الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 22 / نوفمبر 22:02

التجمع الوطني الديمقراطي.. ولادة عسيرة ومولود قويّ/ سهيل كيوان

كل العرب
نُشر: 07/05/15 14:33,  حُتلن: 16:55

سهيل كيوان في مقاله:

في صلب التجمع وعلى رأس أولوياته هو الصراع القومي بين الشعب الفلسطيني والحركة الصهيونية

التجمع لاقى وما زال يلاقي تجاوبًا واتساعًا خصوصًا بين الفئات الشابة لمصداقية طرحه المحسوس على أرض الواقع خصوصًا تحديد الصراع القومي مع الحركة الصهيونية

يعتبر التجمع الوطني الديمقراطي الوريث الشرعي للحركة الوطنية الفلسطينية في مناطق 48، منذ ظاهر العمر الزيداني مؤسس أول كيان سياسي فلسطيني في الجليل حتى يومنا هذا مرورًا بحركة الأرض والحركة التقدمية وأنصار وغيرها من حركات وطنية قومية إضافة إلى مئات الشخصيات الفاعلة ولكن غير المنظمة، وذلك أن في صلب التجمع وعلى رأس أولوياته هو الصراع القومي بين الشعب الفلسطيني والحركة الصهيونية وريثة ومواصلة طريق الاستعمار الساعية لاقتلاعه، معتبرًا أن الصراع الأساسي هو مع الحركة الصهيونية وما تعنيه من هجرة يهودية إلى فلسطين على حساب طرد الشعب الفلسطيني من وطنه، وحرمان من تبقى منه من المواطنة الكاملة، وليس صراعًا طبقيًا على حقوق طبقة العاملة، مقدما بهذا الصراع القومي والوطني على الصراع الطبقي، فقد اعتبر التجمّع الوطني الديمقراطي نفسه جزءًا من حركة التحرر الفلسطيني وأحد روافدها وليس مناصرًا لها أو متضامنًا معها كجسم خارجي كما فعل الحزب الشيوعي الإسرائيلي وما زال، بل رأى نفسه جزءًا منها دون أن يتنكر للديمقراطيين اليهود الذين يتضامنون مع قضية شعبنا ولكن دون تضخيم حجمهم وقدراتهم ودورهم في سيرورة عملية التحرر الوطني الفلسطينية.

ليس سرًا أن نواة التجمع الأولى أتت من حركة ميثاق المساواة، ومعظم أعضائها أتوا بعد انفصالهم عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي تحول إلى ما يشبه المذهب الديني العقائدي المتجمّد، وسيطرت فيه القوى الرافضة للتجديد التنظيمي والفكري والتي رأت بنفسها امتدادًا للمستوطنين الإشتراكيين الأوائل في فلسطين الذين حملوا معهم الأفكار الإشتراكية إلى جانب الاستيطان في فلسطين وأسهموا بطرد شعبها، واصلوا هذا في الوقت الذي كان مهد الشيوعية وعمودها الفقري المتمثل في الإتحاد السوفييتي ينهار مع دول المعسكر الإشتراكي الأخرى. كان على رأس هؤلاء المنفصلين عن الحزب والسباق بينهم د.عزمي بشارة ود.باسل غطاس، ود.جمال زحالقة وغيرهم ممن بادروا لإنشاء حركة ميثاق المساواة، وكان معظم أعضائها رفاقًا منفصلين عن الحزب الشيوعي.

هذه الثلة وبعد نقاش طويل ومرير مع الحزب الشيوعي وصلت إلى طريق مسدود، خصوصًا أن الأداة التنظيمية (الحزب) عملت كما لو كانت في ظروف نشوء البلشفية الأولى، تتغلب فيها المركزية الحديدية على إبداع الأفراد، حيث كان المنطق وقانون الحزب يقول "نفّذ ثم ناقش"، بما يشبه النصوص الدينية، وكانت قضية رموز الدولة وعلى رأسها نشيد (هتكفا) الذي كان ينشده الحزب في مؤتمراته والعلم الإسرائيلي الذي يرفعه في تظاهراته وخصوصًا في الأول من أيار، وتقديم الطبقي على القومي واعتباره المواجهة المركزية والأولى مع الصهيونية من أهم نقاط الخلاف بين مجموعة ميثاق المساواة والحزب، إلى جانب القضايا التنظيمية وقضية المركزية الخانقة لكل إبداع تنظيمي أو فكري واستبعاد أي عضو يفكر باتجاه مختلف عن الهيئات الأعلى، وهذا ما اصطدمت به مجموعة ميثاق المساواة حتى قبل انهيار الإتحاد السوفييتي. تبعه فيما بعد مئات الرفاق الآخرين، ولكن في تلك المرحلة كان الأفق شبه مسدود فالمنطقة كلها في حالة انهيار بعد حرب الخليج واحتلال العراق، ثم اتفاقات أوسلو، فما الذي يمكن عمله بدون أداة تنظيمية! والجميع يعرف أنه بدون تنظيم لا يمكن أن يتطور العمل الوطني الثوري، إضافة لمحاربة الحزب الشيوعي لأي تنظيم جديد يتبنى القضية الوطنية لدرجة تخوينه كما حدث للحركة التقدمية للسلام بقيادة المحامي (محمد ميعاري وماتي بيلد وواصل طه) وحركة الأرض من قبلها وغيرها. هكذا نشأت وفي تلك الظروف فكرة (التجمع) الذي كان عبارة عن تحالف ( ميثاق المساواة) مع الحركة التقدمية للسلام، وأبناء البلد، وحركة (النهضة) و(الأنصار) و(أبناء الطيرة) و(المجاهدين) وسليمان دغش الذي أسس الحزب (التقدمي الإشتراكي) وغيرهم من الشخصيات الوطنية التي لم تكن مؤطرة في حركة أو حزب.

إلا أن الحزب الشيوعي ائتلف مع التجمع الوطني في انتخابات الكنيست عام 1996 لأسباب موضوعية ليكون الدكتور عزمي بشارة أول ممثل للتجمع في البرلمان، وكانت هذه الخطوة من الحزب الشيوعي بعدما شعر بقوة التجمع وشعبية طرحه لا سيما بعد انهيار المعسكر الإشتراكي.

أصلب عود التجمع وفي العام 1996 أصدر الصحيفة الناطقة باسمه (فصل المقال)، وقويت أساساته ليتمكن فيما بعد من خوض انتخابات الكنيست بتحالفات مع غير الحزب الشيوعي أو أن يخوضها وحيدًا، ونجح في الصمود والتطور رغم الهزات العنيفة، وآخرها خروج المؤسس عزمي بشارة إلى المنفى الذي اعتبر أزمة للحزب، إلا أن تمسك الكثير من الكوادر في الفكر الأساسي السياسي والاجتماعي للتجمّع مده بالصمود وتجاوز المحنة.

وقد لاقى التجمع وما زال يلاقي تجاوبًا واتساعًا خصوصًا بين الفئات الشابة لمصداقية طرحه المحسوس على أرض الواقع، خصوصًا تحديد الصراع القومي مع الحركة الصهيونية على الأرض والمواطنة الكاملة الذي تبنته معظم الحركات الوطنية، وتأخير الطبقي دون التقليل من أهميته باعتباره تابعًا وأداة أخرى من أدوات الاضطهاد القومي للشعبنا، ثم التنظيم الوطني الديمقراطي الذي يتيح لكل رفيق التعبير عن رأيه دون مركزية قامعة، كونه تجمعًا ليس عدديًا فقط، بل هو تجمع لأفكار واجتهادات وطنية ديمقراطية وتنظيمية شاملة سياسيًا واجتماعيًا وتنظيميًا خصوصًا بما يتعلق بحقوق المرأة، إذ كان سبًاقا لضمان مكان في قائمته للكنيست لإمرأة فكانت حنين زعبي أول فتاة عربية تدخل البرلمان من قبل حزب وطني وقومي.

أخيرًا خوض الأحزاب العربية إضافة للجبهة العربية-اليهودية الانتخابات في قائمة مشتركة أثبت صحة نهج التجمع الوطني، وهذه أتت كمرحلة وخطوة نوعية تضاف لرصيده الفكري، وهي خطوة بلا شك سيكون لها ما بعدها ليس فقط داخل البرلمان بل وخارجه على مجمل نضال الشعب الفلسطيني.

كاتب وصحافي فلسطيني

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة