرب
نُشر: 15/04/15 09:34,  حُتلن: 10:55

كميل فياض:

هناك سائر الناس الذين يفتقدون الميل الكافي الى التدين فيتوجهون الى معوضات اخرى كالثقافة العامة 

هناك من لم يقتنع بشيء وتابع هواجسه وافكاره التي تدور حول جوهر وجوده وحقيقة وجوده 

لا بد أن يكون قد مرَّت على الناس كافة افكار وهواجس حول معنى وجودهم وحقيقة وجودهم - التي تتخطى الظاهر - من هُم من اين جاءوا ومن جاء بهم ولاية غاية؟ واقول افكار وهواجس .. اولاً لأن اي امر صغير او كبير يبدأ افكار وهواجس .. الا ان الهواجس والافكار المتعلقة بحقيقة الوجود خلف - الظاهر - تتلاشى وتختفي سريعًا وربما لا تعود الى واجهة الوعي كل العمر بالنسبة للمعظم، فيعكفون على امور دنياهم ومعيشتهم بالكلية ..

بعضهم اذ يقنط من ايجاد اجوبة شافية يذهب الى تعلم ( الحقيقة ) من الآخرين.. والمعظم لا يفكر ولا يحب ان يكسِّر رأسه في التفكير والبحث، فيأخذ ببساطة بما يقال له.. واذا كان هناك ميل روحي يجد اجوبته جاهزة في دين آبائه واجداده.. وهناك مئات الأديان وآلاف المجلدات التي تستند الى مراجع دينية حاسمة، وكلها عبارة عن تعويض سيكلوجي وإشباع وجداني مجرد لا اكثر، مهما مُنحت النصوص والكتابات التي يؤمن الناس قداسة وعصمة وسماوية الخ ..

اذن هناك المظاهر الدينية التي لا تُعد ولا تحصى، وهناك الشعائر والطقوس والصلوات والادعية .. هناك المعابد والساحات المختلفة، هناك الأبخرة والمذابح والتراقي والتسابيح والقرابين والتراتيل والالبسة الخاصة بكهنوت وشيوخ كل دين وكل مذهب .. هناك ما لا يعد من المظاهر الدينية التي هي كلها عبارة عن تعويض عن تلك الهواجس والافكار التي لم تتحقق في حقيقتها الكامنة وراء الظاهر ..

وهناك سائر الناس الذين يفتقدون الميل الكافي الى التدين، فيتوجهون الى معوضات اخرى كالثقافة العامة، والفنون المختلفة، الرسم باشكاله والنحت باشكاله .. يتوجهون الى التمثيل الى المسرح والى الشاشات والى الاضواء. وهناك الموسيقى والغناء الذي يصدح بمكبراته وكواتمه ، وملايين الاسطوانات والديسكات.. وهناك الرياضات البدنية المختلفة، هي ايضًا تتخذ احترافا كأجوبة غير مباشرة عن تلك الهواجس والاسئلة التي لم تلقى اجوبة حقيقية عن اصل الناس وفصلهم ونزوعهم للكمال ..

وهناك الادب والشعر والفلسفة ومن يفنون طاقاتهم فيها.. وهناك طبعا المال والاعمال والاسواق ، ومنتوجات لا تعد ولا تحصى استهلاكاً خرافيًا كتعويض ايضًا عن عدم تحقق تلك الافكار والهواجس .. وهناك الشعوذات - التقليدي منها والمتطور - " كعلم " الابراج والنجوم والطوالع الخ الخ .. وكلها كلها تعويضات عن العجز عن تحقق تلك الهواجس والافكار في ماهيتها ..

.. وقد يلطف بعضها فيصعد الى اجواء الحقيقة ويقترب اقترابًا من ابوابها الموصدة ..
وهنا يجب التأكيد الى أن هذا الطرح هنا لا يقصد تجريد النشاطات كلها ، خصوصًا - الفكرية والادبية والفنية - من كل معنى ، كقيم جمالية في حد ذاتها ، حيث هي انعكاسات للمطلق ( الخفي) يتدرج في لطافته حتى حدود البسيط النهائي .. لكن لا يخرج عن حدود الانعكاسات والتعويضات النفسية ..

وهناك من لم يقتنع بشيء من كل ما انف ذكره ، وتابع هواجسه وافكاره التي تدور حول جوهر وجوده وحقيقة وجوده ، حتى اضحت هذه الهواجس مشروعه الاساس كل حياته ، وقد أخذ على نفسه الا يأخذ فكرة واحدة من احد، وان لا يحفظ اي درس واي كلمة من اي مرجع سوى ان يكون هذا المرجع ، هو الحقيقة ذاتها بلحمها ودمها..

كيف تتشكل معرفتنا لأنفسنا وتباعًا للعالم الموضوعي؟

الكشف عن سر تكوُّن معارفنا هو احد اهم مفاتيح المعرفة ، فمعظم الناس – بما فيهم علماء ومفكرين – انخرطوا تحت هذه الحاجة او تلك ، في منهج قبول وتكوين (الحقائق)التي يتم وفقها بناء العالم الذي يعيشون فيه ..انه " الابسورد " الذي نعيش فيه  نعاني نعشق ونكتب الشِعر ونتطور ونموت داخله.. هو في واقعه مجموعة رموز نحن خلقناها وتوافقنا عليها حتى باتت ( حقائق) يتأسس عليها واقعنا وتطورنا .. ولا ننتبه الى ان الاسماء ليست هي الاشياء ، والرموز ليست هي الموضوعات. ومثلما اننا منحنا الكلاب اسماء مختلفة – " أمستف، دوبرمان " الخ دون ان تعرف الكلاب اسماءها  وحيث كان بامكاننا منحها اسماء اخرى غيرها ، هكذا كل مفاهيمنا تجاه موضوعاتنا جميعًا – حسية ومجردة - هكذا تنشأ معتقداتنا وفلسفاتنا وعلومن ، تصبح عالمنا الذي نعيش فيه ، نحب ونكره ونتقاتل .. ولذلك فان اول المعرفة بالوجود هي الكشف عن الحقيقة الكامنة وراء الظواهر المتشكلة من رموز خلقنا.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة